أنا مصرية وأستطيع أن أقول إن هذه هي الآفات الاجتماعية الأكثر انتشاراً في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/18 الساعة 06:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/19 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش

المقال من واقع ملاحظات شخصية لحال المجتمع المصري، الذي تعرّض لمتغيرات كثيرة خلال العقد الماضي، بخلاف الآفات الاجتماعية المتأصلة في شعبه من زمن طويل، هدفه الأول هو المكاشفة والنقد الذاتي كوني مصرية ولم أعرف وطناً غيره طوال أعوامي الخمسة والعشرين، أملاً في تحسن الأحوال، فأي تغيير للأفضل يبدأ من وقفة صريحة مع النفس، المقال سيتناول بعض العيوب وليس كلها، ولا يعني أن هذه الآفات أصابت المجتمع بكامله، ولكنها طالت شرائح عريضة منه، وصار بعضها مقبولاً اجتماعياً في العديد من الأوساط، كما لا تعني خلو المجتمع المصري من المميزات التي لطالما عُرف بها، سواء الأصالة أو الشهامة أو الشجاعة والقدرة على مجابهة أعتى الأعداء في الداخل والخارج على مدار التاريخ، ولكن وقفتنا اليوم مع الآفات الاجتماعية الأكثر انتشاراً في مصر، ومنها:

الخفة

قال ابن خلدون في مقدمته "أهل مصر يميلون إلى الفرح والمرح والخفة والغفلة عن العواقب"، رغم أن الكثيرين عابوا على ابن خلدون تحامله على العرب بوجه عام، إلا أن وصفه للمصريين يحمل جانباً كبيراً من الصحة، يمكننا تلمّسه حتى يومنا هذا، بداية من حال التباهي بـ"الفهلوة" عند الكثيرين، ورؤيتها على أنها مهارة خاصة وتتطلب قدراً عالياً من الذكاء وحسن التصرف، رغم أنها في الواقع مهارة اللامهارة؛ فبدلاً من الحرص على الجدية والجودة تأتي الغلبة للخفة، ناهيك عن الانشغال المبالغ فيه بكل وسائل الترفيه من الفن غير الهادف بالمرة للبطولات الرياضية بشتى أنواعها، أما عن الغفلة عن العواقب فحدّث ولا حرج من عدم التزام بقواعد المرور والتعدي على الطرق العامة إلى الجلوس في صفوف لرؤية عملية تفكيك لقنبلة وقت انتشار الحوادث الإرهابية في مصر.

من فضل الله على أهل مصر تجنيبهم الكثير من عواقب أفعالهم اليومية، ووجود قدر أعلى من الجدية وتحمل المسؤولية في الأجيال الحالية، عسى أن يكون القادم أفضل بإذن المولى.

الألفة المبالغ فيها

من المظاهر الواضحة للمجتمع المصري تعلق الناس الشديد ببعضهم البعض وتداخلهم معهم بشكل كبير، ليس على المستوى المادي فقط، ولكن النفسي أيضاً، هو مفيد من ناحية الترابط والألفة وود الأهل وحفظ الجار، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب لمفاسد كثيرة منها: انتشار الغيبة والنميمة على نطاق واسع، الحرص على التباهي لمجاراة المحيط القريب، الاهتمام بكلام الناس مهما بلغت تفاهته أو تفاهتهم، السعي الحثيث لتلبية توقعات الآخرين منا، ولو على حساب سعادتنا الشخصية، أي تصبح قرارات الفرد مقيدة بما يريده مجتمعه الصغير منه لا ما يريده لذاته، بخلاف الإهدار الكبير للوقت والجهد والمال في اللاعمل.

أوهام الحسد

من نواتج تعلق الناس الشديد ببعضهم البعض إيمان بعضهم المطلق بتأثير الحسد والحاسد على جميع مفردات الحياة، في إهمال واضح للعوامل الطبيعية والبشرية وحوادث الأقدار وعبثية فكرة أن تستقيم الحياة على وتيرة واحدة.

