10 سنوات مرّت على بدايته.. لماذا لن يتوقف الحراك المغاربي قريباً؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/25 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/25 الساعة 10:49 بتوقيت غرينتش
الجراك الجزائري/رويترز

مما لا شك فيه أن التطورات المتسارعة التي تعرفها المنطقة المغاربية، ليست وليدة اليوم أو الماضي القريب. بل هي نتاج لعديد الأحداث العالمية وكثير الظواهر الإقليمية، وصعوبات اجتماعية واقتصادية وسياسية داخلية، أثرت على حياة الشعوب المغاربية، وخلقت داخل عدة بلدان مغاربية ثورات وانتفاضات، بعضها كامن وبعضها جليّ. ما أثر بشكل واضح على هرم السلطة، وخلق فراغاً سياسياً ودستورياً أثر على المشهد السياسي لتلك البلدان وكذا على الحركة الاقتصادية ككل. ليطغى السؤال الآتي على المشهد المغاربي: هل حققت ثورات وانتفاضات شعوب المنطقة المغاربية ما كانت تطمح له من تغيير أم أنها أنتجت فراغاً سياسياً ودستورياً فقط؟

بما أن الثورة هي عملية النهوض للتغيير، وتغيير يقصد إزاحة وهدم الوضع المُثار عليه لخلق أوضاع اجتماعية وسياسية أفضل. فالثورة تعبر عن توق وشوق للحرية، ورغبة في النهضة والتقدم، وإيمان بحرية الرأي والتعبير، وهي في النهاية تعبر عن نضوج التفكير الجمعي، وهي محاولة لتقديم ما هو أفضل مما هو كائن.


هذا المفهوم، وتلك المطالب، جميعها، قد عبرت عنها شعوب المنطقة المغاربية منذ اندلاع الربيع العربي في نهاية عام 2010. وتعتبر الثورات والانتفاضات المغاربية امتداداً لمثيلاتها التي قامت في الأقطار العربية. لاسيما أن الترابط والشعارات التي تجمع بينهما، تبقى واحدة "إسقاط الاستبداد وتحقيق العدالة وتقاسم الثروة بشكل عادل"، رغم اختلاف أنظمة الحكم.

أسباب الحراك المغاربي


لقد أحدث الربيع العربي، وفي فترة قصيرة زمنياً، تغييرات جوهرية متسارعة في المنطقة المغاربية، فبعد الإطاحة باثنين من أقدم الأنظمة السياسية في المنطقة (تونس وليبيا)، شكلت التحركات والمطالب الشعبية ضغوطاً متزايدة على الأنظمة المجاورة لأنظمة بن علي والقذافي، فاجتاحت الاحتجاجات والاضطرابات الداخلية، متأثرة بالثورات العربية، دول الجوار. وساهم الحراك الشعبي في تحريك عجلة الإصلاحات المجمدة، ولو بشكل نسبي، في بعض الأقطار المغاربية وإن كانت مؤقتة أو بطيئة الحركة وطفيفة التأثير بعض الشيء.
لكن ذلك الحراك، داخل الأقطار المغاربية مستمر حتى يومنا هذا، رغم التغيرات الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة ورغم جائحة كورونا التي شلَّت حركة العالم. ويمكن تسميته الحراك "الشعبي المغاربي الثاني" وشعاره هو (التغيير والإصلاح). حيث عرف هذا الحراك الشعبي المتواصل مستجدات قوية وأفرز عدة نتائج وأحداث أعطت نتائج مفاجئة داخل الساحة السياسية المغاربية. ويعتبر التغيير الكبير الذي حدث خلال هذا الحراك المتواصل هو التغيير الذي وقع بالجزائر وتمخض عنه في نهاية المطاف استقالة هرم السلطة ومحاكمة رموزه، لكن ذلك لم ينهِ حركة التغيير والاحتجاج.

 
أما الحدث الآخر البارز داخل الساحة المغاربية فهو المسار الديمقراطي، التي سلكته وسطرته تونس بعد نجاح ثورتها الداخلية. فرغم أنها عرفت عدة أحداث جسام على المستوى الأمني بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي أثرت على المجال العام للدولة. فإن ذلك لم يؤثر على محاولات الإصلاح الدستوري والمؤسساتي والفصل بين السلطات، والذي يعتبر بمثابة المسار الصحيح لإنجاز أي تغيير داخل أروقة السلطة والحكم داخل أي دولة. لقد خلقت تونس بيئة مناسبة سياسياً حتى تمكنت في الأخير من تأسيس نظام سياسي يوازن بين السلطات ودستور يفتخر به الشعب التونسي. لكن تلك "الشمعة التونسية" تحتاج للحماية، والنأي بها عن الصراعات الداخلية والخارجية لتبقى مضيئة.
  

‏الحراك.. وسؤال التغيير


رغم كل ما حدث في الساحة السياسية المغاربية من إيجابيات أو إخفاقات، يبقى النموذج التونسي مثالاً واقعياً على الإصلاح والانتقال الديمقراطي السليم. وقد خلق واقعاً ديمقراطياً جديداً، ليس فقط داخل المنطقة المغاربية، بل داخل العالم العربي من المحيط إلى الخليج. وكونه أفرز لنا نخبة سياسية فريدة (بإيجابياتها وسلبياتها)، وبعيدة كل البعد عن الطبقة التقليدية التي تتحكم دائماً في مقدرات المنطقة العربية، ويبقى هذا التميز التونسي شمعة مضيئة في العالم المغاربي والوطن العربي ككل إذا لم يقع فريسة للأطماع الخارجية والأجندات الخاصة.

تلك المتغيرات كلها لم تسقط شرعية سؤال التغيير في المنطقة المغاربية بل منحته دفعة إضافية، فالحراك لم ينتهِ ولا زالت بعد شعوب الدول المغاربية تنادي بالإصلاح والتغيير من أجل تحقيق مطالبها. وتبقى الجزائر المحك الرئيسي لهذا التغيير، كونها تعرف احتجاجات متواصلة رغم أن المتحكمين في مفاصل الدولة لهم رأي آخر.
في الختام، يجب التأكيد على أن معظم الأنظمة في المنطقة المغاربية التي اجتاحتها الاحتجاجات، تأثرت بالثورات، وعلى إثرها قامت بإجراء مجموعة من الإصلاحات المتفاوتة نسبياً بغرض تفادي تطور الحراك والغضب الشعبي إلى ما هو أخطر عليها ومحاولة احتوائه وخفض سقف مطالبه. ولكن تلك الإصلاحات أو المخرجات، وبحسب العديد من المؤشرات لا ترقى إلى الآمال التي تتطلع إليها الشعوب المغاربية، كما أنها غير كافية لطرد شبح الحراك القائم. لذلك من غير المستبعد أن تستمر وتتسع رقعة الاحتجاجات في المنطقة المغاربية حتى يتوافق الإصلاح التي تقوم به السلطة مع سؤال التغيير الذي يطرحه الحراك الشعبي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبيد الله
باحث في العلوم السياسية
باحث مغربي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تحميل المزيد