بعد تجاوزها عتبة تريليون دولار أمريكي.. كيف نفهم ظاهرة البيتكوين؟

تم النشر: 2021/02/20 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/20 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
فقدت العملة المشفرة أكثر من نصف قيمتها بسبب حرب الصين مؤخرا

في علم الطقس تعرف العاصفة بأنها اضطراب يحدث في الغلاف الجوي نتيجة تفريغ كهربائي، مخلّفاً رياحاً قوية سريعة تجتاح بالأمطار والثلوج والرمال مساحات هائلة لمدد زمنية متفاوتة. ولأن الإنسان يهوى تقليد الطبيعة، ولكن على طريقته ولصالحه، فقد نقل مبتكراً بعضاً من مظاهر تلك الظاهرة الجوية إلى ظاهرة استثمارية جديدة، بقيمة سوقية تناهز 1.6 تريليون دولار أمريكي.

هناك ثراء عظيم يتدفق من ثمار العملات المشفرة وعلى رأسها "البيتكوين"، الذي تستعد قيمته السوقية لتجاوز عتبة تريليون دولار أمريكي، فها هو يجتاح بعاصفته السعرية مستويات جديدة، تتجاوز الـ52 ألف دولار كأثمن أصل رقمي متداول عبر التاريخ.

ولكن هناك ما هو أهم من هذا كله، فالأسعار قد تتهاوى في لحظات، وقد تنحي مؤقتاً عواصف القيم السوقية لسلطات البنوك المركزية العالمية، وقد يبرق أحدهم بتغريدة مؤثرة مضادة، يتبعه على إثرها الكثيرون بغية متاجرة واسعة لأسفل… كل هذا وارد وقيد التحضير ومن طبيعة الأسواق. ولكن الأهم الآن النظر إلى ما يحدث بعيون الطيور المحلقة فوق العاصفة للإجابة عن السؤال الأشهر حالياً: هل تستمر ظاهرة العملات الرقمية وعلى رأسها البيتكوين أم لا؟

أولاً، قبل ثلاثة قرون لم يكن الاقتصاد بمفهومه الضيق سوى فرع من فروع علم الفلسفة، إلى أن أنار عالم الاقتصاد آدم سيمث (1723-1790) العالم برؤيته حول موضوع كتابه الأشهر، ثروة الأمم التي لا تصنعها الحكومات، بل نشاط الأفراد في الاقتصاديات والأنشطة المالية الخاصة.

تبتسم الآن أسواق العملات المشفرة أمام رؤية سميث، فالتجارب بدأت فردية وخاصة، واشتعلت نشاطاً لتضيف مئات المليارات من الدولارات للاقتصاد العالمي، عبر روافد استثمارية مبتكرة تتسق مع معطيات العصر الرقمي الحالي. والحكومات و المؤسسات المالية الكبرى هي من تلاحقها للانسجام والاستفادة والتنظيم تحت عباءتها.

ولكن على جانب آخر يجب ألا يتناسى جموع المتداولين في الأسواق الرقمية كونهم مواطنين أولاً ومستهلكين ثانياً، في شكل ما من الاقتصاد السياسي داخل دولهم. وتلك حقائق تفرض نفسها على جميع أطراف المشهد لإيجاد مساحة مشتركة في قلب تلك الظاهرة.

ثانياً، لا يتوقف الكثيرون أمام مصطلح "اقتصاد السبورة" الذي ابتكره العالم رونالد كوس (1910-2013)، حيث يفند وينتقد أكبر مشكلات علم الاقتصاد باعتماد الأغلبية على افتراضات ونظريات ونماذج ثابتة ترى سريان الأمور بمثالية نظرية على عكس ما يقدمة الواقع فعلاً، فيصتدمان مرات ومرات إلى أن ينتصر الواقع.

وهذا ما حدث ويحدث في عالم العملات المشفرة، فالمتخصصون المصرّون على رفضهم لها يتمسكون نظرياً بنماذجهم الفنية والمالية، بل ويشاركون الأقل علماً دهشتهم أيضاً من جنون أسعار البيتكوين مثلاً. وهم يحللون الظاهرة كلها بمجهر معادلات رياضية، لا بالإجابة عن تساؤلات هامة حول الأسباب والدوافع التي خلقت الظاهرة وأثمرت في استمرارها.

وعلى الشاطئ الآخر الأكثر صخباً ودفئاً يرتكب قطاع واسع من رواد الأسواق الرقمية نفس أخطاء الفريق الأول. فهم يطبقون اقتصاد السبورة على طريقتهم بغية تأكيد إثبات الوجود بأكبر حجم من التدفقات التريليونية، حتى يتلاقى الطرفان بعد هدوء العاصفة، وربما على سبورة واحدة أيضاً.

ختاماً، مخرجات العقول تقول كلمة المستقبل في وجه استهلاك واستنزاف وإعادة تدوير الموارد الاعتيادية، فالإنسان المتحول من استخدام زيت كبد الحوت إلى الفحم والنفط إلى الطاقة النظيفة، ليس غريباً أن يتحول أيضاً من الذهب إلى الدولار إلى دولار كوين من قلب البيتكوين وإخوته.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد مهدي عبدالنبي
باحث اقتصادي ووسيط مالي بالبورصة المصرية
محمد مهدي عبدالنبي من مواليد 2 مارس 1983. كاتب اقتصادي، وخبير أسواق المال العالمية، ووسيط مالي معتمد بالبورصة المصرية منذ العام 2006.
تحميل المزيد