يقول أستاذ الطب النفسي عصام الخواجة: "إن كنت تظن أنك فشلت وأصابتك المصائب بسبب حسد الناس لك فتأكد أنك لو هاجرت إلى تركمانستان حيث لا يعرفك أحد فلن تفارقك المصائب أبداً"؛ فأي تغيير تفعله وأي إنجاز تحققه في حياتك وأنت تعتقد أن أي شخص قادر على التأثير فيك بنظرة عابرة، لا يعني كلامي إنكار وجود الحسد والحاسد -لا سمح الله- فهو مذكور بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وتعرفه جميع الأديان السماوية، إنما هي دعوة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، لا توجد وسيلة مادية لقياس الحسد أو معرفة مصدره، والسبيل الوحيد لتجنبه هو الأذكار والتحصينات ونحو ذلك، أما عن مصاعب الحياة فتتطلب قدراً كبيراً من القوة النفسية لمعرفة أسبابها وتحمل تبعاتها.

الحسد تحديداً منتشر في شرائح عديدة من المجتمع بمسميات مختلفة من العين الشريرة للطاقة السلبية وخلافه، اختلاف ظاهري لا أكثر ولا أقل.

"لأ".. المهدور حقها

كلمة "لأ" عادة ما يساء فهمها، بداية من المستوى البسيط في العزائم أو المناسبات العائلية عندما تؤخذ بمعنى الخجل أو الحياء، وتعتبر اختباراً حقيقياً لكرم المضيف ومكانة الضيف، لاعتبارها في بعض الأوساط دليل تمرد وعدم تربية، خاصة إذا صدرت من شخص حديث السن، كما ترفض بعض الشرائح سماعها من الفتاة أياً كان عمرها. يقول الدكتور محمد طه، أستاذ الطب النفسي بجامعة المنيا في كتابه لأ… بطعم الفلامنكو: "كلمة (لأ) هي ضربة أقدامنا على مسرح الحياة… وهي رقصتنا المبدعة بين فصولها المكررة"، كما يؤكد على ضرورة التمييز بين (لأ) الغاضبة المدمرة وبين (لأ) الحافظة للمكانة والحقوق والحدود المادية والنفسية، للأسف هذه الآفة الاجتماعية شائعة في المجتمعات العربية عموماً، وليست قاصرة على المجتمع المصري فقط، ومن حسن الحظ أن (لأ) أصبحت تأخذ بجدية أكبر هذه الأيام، لكن إلى أن يأتي اليوم الذي لا تحتاج فيه (لأ) إلى شرح أو تبرير، عليك أن تتذكر أن (لأ) واحدة أحياناً تكون أهم من ألف (نعم)".

النسيان

يقول المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي: "ذاكرة العوام ثلاثة أيام"، يمكنك ملاحظة هذا الأمر من خلال تتبع تريندات مواقع التواصل الاجتماعي، عددت الثلاثة أيام المرة تلو الأخرى بعد كل حدث صادم، سواء كان تافهاً أو جلياً، وأحياناً تتكررالثلاثة أيام المرة تلو الأخرى عند كل تطور جديد للحدث الأصلي، ثم ماذا؟

يتم تجاهل الأمر تماماً، كأن لم يكن يوماً أو يتم ذكره عرضاً أو إحياء ذكراه كل عام في حال المآسي فقط لا غير، كم من متحرش أو مغتصب أو قاتل ثارت عليه مواقع التواصل وشحنت الرأي العام ضده، ثم بعد أن نسي الناس فرّ بفعلته، يكفي أننا اليوم لا نتذكر "الورد اللي فتح في جناين مصر" قبل عشرة أعوام إلا مرة كل عام، صدق أديبنا العالمي حين قال: "آفة حارتنا النسيان".

إنما هذا غيض من فيض آفات اجتماعية وجدت في مصر، ووجد مثلها وأشد منها وطأة في سائر أقطار الدنيا، ولكن ما من سبيل لذكرها هنا أو ذكر مزايا حفلت بها شتى بقاع العالم وأولها مصر أم الدنيا، كل ما في الأمر أنه تسليط للضوء على بعض العيوب؛ عسى أن نغير ما بأنفسنا ونسأل لله -عز وجل- محوّل الحول والأحوال أن يحول حالنا إلى أحسن حال.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
روان إدريس
مهندسة مصرية
تخرجت في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا قسم الهندسة المدنية عام ٢٠١٩، شاركت في العديد من الأنشطة والفعاليات العلمية والثقافية، منها: مؤتمر الـACI بالولايات المتحدة الأمريكية
تحميل المزيد