كيف أنقذنا زواجنا بعد 10 سنوات من الروتين والملل؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/01 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/07 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش

– حياتنا الآن على المحك.. روتين ممل قاتل، وخرس منزلي مفعم بكم لا بأس به من النفور والتهميش وعدم اللامبالاة.

أستيقظ من نومي لتبدأ دوامة الحياة مع الأبناء، ويستيقظ هو من نومه لا يعير أي شيء انتباه سوى تناول طعام فطوره وسؤاله الذي لا يمل منه: أين قميصي.. هل قمتِ بكيّه أم أنك قد نسيتِ؟

يرتدي ملابسه دون أي حوار بيننا أو حتى ابتسامة أو قبلة صباحية، ثم يذهب إلى العمل، ولا أعلم عنه أي شيء حتى يعود في المساء وهو يسقط من الإرهاق، لا يرى أي شيء أمامه سوى راحته فقط!

لا يسألني عن حالي، ولا ماذا فعلت مع أبنائنا أو ماذا فعلوا بي، لا يجلس معي لنتجاذب أطراف الحديث، للدرجة التي نسيت فيها صوت ضحكته أو حتى ابتسامته، فلم أعد أراه  الآن سوى عابس الوجه أو متجهم.

– مللت من طريقتها 

تطالبني بأن أكون رومانسياً، أدللها وألاعبها وأنا رجل مشغول وليس لدي الوقت الكافي لذلك. 

هي تعلم يقيناً أني أحبها، فلم هذا السؤال المعهود: هل تحبني؟ ولماذا ؟

تريدني أن أجلس لأحكي معها مثل صديقتها أو جارتها وأنا مرهق من العمل، أغوص في دوامته حتى أخمص قدميّ.. ولمن أتعب أنا؟ أليس لها ولأبنائنا؟ أليس هذا هو الحب؟!

– بالأمس طرحتُ عليه سؤالاً هاماً:

لماذا تزوجتني؟ نظر لي نظرة عجب واستياء ولم يجبني، فعاودت السؤال مرة أخرى فأجاب إجابته التي زادتني استفزازاً ونفوراً منه: "اتجوزت عشان كان لازم أتجوز"، لا أفهم: "حسناً.. لماذا يتزوج الناس يا عزيزتي؟". 

– عندما سألتني هذا السؤال لم أتمالك نفسي..

حاولت أن أكون هادئاً قدر الاستطاعة، وأنا أعلم أنها تريد أن أقول لها لأنني "أحبها"، لكن هذه ليست الحقيقة، فلقد تزوجنا زواج صالونات ولم أحبها إلا بعد الزواج، هل تريدني أن أكذب؟!

– كانت القشة التي قصمت ظهر البعير 

ذات مساء هادئ، وبعدما أنهيت الغداء وأعمال المنزل، عاد من العمل، جهزت المائدة وناديت الأبناء لنتناول الطعام سوياً، ومع أول ملعقة يتذوقها، قالها بملء فيه وهو يتمايل فخراً: هل تعرفون لماذا تزوجت أمكم؟ "عشان نَفَسها في الأكل تحفة"، نظرت له نظرة حادة ولم أتمالك أعصابي، فأحببت أن أتأكد مما سمعت:

– ماذا تقصد؟ تعني أنك تزوجتني فقط لبراعتي في الطبخ! 

تلجلجت حروفه ثم أجاب: امممم، هناك بالطبع بعض الأسباب الأخرى، لكن هذا هو السبب الرئيسي، فطعامك يا عزيزتي لا يعلى عليه.

– حسنا وماذا عن عقلي، شهادتي، أفكاري، ديني، أخلاقي، جمالي؟!

– نعم هي موجودة، لكنها تأتي جميعاً في المرتبة الثانية بعد براعتك في الطبخ.
 حينها لم أدر بنفسي إلا والصحون تتطاير في الهواء ثم لا أعلم ماذا حدث بعد ذلك سوى (…..)

