في الذكرى الثانية للحراك الشعبي الجزائري خرج الآلاف من الجزائريين في العديد من الولايات الجزائرية في مسيرات تظاهرية بعد توقف دام قرابة العام بسبب جائحة "كورونا"، وقد عاد الجزائريون للمسيرات التي كانوا يقومون بها كل جمعة، بداية من 22 فبراير/شباط 2019، التي كانت قد بدأت ضد العهدة الخامسة لعبدالعزيز بوتفليقة، وكان هدفها تحقيق انتقال ديمقراطي في البلاد، وما كان يعبر عنه المتظاهرون بـ"تغيير النظام"، وتلخصه العبارة الشهيرة "يتنحاو قاع" (يرحلون كلهم).
وطيلة سنتين كان مئات الآلاف من الجزائريين لا يتوقفون عن التظاهر كل يوم جمعة في مختلف ولايات الجمهورية، ما دفع عبدالعزيز بوتفليقة إلى إعلان استعداده للتحضير لمرحلة انتقالية، ثم استقالته من الرئاسة يوم 2 أبريل/نيسان 2019.
وبسبب الضغط الشعبي وتهديدات قايد صالح رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني آنذاك له، تم إسقاط الانتخابات الرئاسية في 18 أبريل/نيسان، وبعدها تم إلغاء الانتخابات الرئاسية الثانية التي كان من المقرر إجراؤها بتاريخ 4 يوليو/تموز 2019، كي يصل بعد ذلك عبدالمجيد تبون للرئاسة بعد انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، التي عرفت نسبة متدنية من المشاركة من طرف المواطنين، وخاصة في منطقة القبائل.
أما مسيرات إحياء الذكرى الثانية للحراك الجزائري فقد تميزت هذا العام بأنها لم يتم فيها رفع أي شعارات سياسية بالقدر الذي كانت فيه قبل توقف المسيرات، وكأن المتظاهرين خرجوا فقط للقول "ما زلنا ها هنا" بعد توقف للمسيرات منذ شهر مارس/آذار 2020، بسبب جائحة "كورونا".
نحن اليوم كجزائريين نريد العودة للحراك من جديد، لكن إذا كنا أثناء الحراك وحتى في أوجه نرفض الحديث عن تنظيم أو تأطير، وهو الشيء الذي لم يحدث لعدم توفر إطار يسمح لذلك، فإننا اليوم أيضاً نعجز عن تقييم العامين المنصرمين، لمعرفة أين نجح حراكنا، وأين أخفق، وما أسباب ذلك.
وإذا كانت الثورة التحريرية تم الإعداد لتفجيرها لسنوات مسبقا وتم تنظيم "مؤتمر الصومام" عامين بعد اندلاعها، لتقييم ما قامت به، ولحساب عدد الرصاصات التي أُطلقت وتلك التي بقيت، فالحركات الاجتماعية التي عرفتها جزائر ما بعد الاستقلال ومهما كان حجمها ورقعتها الجغرافية لم تعرف ذلك القدر من التنظيم والتوثيق، فنجد اليوم أنفسنا عاجزين عن الإجابة عن أسئلة بسيطة حول كيف بدأت وماذا حدث فيها، وكيف توقفت، وماذا حققت، وأين أخفقت لتجنب تكرار أخطاء الماضي؟ هذا إن لم نكن نجهل تلك الحركات كلية.
ومن الحديث مع المتظاهرين أو "معتقلي الحراك"أو من قراءة بورتريهاتهم يظهر إلى أي مدى يؤمن هؤلاء بما خرجوا من أجله، وهو التغيير، لكن ما يهم في السياسة ليس الصدق أو النية، بل الأفكار والخطة التي وضعناها للوصول للسلطة من أجل تجسيد تلك الأفكار. واليوم وبعد عامين من الحراك، يظهر هو أننا نعرف ما خرجنا ضده وما لا نريده، واتضح لنا أيضاً أن المسيرات الأسبوعية وحدها لا تكفي، فهي وسيلة وليست الغاية في ذاتها.
إضافة لوفاة قائد الأركان السابق قايد صالح، الذي كان يوجه خطابات نارية تدفع المواطنين للخروج للرد عليه، ثم أزمة "كورونا" التي أدت لتوقيف المسيرات، فما لم يسمح أيضاً بتحقيق مكاسب أكثر للحراك هو طغيان الشكل على المضمون في الحراك. الشيء الراجع لعزوف الجزائريين عن ممارسة السياسة لسنوات، وذلك كنتيجة للقمع الذي كانت تمارسه السلطة على كل من يعارض ويختلف، ما أضعف الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات وضعف المجتمع المدني والنخب والطبقات المثقفة، ما دفع النظام لفرض خارطة طريقه طيلة هذه المدة، وليس أبناء الحراك في الجزائر.
السلطة في الجزائر كان يتشاركها كل من الجيش ودائرة الاستعلام والأمن مع رئاسة الجمهورية، وما يدور في فلكها من أحزاب، وجمعيات، ونقابات رجال أعمال.
أما بوتفليقة وطيلة فترة تواجده في قصر المرادية ولأجل الاستفراد بالسلطة وتحقيق ما وعد به أثناء وصوله للرئاسة أنه "لن يكون ثلاثة أرباع رئيس"، عمل على إضعاف دائرة الاستعلام والأمن بتفكيكها وإحالة العديد من الضباط السامين في الجيش للتقاعد. لكن ما حدث بعد الحراك ودفع بوتفليقة للاستقالة أدى إلى إضعاف الرئاسة وسجن مسؤولي الأحزاب والتنظيمات ورجال الأعمال الموالين له، ليعود بعد ذلك الوضع كما كان قبل وصول بوتفليقة.
هل اليوم، وبعد هذا يمكن القول إن الحراك حقق ما خرج من أجله وهو تغيير النظام؟ أكيد أن الجواب هو لا، لكنه يمكن أن يكون بداية لشيء ما، فهذه أول مرة تعرف فيها الجزائر المستقلة مظاهرات بهذا الحجم، ومست كل ولايات الوطن، عكس الحركات السابقة التي اقتصرت فقط على بعض المدن الشمالية، وكذلك مختلف المدن والعواصم العالمية، حيث تتواجد جالية جزائرية.
وأدى هذا الحراك كذلك لعودة اهتمام الجزائريين بالنضال السياسي وتحريك مياه طال ركودها، وبرزت وجوه جديدة في الساحة السياسية، وعادت النقاشات والمنافسات في المجتمع بين المشاريع والتوجهات السياسية المختلفة، وهذا ما ظهر في المسيرات، سواء داخل الوطن أو خارجه، وفي شبكات التواصل الاجتماعي.
ما يمكن قوله بعد كل هذا هو مقولة غرامشي "إن تشاؤم العقل لا يقاومه إلا تفاؤل الإرادة"، فلا سبيل لتحقيق كل أهداف الحراك الجزائري سوى إحياء روح النضال السياسي من أجل ثورة دائمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.