عملية تمديد الجدار العسكري المغربي بالصحراء.. الفرضيات المتداولة والسيناريوهات المحتملة

تم النشر: 2021/02/23 الساعة 11:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/24 الساعة 10:56 بتوقيت غرينتش
الجيش المغربي - مواقع التواصل الاجتماعي

تتحدث بعض المصادر الإعلامية المحسوبة على البوليساريو عمّا سمّته بـ"خروج وحدات من الجيش المغربي إلى مناطق شرق الجدار بمنطقة التويزكي"، واشتباكها بشكل "عنيف" مع وحدات تابعة للجبهة بنفس القطاع، بحسب ذات المصادر.

بداية، ينبغي توضيح موقع قطاع "تويزكي" الذي يقع بداخل عمق الأراضي المغربية خارج حدود إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، وبالتالي يُفترض ألا يُثير تحرك الجيش المغربي فيه أي اهتمام إعلامي، رغم امتداد الجدار العسكري المغربي شمالاً عند حدود منطقة "الأبعاج" بالقطاع ذاته.

لفَهم الوضع العسكري الميداني بشكل أوضح ينبغي الإشارة إلى أن قطاعا "المحبس" و"التويزكي" تتميز المناطق الحدودية فيهما بتضاريس منبسطة، وبالتالي مكشوفة عسكرياً، ولا تفصل فيهما المسافة ما بين الجدار العسكري المغربي والحدود الجزائرية سوى كيلومترات معدودة، وبالتالي فتأمينه من طرف الجيش المغربي لا يتطلب خروجاً للوحدات العسكرية شرقه، كونه يقع بالكامل في مرمى نيران المواقع العسكرية المغربية، ولَربما في مجال رؤية عناصرها.

إلا في حالة تعلُّق الأمر بالتدخل داخل الحدود الجزائرية بمنطقة "الحمادة"، وهو أمر مستبعد جداً، على الأقل في الوقت الراهن.

ما الجديد إذن في حدث تحرك الجيش المغربي بمنطقة "الأبعاج" بقطاع "التويزكي" حتى يثير كتابات العديد من الأقلام المحسوبة على البوليساريو، خاصة أنه كان متاحاً للجيش المغربي، فلا يوجد فيه أصلاً ما يحد من حركة دورياته، حيث تتيح مواقع الحراسات المتقدمة التابعة له بمرتفعات جبال الواركزيز مراقبة وتأمين المنطقة بالكامل، كما أنه لم يكن مشمولاً بإجراءات اتفاق وقف إطلاق النار، كونه يقع خارج حدود الإقليم محل النزاع.

قد يكون قرب الموقع المذكور من الحدود الجزائرية، وبالتالي من المواقع الخلفية للبوليساريو، خاصة مناطق "المحبس"، "الحمادة"، "البطينة" أو "الواركزيز"، هو ما دفع الجيش المغربي إلى تدشين خطوات ميدانية كهذه، خاصة بعد تعميم البوليساريو لبيانات حول استهدافها بعمليات "قصف" تصفها بـ"المركزة والقوية"، لكنها ذات طبيعة عشوائية وغير مؤثرة في الغالب، نظراً لنوعية الأسلحة المستخدمة فيها، والتي تتميز بقدرة استهداف ضعيفة إلى جانب قوتها التفجيرية الضئيلة.

الأرجح إذن أن يكون تدخل الجيش المغربي بهدف مد الجدار العسكري شمالاً، بغية تأمين أفضل لمناطق "الأبعاج" و"البطينة" و"الزاك"…، ووصولاً إلى "كلب الرزوك"، و"طارف بوهندة" بقطاع "تويزكي"، بحسب ما تفيد بعض المصادر من داخل المناطق المعنية.

ليس عبثاً إذن أن يبدأ المغرب تنزيل مقاربته العسكرية من مناطق بقطاع "تويزكي" شمال الإقليم، كونها تقع خارج حدود الصحراء، وغير مشمولة أصلاً بإجراءات وقف إطلاق النار، التي لا يزال المغرب يُعرب عن تمسكه بها، رغم إعلان البوليساريو عن انسحابها منه، كما أنها غير معنية بالتوصيفات المنبثقة عن ذات الاتفاق (الأراضي العازلة، شرق الجدار، أو "المحررة" بحسب توصيف البوليساريو).

وبالتالي فأي تصعيد عسكري يقدم عليه المغرب فيها لا يمكن أن يكون محل إدانة أو استنكار من طرف المجتمع الدولي، بخلاف أي رد فعل تقدم عليه البوليساريو فيها، حيث سيعتبر تحركها في تلك المناطق بمثابة تصعيد عسكري غير مبرر.

تطور عسكري هام إذن، سيدشن لمرحلة جديدة عقب الأحداث العسكرية والأمنية المتسارعة منذ تأمين المغرب لمعبر الكركرات الحدودي، في الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وما أعقبه من إعلان البوليساريو عن انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار، قبل إصدارها للعديد من البيانات حول ما تصفه بـ"الهجمات العسكرية" التي تشنها على المواقع العسكرية المغربية على طول الجدار العسكري، وإن كان الوضع الجيوستراتيجي يختلف عن عملية تأمين منطقة "الكركرات"، كون الأخيرة تحاذي الحدود مع موريتانيا، البلد الذي يتقاطع موقفه إزاء تأمين الحدود مع المغرب، لاعتماده في تأمين جزء معتبر من حاجاته الغذائية على معبر "الكركرات"، بخلاف منطقة "البطينة" التي تحاذي الحدود الجزائرية، والتي تعتبر الحاضن والداعم الرئيسي للبوليساريو، فضلاً عن كونها الأقرب لمواقع الجبهة الخلفية بمنطقة تندوف داخل التراب الجزائري.

لا شك أن المغرب سيعمل على إحكام سيطرته على مواقع استراتيجية أخرى غرب الجدار، ستضاف إلى موقعي "الكركرات" بـ"قطاع بير كندوز"، و"الأبعاج"، "كلب الرزوك"، و"طارف بوهندة" بقطاع "تويزكي"، من خلال خطوة تمديد الجدار العسكري، كما سيضمن تفوقه ميدانياً، كونه يؤمن الجزء الأكبر من الإقليم، ويسيطر على أهم التجمعات السكنية والمرافق والمنشآت الاقتصادية فيه، بدءاً من المدن الكبرى ومروراً بالمطارات والموانئ، إلى جانب ساحل الإقليم بكامله، فضلاً عن الطريق الوطني الرئيسي، والمعبر الحدودي مع موريتانيا، بخلاف المواقع التي تسيطر عليها البوليساريو، والتي تعد قاحلة وغير مأهولة في معظمها، كما يصعب تأمين التنقل والإمدادات العسكرية فيها، بسبب تقاطعها مع مواقع قريبة من الجدار العسكري الذي يؤمنه الجيش المغربي، وبالأخص بعد إعراب موريتانيا، البلد المجاور للإقليم، عن مواقف ضمنية تدعم تأمين المغرب لمواقعه الحدودية معها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سالم عبد الفتاح
ناشط حقوقي
باحث سياسي وكاتب رأي
تحميل المزيد