زيارات دولية وقصف مطار أربيل وزيادة قوات الناتو.. ماذا يحدث في العراق؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/02 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/02 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
رفع علم العراق أعلى أحد البنايات بعد تحرير الموصل / iStock

في تسعينات القرن السابق، انقسمت يوغوسلافيا إلى ست دول، تبعها لاحقاً استقلال إقليم كوسوفو والاعتراف به دولياً كدولة مستقلة، بعدما فشلت صربيا، وريثة يوغوسلافيا، في ضمه بالقوة، تحت وطأة القصف المكثف لحلف شمال الأطلسي (الناتو). 

وبعد فشل المحاولات الصربية، تم وضع الإقليم تحت حماية الأمم المتحدة وحلف الناتو، حيث صار إقليم كوسوفو كياناً مستقلاً تحت إشراف دولي بدعم أمريكي وأوروبي، وما كانت لتتم تلك الخطوة لولا أن ثار الإقليم على المحاولات الصربية للاستيلاء عليه.
وفي 17 فبراير/شباط من عام 2008، أعلن الإقليم انفصاله الكامل عن صربيا، وأعلنت أكثر من مئة دولة اعترافها بكوسوفو، وتمت إقامة قاعدة لحلف شمال الأطلسي في الدولة الناشئة حديثاً والتي تقارب مساحتها 10 آلاف كم2، وتعد من أكبر القواعد في القارة العجوز.

ما علاقة كوسوفو بالموصل؟ 

والذي دفعنا لذكر تجربة إقليم كوسوفو في نيل الاستقلال، زيارات سفراء الدول الأوروبية، فرنسا وألمانيا والدنمارك للموصل دفعة واحدة يوم 13/2 /2021 وقبلها كانت زيارة السفير البريطاني للموصل. وقد أعلن السفراء عن نواياهم الصريحة في المساهمة في إعادة تعمير الموصل، ثم أعقبت تلك الزيارات استهداف وقصف لبعض المواقع في أربيل، من بينها مطار أربيل، من قبل بعض الميليشيات، ولا ندري أكان الأمر محض صدفة أم مقترناً بتلك الزيارات.

وبعد القصف، جاء إعلان حلف شمال الأطلسي نيته زيادة عدد قواته داخل العراق ومن ضمنها القوات التركية المتواجدة أصلاً شمال الموصل.

ولا يمكن إهمال زيارة بابا الفاتيكان المرتقبة للمنطقة التي تصب في إرساء جذور المسيحيين في الموصل وسهل نينوى، بعدما ازدادت معدلات هجرتهم إلى خارج العراق، ولكنها جزء من عملية مستقبلية تنتظر المنطقة على الأغلب.

ولا نغفل أن تلك الأحداث جاءت بعد تنصيب السيد جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية والمعروف عنه تشجيعه إقامة نظام فيدرالي في العراق منذ كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

ويعيد انفصال زيارة السفير البريطاني عن باقي السفراء للموصل، يعيد للأذهان الصراع الخفي بين بريطانيا وفرنسا بعد تخلي بريطانيا عن بعض تعهداتها في سايكس بيكو قبل أكثر من مئة عام، واستئثارها بمعظم مناطق ولاية الموصل العثمانية والتي كانت داخل النفوذ الفرنسي، وكان النفط والموقع الاستراتيجي للمنطقة من أهم العوامل التي عززت استئثار بريطانيا بالمنطقة.

فهل هنالك تنافر في المصالح بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بعد "البريكست" أم هو نوع من الترتيبات السرية لأمر ما ستكشف عنه الأيام القادمة؟

مستقبل العراق

لقد كتب كثير من المحللين بعد احتلال الموصل من قبل تنظيم الدولة "داعش" وما حولها بأن خريطة الشرق الأوسط ستتغير، وإذا كان الأمر كذلك فإن انتشار قوات عدة دول في المناطق السورية المحاذية للموصل وارتفاع حدة الصراع الأمريكي-الإيراني داخل أراضي العراق هي مؤشرات لتلك العملية. وهنا لابد من الرجوع إلى بعض الحقائق التاريخية بشأن قضية الموصل وتعقيداتها، ففي عام 1935، كتب هنري أ. فوستر كتاباً عن نشأة العراق الحديث، خصص فيه حيزاً كبيراً للنزاع حول تبعية الموصل بين تركيا وبريطانيا بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1918، وما صاحب ذلك من ملابسات انتهت بضم ولاية الموصل، بقرار من قبل عصبة الأمم 1925، إلى العراق المتكون من ولايتي البصرة وبغداد.

وقبل ذلك كانت بريطانيا قد استخدمت قواتها لفرض السيطرة على الموصل والعراق في معاهدة لوزان 1923، وفرض شروطها على تركيا، ثم غلب اسم العراق على الولايات الثلاث، كما يقول هنري. أ. فوستر.

قبل مئة عام كان لبريطانيا اليد الطولى وحصلت على النفط والأرض، ولكن الآن تغيرت المعطيات الجيوسياسية ولكن الأطماع إن صح التعبير لم تتغير، وإنما ازدادت تعقيداً. وما يدعو لإثارة تلك المسائل هو اقتناع "الحلفاء" بصعوبة إدارة العراق كوحدة نفطية متكاملة، ووجود كميات هائلة من النفط والغاز في الحقول الشمالية الصحراء الغربية، حيث أثبتت آخر الدراسات أن العراق يقع في المرتبة الخامسة عالمياً في احتياطاته النفطية والثاني عربياً.

فهل سيؤدي ذلك إلى تقسيمه إلى فيدراليات أو كونفدراليات تحت إدارة شبه مركزية في بغداد، وليس بالضرورة إلى تقسيمه على طريقة إقليم كوسوفو الذي صار دولة مستقلة، لكن عندئذ يكون الموصل أكثر المناطق قابلية لأي نوع من التقسيم والانفصال.

ورجوعاً إلى الموصل، فلا بد من الوقوف على ما ينظر إليه هاري تشارلز لوقا في كتابه "الموصل وأقلياتها"، بأن تلك المدينة لها إطلالة مميزة في عيون العالم لتنوعها الإثنوغرافي وتاريخها الطويل الذي يمتد إلى ما يقارب  4000 عام. ورغم أن الموصل تشابه مناطق القوقاز الذي يوجد فيه فسيفساء من الأجناس، إلا أنها -أي الموصل- لم تعرف خلافات إثنية أو دينية حادة إلا قليلاً، وكانت السمة الأبرز لتاريخها هي التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود قبل خروجهم إلى إسرائيل قبل حوالي سبعين عاماً. وكذلك الأمر بين القوميات الرئيسية وهم العرب والكرد والتركمان، لأن الرابطة الدينية كانت أقوى من الرابطة القومية إلى ما قبل ظهورها بعد الحرب العالمية الأولى.

خاتمة 

إن التواجد الأممي والأوروبي والأمريكي واضح للعيان في الموصل بعد هزيمة تنظيم الدولة "داعش"، كما الحضور المكثف للمنظمات الإنسانية، فهل هنالك ما يرتب له بين تلك الأطراف.. نحن نرى الظواهر ونرصدها، فهل هنالك أمور وتفاصيل لا ندركها؟

الجواب حتماً نعم.. التغيير واقع لا محالة. ولكن ليس بسيناريو كوسوفو بحذافيره.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعد سعيد
كاتب عراقي
كاتب عراقي
تحميل المزيد