جاءت توقعات خبراء الاقتصاد في الأردن مؤخراَ، وتحديداً من غرفتي صناعة وتجارة عمان بتراجع جديد للاقتصاد الأردني، خصوصاً بعد سلسلة من التصريحات الإعلامية عن حظر تجول جديد قد تفرضه الحكومة الأردنية في الأيام القادمة، بعد زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا مؤخراً.
تضارُب التصريحات من عدة جهات رسمية وغير رسمية زاد الخلل في الأسواق، المتهالكة أصلاً بفعل الإجراءات المصاحبة لجائحة كورونا، وخصوصاً إجراءات حظر التجول.
على سبيل المثال، فإن قطاعات المطاعم ومحلات الحلويات تعاني الأمرّين منذ بداية الجائحة، وهي التي تعتمد كثيراً على المبيعات يوم الجمعة، بنسبة تصل إلى 40% من مجمل مبيعاتها الأسبوعية، وفق أرقام تحدث عنها ممثل قطاع المواد الغذائية في غرفة تجارة الأردن، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود قرابة 18 ألف منشأة في قطاعي المطاعم والحلويات، يعمل فيها قرابة 100 ألف موظف.
في الوقت نفسه ترتفع الأصوات متسائلة عن جدوى الإغلاق الذي يتم التلويح بتطبيقه في الأيام القادمة، مع أنه أحد الخيارات التي تم تجربتها سابقاً عدة مرات ولم تثبت جدواها! والنتائج الحقيقية وفق التجارب السابقة لحظر التجول يوم الجمعة لا تخرج عن إطار أضرار اقتصادية تصيب القطاع الخاص عموماً.
أحد الأدلة على عدم جدوى حظر التجول يوم الجمعة في تقليل إصابات كورونا هو ما حصل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي على سبيل المثال، عندما كان يُعمَل بنظام حظر التجول يوم الجمعة، وتحديد ساعات حظر التجول الليلي، ومع ذلك سجلت يومياً آلاف الحالات حينها، وقد وصلت ذروتها في أحد أيام نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 8 آلاف إصابة، وهو ضعف العدد المسجل هذه الأيام!
التصريحات الصحفية بحد ذاتها من العديد من الهيئات والمؤسسات أيضاً تؤدي إلى قلق وخلق حالة من البلبلة في الأسواق والقطاعات الاقتصادية، وخصوصاً الخدماتية منها، التي تتطلب طبيعة عملها تحضيرات وشراء مواد أوليه يومياً، وعندما تبدأ شائعات فرض حظر التجول فهنا قد لا يغامر مالك المطعم مثلاً بشراء المواد الأولية حتى آخر لحظة، وهو ما يُعرض الأسعار للتباين!
التصريحات تأتي من مختلف المؤسسات واللجان، منها مثلاً لجنة تقييم الوضع الوبائي ولجنة الأوبئة وخلية أزمة كورونا في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات وبعض الخبراء، وختاماً من وزارة الصحة، والحديث المشترك عن توقعات بفرض حظر تجول، ومعه يبدأ قلق المستثمرين في مختلف القطاعات، وخصوصاً تلك التي تنشط في عطلة نهاية الأسبوع، وقد سبق أن كتبنا عن فوضى التصريحات التي تؤثر على الاقتصاد!
ومن خلال قراءة الأرقام الرسمية لمصابي كورونا فإن نسبة الدخول للمستشفيات من إجمالي المصابين تقدر بـ5%، وبينما تخضع باقي الحالات للعزل المنزلي بسبب عدم وجود أعراض أو مضاعفات، والمشكلة أن بعض هؤلاء يخالف تعليمات العزل المنزلي ويمارس حياته بشكل طبيعي؛ ما يُعرّض الآخرين للخطر، وهنا تكمن الخطورة الأكبر، ولن يتم حلها من خلال حظر الجمعة!
ومن اللافت للنظر أيضاً أن غالبية الآراء سواء الرسمية لأصحاب القرار ومنهم أعضاء لجنة الأوبئة، أو الخبراء في الشأن الصحي، تُجمع على أن الحلول العملية تكمن في التشدد في تطبيق الإجراءات التي وُضعت للحد من انتشار فيروس كورونا، من إجراءات السلامة العامة والتباعد الاجتماعي ولبس الكمامات وغيرها مما تم تعميمه من إجراءات صحية، ورغم ذلك يتم العودة لفرض حظر تجول.
إن القطاعات الاقتصادية التي وجدت من أجل مصلحة الوطن والمواطن لا تستحق التهديد المتكرر بفرض حظر تجول قد يؤدي إلى زيادة الضرر الواقع عليها، وبالتالي على الموظفين، فهنالك العديد من المخالفات اليومية التي يرتكبها المواطنون وفيها لامبالاة واستخفاف بالأنظمة والقوانين، وهي التي تستحق التشدد بشأنها، بدلاً من الاستمرار في ذبح الاقتصاد وشيطنة بعض قطاعاته كما حدث مع قطاع التعليم الخاص على سبيل المثال.
ومن المؤسف حقاً أنه رغم كل التحذيرات، فإن العديد من المواطنين يتزاحمون في الأسواق، والبعض يقيم المناسبات الاجتماعية من بيوت عزاء أو أفراح، أو حتى ولائم وتجمعات بمناسبة ومن دون مناسبة، بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية، وفي الوقت نفسه ينتقدون سوء إجراءات الحكومة، مع أنهم مسبب أساسي في إطالة أمد الأزمة.
في نهاية المطاف، وبعد مرور عام على بداية الجائحة فإن الخبرات التي تراكمت عند الجميع من هيئات رسمية ولجان وغيرها ومنشآت اقتصادية ومواطنين، يفترض أن تؤتي ثمارها، ومن خلالها نتقدم خطوة إلى الأمام وليس العودة إلى المربع الأول، فقد ثبت أن العامل الأبرز في الحد من انتشار الوباء هو التزام المواطنين، سواء من خلال الوعي الذاتي أو بتطبيق القوانين والعقوبات على المستهترين بسلامة المجتمع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.