140 مليار دولار ضاعت للأبد بسبب كلمات المرور.. هل يمكن أن نعتمد البيتكوين بديلاً للدولار؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/23 الساعة 11:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/23 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
كندا تبدأ في الاستثمار بعملة البتكوين الرقمية - رويترز

بدأ عام 2021 بالعديد من الأخبار والمستجدات، وكان أحد تلك الأخبار، خبراً يبدو طريفاً للوهلة الأولى، يتحدث الخبر عن شاب أمريكي من أصول ألمانية فقد الرقم السري الذي يمكنه من فتح محفظته الإلكترونية واستخدام رصيده من العملة الرقمية الصاعدة بسرعة الصاروخ "البيتكوين". لكن طرافة الخبر لم تلبث أن تحولت إلى سخرية قاسية ومأزق مؤرق، فالشاب المنحوس، لم يتبق له سوى محاولتين فقط لتخمين كلمة المرور للمحفظة المالية وإلا سيفقد ما قيمته (220 مليون دولار أمريكي) من عملة البيتكوين للأبد.


وفي الشهر الثاني من عام 2021، قرر رجل الأعمال الشهير والمدير التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، شراء ما قيمته (1.5 مليار دولار أمريكي) من عملة البيتكوين، محولاً 7.5% من الاحتياطي النقدي للشركة الذي يبلغ (20 مليار دولار أمريكي) إلى العملة الغازية للأسواق العالمية. وتلك العملية يمكن اعتبارها الاستثمار الأخطر في عام 2021 حتى اللحظة. وتبعت تلك الخطوة قرار ماسك بالسماح بإمكانية شراء سيارات ومنتجات شركة تسلا باستخدام عملة البيتكوين أيضاً. وبعد ذلك القرار، بدأت العملة الرقمية رحلتها في الارتفاع لتكسر حاجز (48 ألف دولار أمريكي) للبيتكوين الواحدة بعد أن سجلت (38 ألف دولار أمريكي) للعملة الواحدة قبل ذلك القرار بسويعات قليلة!

ويضعنا هذا القرار وتداعياته على الأسواق العالمية أمام احتمالين لا ثالث لهما، الأول هو أن البيتكوين ستواصل ارتفاعها وستواصل الشركات والبنوك والصناديق الاستثمارية شراءها لتحقق لنفسها ولعملائها مكاسب قد تفوق حاجز الـ100% بالعام الواحد بدلاً من الأرباح التقليدية التي تتراوح بين 10% و15%. وحينذاك ستتربع عملة البيتكوين على عرش العملات القابعة خارج سلطة البنوك المركزية لتصبح المخزن الجديد للقيمة عوضاً عن الذهب والفضة والدولار الأمريكي وعملات الفوركس.
والاحتمال الثاني هو أن تفشل العملة في تحقيق توقعات وطموحات إيلون ماسك وشركاه في توفير كميات كبيرة من النقد الذي يخدم خطة ماسك الرئيسية باستعمار المريخ، ومن ثم تبدأ رحلتها في الانخفاض والهبوط أو حتى الثبات على سعر صرفها، فيتراجع ماسك وغيره عن الاستثمار فيها وتبقى تعمل بحرية بين الأفراد المتداولين لها.

كيف يستبدل البيتكوين النظام المصرفي؟

في عام 2008 نشر مستخدم على الإنترنت ورقة بحثية بعنوان "A Peer-to-Peer Electronic Cash System"، الورقة البحثية الموقعة باسم "ساتوشي ناكاموتو" كانت المقدمة الأولى لنشأة أول عملة إلكترونية "ناجحة" تعتمد على أحدث تقنيات وبروتوكولات التشفير مفتوح المصدر وعلى أحدث تقنيات المعالجة الحاسوبية.

تلك العملة باختصار هي طريقة لتحويل الأموال بين الأفراد دون المرور على أي وسيط مركزي، كالبنوك، وبدون دفع أي رسوم نظير التحويل (في الولايات المتحدة يتم خصم ما قيمته 7.5% من إجمالي الاقتصاد المحلي على شكل رسوم تحويل)، ودون التحكم في قانونية وشرعية استخدام تلك التحويلات وبدون القدرة على توليد الأموال والأرباح من خلال عملية التحويل.

فلنعد خطوة للوراء ولنحاول معرفة كيف يعمل النظام المصرفي، ولنأخذ النظام المصرفي الأمريكي على سبيل المثال، من خلال طباعة أوراق البنكنوت اعتماداً على البنك الفيدرالي تقوم الخزانة الأمريكية بأخذ تلك الأموال في مقابل أذونات الخزانة. وتلك الأذونات هي أوراق دَين في المقام الأول وتتعهد الخزانة برد ثمن الدين مضافاً إليه نسبة ربح. وبناء على ذلك، تقوم البنوك بصرف أوراق الدين وبيعها للمواطنين مرة أخرى مع خصم نسبة فائدة.

وفي الواقع، تعمل البنوك على مضاعفة الأموال بوصفها مجرد وسيط لعمليات التحويل والصرف. فلنفترض قيام شخص بإيداع (100 دولار أمريكي) في حسابه البنكي وقيام شخص آخر باقتراض نفس المبلغ من ذات البنك، هنا يسجل البنك في حسابه قيمة الـ100 دولار أمريكي الأولى وقيمة الـ100دولار الثانية مضافاً إليها نسبة الفائدة على القرض. وتستمر تلك العملية من بنك إلى آخر فيتم "تخليق وتوليد" الأموال من الفراغ عن طريق بيع الدين.

تلك العملية التي يتوسط فيها البنك من خلال الإقراض وتحويل الأموال تؤدي في النهاية إلى تضخم تراكمي. فقيمة الدولار الأمريكي الواحد قبل 100 عام من تاريخنا الحالي تساوي اليوم بضع سنتات فقط لنفس الورقة. ولا ينتج عن تلك العملية فقدان العملة لقيمتها، لكنها تُفقد الثقة في النظام المصرفي بأكمله وتتسبب في هزات وانهيارات اقتصادية ودوائر مغلقة من التضخم والركود الاقتصادي.

على النقيض من تلك الدائرة المفرغة، تأتي العملات الإلكترونية المشفرة وعلى رأسها "البيتكوين" بوصفه عملة تستعصي على المركزية وتمنع وجود أي وسيط. ليصبح النظام المصرفي مجرد محفظة على جهاز إلكتروني متصل بالإنترنت وفقط، بلا قيود ولا قوانين ولا رسوم. فقط شخصين تبادلا الخدمات في مقابل جزء من البيتكوين.

مميزات وعيوب البيتكوين 

يعمل البيتكوين من خلال نظام من المعلومات تسمى بسلسلة الكتلة أو "block chain" باللغة الإنجليزية، وبداخل كل كتلة 2700 تحويل مالي خلال الثانية الواحدة، وأمام كل تحويل يوجد نظام تشفير، حيث يمتلك كل مستخدم محفظة الكترونية، ولكل محفظة (اسم مستخدم، كلمة مرور، كلمة مفتاحية خاصة)، وإدخال تلك الشفرات أو الكلمات المفتاحية بمثابة الإمضاء على عمليات التحويل دون إمكانية لتزويره، وتوجد تلك التحويلات في كتلة أو "بلوك" تبدأ برقم متسلسل يتم إيجاده من خلال عملية الـHash Encryption. ومن خلال تلك العملية بإيجاد تربط كل كتلة أو "بلوك" بما بعدها عن طريق رقم متسلسل، وعند إيجاد ذلك الرقم يتولد البيتكوين وتلك العملية تسمى "التعدين".
حتى الآن، لا جديد يميز البيتكوين، فقبلها جاءت العديد من العملات الإلكترونية التي عملت بنفس الطريقة، لكن المختلف هنا هو أن العملة الجديدة تعمل من خلال بروتوكول يعتمد على الثقة المتبادلة بين جميع المتداولين دون الاعتماد على أي عنصر من خارجها.

لتصبح بذلك العملة مؤسسة اجتماعياً، تمتلك خصائص العملات كلها بوصفها مخزناً للقيمة ووسيلة تبادل وطريقة تقييم وتبادل يقبلها جميع مستخدميها ولا يمكن تزويرها. والمميز لها أنها عملة غير مركزية لا تعتمد على سلطة أي دولة أو بنك أو مؤسسة مالية كضامن لها، على عكس بقية العملات المركزية كالدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني البريطاني وغيرها من العملات.

خاصية اللامركزية تلك توفر نفقات التحويل والبيع والشراء وتمنع توليد الأموال الوهمية وتمنح مستعمليها الخصوصية والأمان، إلا أنها تأتي مع قدر كبير من المخاطرة، فالبيتكوين لا تمتلك أي قيمة في ذاتها إلا تحويلات الأفراد ولا تولد قيمتها من ندرتها كالذهب والفضة والبلاتينيوم التي تعتبر مخزناً للقيمة، هو ما يجعل أسعار البيتكوين شديدة التردد وقابلة للزيادة والنقصان بمعدلات كبيرة على حسب العرض والطلب.

والعيب الآخر في هذا النوع من العملات هو الكم الكبير من التشفير الذي يجعل عدم تذكر المستخدم لأي كلمة مرور أو اسم مستخدم بمثابة ضياع لمحتوى المحفظة بالكامل وبلا أي إمكانية لاستعادتها.

ويقدر ما يقارب الـ20% من كامل ما تم تعدينه من عملة البيتكوين مفقوداً حيث نسي أصحابه كلمات المرور، أي أن 140 مليار دولار أمريكي مفقودة ولن تعود أبداً!

ما مصير البيتكوين؟

 يقول واحد من ألمع العقول الأمريكية في مجال الاستثمار وأحد أفضل المضاربين في تاريخ البورصة الأمريكية، وارٍن بافيت إن البيتكوين مجرد وهم وأن المستثمرين فيه سيفقدون كل أموالهم.

والجدال على مستقبل البيتكوين مستعر منذ عام 2011 ولم يتوقف حتى الآن، فالعملة مرت بمراحل انخفاض وارتفاع عديدة وبمعدلات كبيرة جداً في كل منعطف مرت به. لكن توقعات عدد كبير من المستثمرين ترجح أن سعر البيتكوين الواحد سوف يتجاوز حاجز الـ100ألف دولار أمريكي للعملة الواحدة؛ إذ إن ظروف الإغلاق العام وتبعات وباء كورونا الاقتصادية دفعت الأفراد للبحث عن مصادر جديدة للتعامل مع البيانات وعمليات البيع والشراء، وعلى أثر هذا التحول بدأت المؤسسات المالية الكبيرة التفكير في اعتبار البيتكوين عملة المستقبل والبدء في الشراء والاستثمار فيها.

وعلى المدى القريب ستحقق تلك العملات فوائد كبيرة جداً، لكن على المدى البعيد ستكون المؤسسات والشركات بل وحتى البنوك قد امتلكت حصصاً كبيرة من العملة المحددة سلفاً بـ 21 مليون بيتكوين فقط، ومن ثم ستبدأ في التحكم في العملة وإنهاء التعامل بها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى هشام
باحث مصري مهتم بالفلسفة والعلوم الإنسانية
باحث مصري مهتم بالفلسفة والعلوم الإنسانية
تحميل المزيد