تفتقد كثير من الفتيات حياة الحرية والانطلاق التي تسبق الزواج وما يصاحبه ويتلوه من أعباء المنزل والأطفال.. لكن كثيراً من الأمهات يفتقدن أكثر ما يفتقدنه في عالم ما قبل الكورونا المدارس ودور رعاية الأطفال.
بداية من احتياجات الطفل للرعاية والاهتمام والوقت والمحاورة، وحتى خطط وبرامج تنمية المهارات والقدرات الذهنية والحركية والاجتماعية واللغوية… كانت المدارس ودور الرعاية الخاصة والحكومية واحداً من أهم أركان حياة الأمهات في الأسر الحديثة، لا سيما تلك اللاتي يضطررن للعمل من أجل كسب العيش.
لهذا كانت تكلفة جائحة كورونا أكثر فداحة للمرأة -الأم العاملة تحديداً- منها للرجل… فلم تفقد كثير من النساء العاملات وظائفهن فحسب، بل فقدن أيضاً مؤسسات الدعم الرئيسية في المجتمع الحديث بعد زوال الأسر الممتدة والشبكات الاجتماعية -في القرى والأرياف- التي كانت توفر الأمان والدعم للنساء…. وحتى اللواتي استمررن في العمل من المنزل، كانت الجائحة أكثر كلفة على طاقتهن العصبية والنفسية، بين ضغوط رعاية الأطفال، والمنزل، والعمل، وضرورة الحفاظ على سلامتهن النفسية والعصبية أيضاً.
في دراسة أعدها ألون وآخرون العام الماضي، وجد الباحثون أن أثر جائحة كورونا على بطالة المرأة كان مضاعفاً ومغايراً لتبعات الأزمات الاقتصادية السابقة، فارتفعت نسب البطالة بين النساء في الولايات المتحدة بمعدل 2.9% أكثر من الرجال، وحتى في فترة التعافي التي مرت منذ أشهر، استمرت معدلات البطالة في التباين على حساب النساء.
وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تكون أدوار الإنجاب ورعاية الأطفال واحداً من أهم أسباب البطالة والتأخر في مجالات العمل للنساء، أظهرت الجائحة أن هذه العوامل أقل فداحة من غياب مؤسسات الدعم -دور الرعاية والمدارس- التي تشغل حيزاً مهماً من حياة الأطفال وأمهاتهم العاملات، كما أظهرت أنه عند وقوع الجائحة، كانت النساء أكثر استعداداً وتعرضاً لترك أعمالهن لرعاية المنزل والأطفال مقارنة بالرجال، خاصة أن أنظمة العمل لم تزل تميز ضد المرأة في الأجور حتى في الدول المتقدمة، فيما عرفت بظاهرة "تأنيث الفقر" أو "فقر الياقات الزهرية"، وخاصة أن نفس الأنظمة لا تتيح رعاية الأطفال بتكلفة مقبولة وجودة عالية، الأمر الذي يجعل تفضيل الأمهات للعمل على رعاية الأطفال نادراً لا سيما في ظرف بكارثية الجائحة.
لا يختلف الأمر كثيراً في تركيا، حيث لا يوفر نظام العمل دعماً لأدوار المرأة كقوة عاملة وشريك في كسب العيش للأسر في المدن والمراكز الحضرية، بينما لا يعدو الحد الأدنى للأجور نصف خط الفقر للأسر المكونة من أربعة أفراد، وفي دراسة حديثة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة في تركيا خلال أبريل/نيسان الماضي، أعربت 79% من النساء ازدياد أعباء "التنظيف" تحديداً و60% ازدياد أعباء "الطبخ وتقديم الطعام" بينما أظهر الاستطلاع أن نسبة كبيرة من الرجال لا يشاركون في أعمال المنزل والرعاية "في الظروف العادية"، فـ41% من الرجال -بحسب الاستطلاع- لا يقومون بالطبخ، و25.%% لا يقومون بأعمال التنظيف، ما يعني أن عبء سياسات "الإغلاق العام" كان أشد على كاهل المرأة من غيرها.
بالمثل، لم تكن التبعات النفسية والعصبية سواء، فنفس الدراسة تظهر أن 54% من النساء اشتكين من تبعات الجائحة على صحتهم النفسية مقابل 49% فقط من المبحوثين الرجال.
لا تزال الحكومات تسعى لتخصيص بنود المساعدة الاجتماعية ضمن موازناتها العامة للعام الجاري، في محاولة لتخفيف التبعات على معدلات الفقر والبطالة، لكن تبقى السياسات الموجهة للمرأة تحديداً محل قصور كبير، وتبقى متوالية الأزمات النفسية – الاجتماعية خارج منظور الحلول في الوقت الحالي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.