– أسئلتها تستفزني 

ما المانع أن أكون قد تزوجتها لبراعتها في المطبخ، لم أعد أفهمها ولا أعلم ماذا تريد، حقاً لقد سئمت الحياة بهذه الطريقة، طوال الوقت تصرفاتي تحت الاختبار، وتنهال عليّ أسئلة عجيبة ما أنزل الزواج بها من سلطان، عتاب ولوم في كل وقت، لم تعد تعجبها طريقتي في حبها، وصارت المشاكل تبعدني عنها وعن الرجوع للبيت، وصرت أفضل البقاء في العمل حتى وقت متأخر من الليل لأضمن نومها.

– لا أعلم ماذا حدث بعد ذلك سوى (……) سوى الصمت المطبق، لقد انسحبت تماماً من حياته. 

يعود من عمله ليجدني قد استسلمت للنوم أو هكذا يظن، لم أعد أطالبه بأي شيء لا نفسياً ولا جسدياَ، وصرت أعتبره ضيفاً يأتي ليأكل وينام ثم يذهب للعمل، وفي اليوم التالي، إن قال أي شيء، هززت رأسي وابتسمت ابتسامة صفراء، وإن طلب مني أي شيء قمت بتنفيذه دون نقاش. 

يأتي فيجد المنزل مرتباً على أكمل وجه، غرفته نظيفة ومعطرة وملابسه جميعاً تم كيّها ووضعها في مكانها، طعامه جاهز كما يحب، وأنا له جسد بلا روح.

– لا أعلم ماذا أصابها؟

هل أصيبت بالخرس؟ هل استسلمت؟ في البداية طار قلبي فرحاً، لكنني بدأت أتشكك وبدأت أشعر أيضاً أني غريب في بيتي، وبدأت روحي تشعر بالغربة، أما عن شعور الوحدة فحدث ولا حرج!

لا أعلم ماذا أفعل، أخشى أن أتحدث معها فتنفجر في وجهي، أو يزداد صمتها فيقتلني، أنا حقاً أحبها لكنني عاجز عن إرضائها، كما أن حالتي المادية لا تسمح بالكثير حتى أحضر لها الثمين من الهدايا حتى أراضيها. 

– مُفكرتي العزيزة:

حدثت عدة تغيرات لا أعلم سببها لكنني تركت نفسي أستمتع بها دون الخوض في أسئلة ستفقدني بهجة ما يقدمه.

هاكِ ما حدث:

اليوم الأول: استيقظت من النوم، ففوجئت أن الساعة قد تجاوزت السابعة، نظرت في جوالي فوجدت أن جرسه قد اُغلق، قفزت من الفراش لأوقظ أبنائي فلم أجدهم، فأخبرني أنه قد أيقظهم وأعد لهم فطورهم ليلحقوا سريعاً بحافلة المدرسة، ثم وجدت طعام الفطور على المائدة، ووجدته يطبع على وجهي قبلة، ثم انصرف وتركني لذهولي وتساؤلاتي.

اليوم الثاني: جاءتني منه رسالة من كلمة واحدة: "أحبك"

اليوم الثالث: جئت مسرعة من المطبخ على صوت جرس الباب، فتحته فوجدت باقة كبيرة من الورود الحمراء تتوسطها باقة أخرى بيضاء من زهوري المفضلة.

اليوم الرابع: عاد من العمل مبكراَ وشاركني في إعداد طعام الغداء ومن بعدها قام بغسل الصحون، يا إلهي كنت سأسقط مغشيا عليّ! 

اليوم الخامس: كان يوم الذهاب إلى السوبرماركت مؤخراً كنت أذهب إليه وحدي، لكنه أخبرني أنه سيذهب وأنني يجب أن أرتاح، وبالفعل ذهب وعاد بكل أنواع الفواكه التي أحبها. 

اليوم السادس: قالب من الشيكولاتة المفضلة لدي بجوار فراشي.

اليوم السابع: أطعمني في فمي وقت الغداء. 

اليوم الثامن: في إجازة الأسبوع أرسل رسالة نصها: "أحب أن أقضي معك وقتي، فما رأيك في نزهة نيلية، لم نذهب هناك منذ الخِطبة.

اليوم التاسع: أتى لي بهدية عبارة عن جورب زاهٍ يتلألأ كلون السماء لأتدفأ به في المنزل وشال خِيط خصيصاً يحوي كل ألوان الطيف.

اليوم العاشر: كوب عليه صورتي وصورته تتوسطهما أول جملة قالها لي يوم أن صرت حلاله.

اليوم الحادي عشر: فتحت خزانتي ففوجئت برواية لكاتبي المفضل.

اليوم الثانى عشر: إصبع روج وفرشاة جديدة للشعر. 

اليوم الثالث عشر: قهوتي المفضلة، كنت أبحث عنها ولم أجدها في السوق.

اليوم الرابع عشر: وجدت في حقيبتي مفكرة وقلماً رصاصاً، لأنه يعلم مدى عشقي للأدوات المكتبية.

اليوم الخامس عشر: قنينة عطر صغيرة كنت أتعطر بها، وأنا في المرحلة الإعدادية، لا أعلم كيف عرفها كما لم أعلم من أين أتى بها، وكنت أشعر أن هذا النوع من العطر قد انقرض.

اليوم السادس عشر: خمسة مجلدات من مجلة ميكي.

 اليوم الثامن عشر: "ما وراء الطبيعة"..المجموعة الكاملة. 

اليوم التاسع عشر: مجموعة أقلام للرسم والتلوين لأمارس هوايتي المفضلة.

اليوم العشرون: كانت أكبر مفاجأة حدثت على الإطلاق، فيديو يجمع فيه كل صوري منذ طفولتي وحتى آخر صورة تم التقاطها لي.

– كل ذلك كان يحدث دون أن نتحدث كثيراً، دون أن يسألني هل مازلت تحبني؟
كان يقترب مني بتفاصيله، وأقترب منه بتقديري لما يقوم، كان يخطو إليّ كل يوم خطوة، وكنت أبادله خطوة أمام خطوته، لكنني كنت أقترب بحذر، وكنت أخشى أن يكون تغييراً وقتياً، حتى لا أنكمش على نفسي مرة أخرى، لكنه مع كل خطوة كان يثبت لي عكس ما أفكر فيه.

عندما زادت حيرتي توقفت مع نفسي كثيراً، وخشيت أن يكون ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة، أو يكون طريق الذهاب بلا عودة، خِفت على نفسي وعليها وعلى حبنا وزواجنا، وفكرت كثيراً أن أجلس معها وأتحدث، لكنني شعرت أن الحديث لن يجدي، وأنه قد يأتي بنتيجة عكسية، فآثرت السلامة وقررت أن الفعل حينها هو القرار الأسلم.

تفرغت لها ولنفسي، وجلست أعصر ذاكرتي لأتذكر الأشياء التي تحبها من أول الألوان والاهتمامات والهوايات والمواهب، إلى الأماكن والطعام والمطاعم والعطور والذكريات وطفولتها التي حدثتني عنها، فقررت أن أتخير منها لأرسم كل يوم بسمة على وجهها، ولأزرع زهرة في بستان علاقتنا.

كنت أعتمد في خطتي على سياسة "نقطة الماء والحجر"، وكل يوم أضع نقطة ماء على الحجر شرط الاستمرار والمداومة أفضل ألف مرة من دلو واحد كل عدة أشهر، وبعد فترة ليست بالطويلة ستُحدث نقطة الماء مفعولها وقد كان.

– مفكرتي العزيزة عفواً، بل مفكرتي الرائعة الحبيبة:

لا أعلم كيف أبدأ ولا من أين، فسعادتي لا توصف وقلبي ينبض وكأني مازلت مراهقة، لم أكن أعلم أني أحبه بهذا القدر، وكنت أعتقد أن حياتي صارت بائسة، وأن هذا الزواج قد مات منذ مدة طويلة، لكنه نجح بالفعل، ونجح في إحيائه مرة أخرى، ونجح بأبسط الأشياء.

لم أكن أعلم أنه يتذكر كل ذلك، بل ويحفظه عن ظهر قلب، ولم أكن أعلم أني حبيبته إلى هذا الحد، كما لم أدرك أن تفاصيله ستعيدني للحياة، لتحييني بين يديه مرة أخرى. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاطمة المهدي
كاتبة ومستشارة أسرية
كاتبة ومستشارة أسرية
تحميل المزيد