كيف ننجو من الغرق في مواقع التواصل الاجتماعي؟

تم النشر: 2021/02/17 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/17 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش

لا شك أن التكنولوجيا وصلت لحد لم يتوقعه أحد، وحتماً ستصل إلى ما لا يمكن توقعه، لأن الإنسان يسعى باستمرار لإنتاج ما يُسعده من منتجات مادية ومعنوية، ومن أهم إنتاجات التكنولوجية مواقع التواصل الاجتماعي، التي اختصرت المسافة الزمنية والمكانية بين البشر، حتى أصبح الذي في أقصى الأرض يتحدث ويرى الذي في أدناها دون أن يقوم من مقامه، ورغم أن لمواقع التواصل إيجابيات فإنها لا تخلو من سلبيات، ومن أبرز سلبياتها ما يمكن أن أسميه فوضى الحواس.

وبمناسبة الحديث عن فوضى الحواس فهي المولودة الثانية للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، رواية عاطفية يغلب عليها مشاهد الحب، والهيام، تدور الرواية حول الكتابة عن الكتابة ذاتها بشكل كبير، حيث تقوم بطلة "ذاكرة الجسد" بكتابة رواية وتعيش قصّة حب خياليّة مع بطل روايتها التي تكتبها عن فترة تسعينيات القرن الماضي، حيث تقوم الكاتبة بمواعدة بطل روايتها الخيالي الذي كتبته، في تداخل بين الواقع والخيال، حيث تلتقي امرأة برجل في خيالها، رسمته بالكلمات على الورق في منطقة رماديّة من الواقع، ويكتب الرجل الخيالي مع الكاتبة روايتهما معاً، في النهاية تضع القارئ في دهشة عدم الخروج من الحالة الفانتازية التي صنعتها الكاتبة بمهارة شديدة وإتقان.

وبالعودة إلى العنوان، فإن الانسان لو جلس لوحده بعيداً عن مواقع التواصل قد يضيق صدره حرجاً، وكأنه فقد شيئاً عزيزاً، لأنه اعتاد على قضاء وقت طويل يتجول بين صفحاتها، وينشر ما لا يستطيع قوله ونشره في ساحة الحياة الواقعية. لكن إزاء الوقت الكبير الذي يهدره أغلبنا أمام حضرة مواقع التواصل دون فائدة، تبرز عدة أسئلة، هل تخلو تلك المواقع من البراءة؟ وهل تدخل ضمن مخطط تدميري هادئ وناعم؟ لماذا هي مجانية؟ لماذا طغت على كل تفاصيل حياتنا وصنعت منا عبيداً لفلسفتها؟ لماذا نتسابق على إنشاء حسابات على المواقع؟ والأسئلة تطول.

أظن أن تلك المواقع وإن لم يكن لها هدف تدميري من حيث فكرة التأسيس، ولم تنشأ لنوايا سيئة، ولم يكن الهدف منها إلا رقي الإنسان وتسهيل حياته وربما جعلها أفضل وأرحب، إلا أن ثمة من استطاع تسخيرها لتحقيق مآربه، ومجانيتها قد تجعل الإقبال عليها كثيراً وتحقق لأصحابها أرباحاَ خيالية من الإعلانات فيها، وقد طغت على تفاصيل حياتنا، وهذا يرجع إلى أن القائمين عليها يتفننون في فتنة وجذب انتباه الجمهور، بحيث ينسى الإنسان أولوياته ويسكن معها في برج التسويف، ويحدث التسابق بيننا لإنشاء حسابات على كل موقع نعرفه، فالإنسان يريد أن ينشئ حسابات هنا وهناك، هنا يقرأ، هنا ينشر، هنا يرد على التعليقات، هو تحقيق أقصى قدر من الاستفادة والإفادة، لكن هذا لا يمنع من وقوعه في فوضى نفسية.

وبغض النظر عن دوافع الإنسان لهذه الفوضى، فإن الذي يدركه بعضنا أن لمواقع التواصل قدرة خارقة على تبديل الاهتمامات وسرقة الوقت دون شعور، لأن الإنسان يقع في فخ مغريات المواقع المتنافسة في تقديم أفضل الإنتاجات، لذا علينا تقنين مشكلة هذه المواقع أنها تجعل الإنسان مرتبكاً جداً في تحديد أولوياته، وتجعل أهم ما عنده وما يجب أن يبدأ به يومه هو تصفح هذه المواقع وأخذ الجولات فيها، الأمر الذي يشعره بالسعادة والراحة. 

وقد أثبتت بعض الدراسات العلمية أن تفاعل الناس مع ما يكتب أو ما يشارك به من صور على مواقع التواصل الاجتماعي يساهم في إفراز هرمون الدوبامين المسؤول عن شعور الناس بالسعادة، ولكنها في الأغلب تكون سعادة وهمية سرعان ما تختفي لتنشأ حاجة إليها من جديد لا تأتي إلا بمزيد من الانغماس في هذه المواقع.

مع استخدامنا لتلك المواقع حتى لا تذهب أعمارنا فيما لا فائدة فيه، علينا أن نتذكر أن الله، عز وجل، قد أقسم بالوقت في عدة آيات، وأن السؤال عن الوقت هو أحد الأسئلة التي سنُسأل عنها يوم أن نرحل عن هذه الحياة. علينا أن ندرك أن الوقت هو ما يمكن أن نفعل فيه كل شئ في حياتنا، هو القيمة الأساسية في حياتنا التي من خلالها يمكن تحقيق النجاحات والتعلم والمحاولة. هو المكان الذي نستمتع فيه مع عائلتنا ونخوض العديد من التجارب ونصنع فيه مستقبلنا. لا بأس من التكنولوجيا لكن شرط ألا تطغى على كل حياتنا. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى أبو السعود
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد