حدَّثتني إحداهن فذكرت أنها سعيدة بحياتها لأن زوجها مغترب، لم أصدّق كلامها، فقلت في نفسي إنها تقول ذلك لكيلا تبدو لي تلك التعيسة البائسة التي تعيش حياةً أسوأ مني، فادَّعت سعادتها المزيفة تلك. مرَّت الأيام لتُخبرني امرأة ثانية ثم ثالثة ورابعة بأنهن سعيدات لعمل أزواجهن في مدن أو دول بعيدة عنهن، فالحياة أجمل وأنقى وألطف في بُعد الزوج، تساءلت كثيراً عن سعادتهن تلك الغريبة، فالزواج -كما ذُكر في القرآن- مودة ورحمة، {لتسكنوا إليها}، الزوجة تسكن إلى زوجها والزوج يسكن إلى زوجته؛ هذا ما أعرفه، فكيف تغير الدور وأصبحت الزوجة تشعر بالسعادة في فراق زوجها وليس في لقائه؟!
حسناً، بعد الحديث والنقاش معهن تبيَّن لي أن السبب واحد اتفقن عليه جميعهن؛ وهو أذية الزوج! كثرة طلبات الزوج، وكثرة انتقاده كل شيء، وكثرة غضبه، وعدم اكتراثه لها، وسوء تواصله مع الأبناء، وأظن أن كل ذلك نتج عن انهيار في مستوى التربية التي قامت بها بعض الأمهات، فقد قمن بتربية الرجل على أنه محور الكون الذي يجب أن يدور كل شيء في البيت حوله، وأن يغيب متى ما أراد، فيغيب غياباً كاملاً وإن كان يسكن في البيت نفسه، من هؤلاء الرجال من لا يشعر بالمعركة التي تخوضها المرأة داخل المنزل، ولا يستوعب كمية المهام الملقاة على عاتقها، إذا وجد أحدهم شيئاً ملقىً على الأرض، فلن يبرر لأطفاله فعل ذلك؛ لكونهم أطفالاً، بل سيُوجه أصابع الاتهام إلى زوجته المهملة، وإن كانت قد نظفت قبل عدة دقائق فقط من اتساخ تلك الأرض، بعضهم أيضاً لا يفهم طبائع أبنائه وحاجتهم إليه، ولا يخلق بينه وبينهم حلقة وصل.
إذا أتى متأخراً بعد سهرة مع أصحابه فلن يشفق قلبه على زوجته، التي أخيراً أخذت قسطاً من الراحة بعد نوم الأطفال، ويتجه إلى المطبخ ليحضر لنفسه وجبة عشاء خفيفة؛ بل سيلقي بمفاتيحه جانباً، ويرمي بنفسه على الأريكة ويمسك بهاتفه ويطلب العشاء من زوجته وهو ينتظر منها (شبيك لبيك خدامك بين إيديك..)، وقد لا يسأل حتى عن حال عياله وعن حال زوجته، هل هم سعداء؟ هل هي مرتاحة؟ هل ينقصهم شيء غير مادي!
وإن ظهرت مشكلة لأحد الأبناء فلن يبحث فيها البحث السليم: جذورها، الطرق الصحيحة للتعامل معها، ثم الاستماع والإنصات، والحوار، والأخذ والعطاء؛ بل سيأتي بحلٍّ معلَّب، حل اخترعه بنفسه في ثلاث ثوانٍ، أو حلٍّ رآه مسبقاً في منزل والديه وكانت نتائجه سلبية لكنه لم يلحظ ذلك، ثم سيلقي باللوم؛ اللوم على الزوجة، لأنها دلَّلت ابنها، لأنها لم تحسن تربية الابن كما فعلت زوجة فلان، وإن كان من الممكن تلافي تلك المشاكل لو أنه كان موجوداً بين أبنائه ولم يكن مجرد ضيف ثقيل يحل على البيت، دون أن يدري بما يحدث داخله، سوى دراية سطحية.
وقد يكون أفشل من في المنزل، وتكون حياته كومة من التخبط والجهل والاضطرابات، لكنه ينظر إلى زوجته الأكثر حكمة وصبراً وتضحية منه نظرة (ناقصة عقل ودين) ليس وفقاً للنظرة التي قُصدت كما ذكر الحديث الشريف، ولكن نظرة أخرى اخترعها المجتمع وألصقها بالنساء، واعتبرها شهادة من الدين، ناسياً أنه لا صلة بين ما قصده الدين وما فسره المجتمع.
وبعد كل ذلك، أليس من المنطقي أن تصبح الحياة مع هذا النوع من الرجال حياة بئيسة لا تُطاق! وتصبح الزوجة أكثر سعادة وحرية وراحة بال حين يغترب! حسناً، لن تكون تلك السعادة مطلقة! ولا أظن أن الزوجة تصل إلى تلك المرحلة بعد رحلة جميلة، بل بعد ألم نفسي، وربما مَقْت للحياة نفسها، لترى أن مصدر سعادتها شيء سيئ حقاً (فراق الزوج)، لكنه أقل سوءاً من الخيار الآخر (بقائه بجانبها) وهو مخلوق مشوَّه عاطفياً وعقلياً وتربوياً، التعامل معه لا يطاق، ويبقى خيار الزوجة أن تظل معه لأجل الأبناء والمجتمع، واستمرار الحياة، ولأن في الأغلب الخيارات الأخرى التي أمامها خيارات أشد سوءاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.