يخلط الكثيرون بين العملات الرقمية والعملات الرقمية المشفرة، للأسف لدى الكثيرين معلومات خاطئة عن هاتين العملتين ولا يفرِّقون بينهما.
بالنسبة للعملات الرقمية فهي عملات جاهزة للحصول عليها، ولا تحتاج إلى التعدين، وليست مشفرة، وترتبِطُ هذهِ العملات بالبنوك المركزية، وهي شبيهة تماماً بالعملات الورقية، مثل "اليوان الرقمي" وعملة "ديم" المرتقب إصدارهما في الأشهر المقبلة.
أمّا العملات الرقمية المشفرة؛ فهي عملات غير جاهزة للحصول عليها، وغير مرتبطة بالبنوك ولا مركزية أيضاً، مثل "البتكوين" و"إيثيريوم" وغيرهما من العملات المشفرة.
هذا النوع من العملات يستند إلى نظام مشفر ومعقد، والحصول عليها يكون من خلال تقنية سلاسل الكتل (بلوكتشين-blockchain) وعبر عملية التعدين Mining -أي استخراج العملة المشفرة من خلال مسائل خوارزمية معقدة- ولحلِّ هذه المسائل الخوارزمية المعقدة، تكون هنالك حاجة إلى أجهزة كومبيوتر متخصصة بالتعدين، ذات قدرات خارقة، كما تحتاج طاقة كهربائية كبيرة، لأن حل هذه المسائل يحتاج إلى الكثير من الكهرباء.
الطاقة الرخيصة.. المصباح السحري للعملات المشفرة
إنَّ تحديد قيمة سعر العملات الورقية يعتمد على نظامين: نظام سعر الصرف الثابت، والنظام المعوَّم. طبعاً؛ هذهِ العملات ترتبط بالبنوك المركزية وتتأثر بعدة عوامل: العرض والطلب، والصادرات والواردات، وامتلاك رصيد احتياطي من العملات الصعبة لدى البنوك المركزية، وعدة عوامل أخرى.
لكن العملات الرقمية المشفرة، يكون نظامها مختلفاً تماماً، فلا ترتبط بالبنوك المركزية، وقيمتُها تعتمد على: العرض والطلب، وعمليات التعدين بالعملة المشفرة.
عمليات التعدين بدورِها، تعتمد على أجهزة كمبيوتر ذات قدرات خارقة، ومتخصصة في التعدين، وهذه الأجهزة تحتاج إلى كميات هائلة من الكهرباء، ولذلك يعتمد المستثمرون في العملات المشفرة على الطاقة قليلة التكلفة، فكلما كانت تكلفة التعدين أقل، كانت أرباح عملية استخراج العملة المشفرة أكبر.
نستطيع القول إن العملات المشفرة تستند على الطاقة الرخيصة، ونستطيع أن نقول: إن الطاقة تعتبر العمود الفقري للعملات المشفرة، لذلك من المهم جداً توفير كميات كافية من الطاقة وبكلفة رخيصة.
نلاحظ في الآونة الأخيرة أن الكثير من الدول التي لديها فائض في الطاقة الكهربائية، قد استغلتها باستخراج العملات المشفرة، ومؤخراً قامت العديد من الشركات النفطية، التابعة لِدَوْلَتَيْ روسيا والنرويج، بتركيز اهتِمامِها على تعدين العملات المشفرة، واستثمار الغاز المصاحب من حقولها النفطية، لتحويله إلى كهرباء، واستثماره في تعدين العملات الرقمية المشفرة.
نستطيع أيضاً أن نضيف دولة أيسلندا؛ التي تستغل طاقتها الحرارية الأرضية "الجوفية" في باطن الأرض -وهي طاقة متجددة- لاستثمارها في تعدين العملات الرقمية المشفرة.
كذلك أوكرانيا تقوم بعدة دراسات للاستفادة من الطاقة النووية الزائدة لديها في استثمارها لعمليات تعدين العملات المشفرة.
وعلى العموم عموماً فإن عملة "البيتكوين" التي تُعد ملكة العملات الرقمية المشفرة، تستهلك حوالي 0.24% من الإجمالي العالمي لإنتاج الكهرباء.
العِراق يقع في الجانب المُعاكس تماماً لهذهِ الدول، حيثُ يخسر سنوياً مليارات الدولارات، بسبب حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، بدون التفكير في استثماره لتوفير الكهرباء للمواطنين، أو في عملية تعدين العملات المشفرة.
الطاقة الرخيصة ذات أهمية كبيرة لدى المستثمرين في تعدين العملات الرقمية المشفرة، ومثال على ذلك: كلفة استخراج عملة "البيتكوين" في فنزويلا، تجعلُها أرخص دولة لاستخراجها (531 دولاراً)، وفي كوريا الجنوبية التي تعتبر الأغلى استخراجاً حول العالم (26 ألف دولار)، وفي أمريكا كلفة استخراجها ( 4,758 دولار)، وفي الصين كلفة استخراجها (3,172 دولار)، وفي روسيا كلفة استخراجها (4,674 دولار)، بحسب تقرير أصدرته شركة Elite Fixtures، بتحليل كُلف تعدين عملة "البيتكوين" بالنسبة لأسعار الكهرباء في 115 دولة حول العالم.
أكبر ثلاث مزارع لتعدين العملات المشفرة في العالم، تقع في أمريكا، وفي الصين، وفي روسيا، ونسبة 50% من إجمالي عمليات التعدين حول العالم، تقع في الصين، بحسب تقرير أصدرته شركة Bitooda المتخصصة في العملات الرقمية المشفرة، والقيمة السوقية للعملات الرقمية المشفرة تجاوز 1,5 تريليون دولار، ويوماً بعد آخر، تزداد قيمتها السوقية، ومقبوليتها لدى المؤسسات المالية العملاقة.
باختصار؛ الطاقة الكهربائية أصبحت مصدراً لوجستياً مهماً للعملات المشفرة، ومن يملك طاقة كهربائية أكثر، سيمتلكُ رصيداً أكبر من العملات المشفرة عبر عمليات التعدين.
هذهِ كُلُّها مؤشرات على أن الاقتصاد العالمي مُقبِلٌ على تغييرات جذرية، ومن المتوقع أن الدول المتقدمة اقتصادياً؛ سيزداد اهتمامها بالكهرباء الرخيصة التكلفة، وستستفيد من الكهرباء الفائضة لديها، لتستثمرها في جني الأموال، بتعدين العملات المشفرة.
الميزة الأهم للعملات المشفرة أن تخليقها لا يقتصر فقط على الحكومات، أو عبر البنوك المركزية، إذ يستطيع مبرمج أو فريق منهم، أو شركة، تخليق عملتها الخاصّة بها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.