أمام أحد الأكشاك الصغيرة الذي يبيع السجائر "الفرط"، أي بالسيجارة الواحدة لا بالعلبة، وقف شاب مصري يدخن سيجارة مستوردة علَّ صدره يشفى من أثر السجائر المحلية. وقف ممسكاً بهاتفه المحمول "ماركة سامسونغ"، وبينما ينفث دخان السيجارة بدأ يفكر في ميزانية الشهر، فيحسب دخله الشهري الذي لم يتجاوز حاجز الـ4 آلاف جنيه، رغم وعود مديره المتكررة بالترقية والعلاوة. ثم راح يخصم منه مصاريفه الشهرية، واحتياجاته الآدمية، وباقة الإنترنت التي بالكاد تكفي لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة أخبار فريقه في كأس العالم للأندية، والكثير من سماعات الهاتف المحمول التي تتلف في غضون أسبوعين، وللمهتمين فتلك السماعات تباع حصرياً أمام محطات مترو الأنفاق حلوان-المرج.
تلك معادلة صعبة للغاية، عندما تعلم أن المسكين ورّطته أمه في "جمعية" قدر السهم فيها 500 جنيه مصري، أي ما يعادل 30 دولاراً أمريكياً، ليتمكن من توفير 20 ألف جنيه بعد سنتين. مبلغ ربما يساعده في رحلته شبه المستحيلة نحو ليلة العمر، ليلة يعلن فيها زفافه على جارته في القرية، أو زميلته بالعمل، أو صديقة أخته، أو أياً كانت "سعيدة الحظ".
وللأسف، تلك ميزانية تالفة ومعادلة خاسرة في كل الأحوال، حتى وإن اجتمع على حلها الخوارزمي وفيثاغورس وإقليدس. يتوقف الفتى عن التفكير، ويقرر الاستمتاع بما تبقى من السيجارة المستوردة بينما يتصفح فيسبوك، لكنه يتفاجأ بخبر زفاف معز مسعود من الفنانة حلا شيحة، يتلفظ بألفاظ نابية متعددة، ثم يغلق هاتفه غاضباً بعدما اكتشف أن فترة الراحة شارفت على الانتهاء، وأن عليه أن يكون على مكتبه في ظرف 5 دقائق.
كل سنة جديدة بعروسة جديدة
في السنوات المعدودة الماضية لم يربح النادي الأهلي المصري بطولة دوري أبطال إفريقيا كل عام، ولم يشارك أحمد حلمي في 3 أفلام، وحمزة نمرة اكتفى بإصدار اثنين من ألبوماته الغنائية، بينما أعلن الداعية والمنتج السينمائي الشاب معز مسعود زواجه 3 مرات. الزيجة الأولى كانت من المرشدة السياحية بسنت نور الدين، في علاقة لم يكتب لها التوفيق، 6 أشهر من الارتباط كانت كفيلة بإعلان الانفصال، دون صراعات إعلامية، أو معارك "فيسبوكية". لكن قبل أن ينتهي النصف الثاني من عام 2018 أعلن الداعية الشاب زفافه على الفنانة شيري عادل، بطلة مسلسل السهام المارقة، الذي تنتجه شركة معز مسعود نفسه، لكن في أغسطس/آب 2019 أعلنت شيري عادل انفصالها عنه بعد أقل من عام. ثم كان الختام، حتى كتابة هذا المقال، بإعلان معز مسعود زواجه من الفنانة العائدة من الاعتزال حلا شيحة، لتضج منصات التواصل الاجتماعي بتفاعل كبير، خاصة من شريحة الشباب. وكما جرت العادة، فمع كل ارتباط يَجمع معز مسعود بإحدى جميلات السينما أو المشاهير، تنتشر المنشورات الناقمة والناقدة، مع صور ساخرة "كوميكس" من (إمام الرومانسية) كما يطلقون عليه.
على منصات التواصل الاجتماعي مقارنات كثيرة يعقدها الشباب المصري بين واقعه الحزين وعالم معز مسعود السعيد. تفاعل ضخم لا يخلو من الحسد في بعض الأحيان، ليس بسبب تعدد زيجات معز مسعود، ولكن بسبب من يرتبط بهن الداعية، من ناحية الشهرة والجمال والقبول لدى الجماهير، وارتباطهم هم أنفسهم بتلك النجمات في خيالاتهم.
هو الدين بيقول إيه؟
بنظرة محايدة تخلو من الحقد والحسد، تدرك أن معز مسعود، على مدار حياته تزوج 4 مرات منذ 2013 وحتى 2021، وكلها كانت في وضح النهار، وبزواج شرعي لا لبس فيه. بينما غيره من المشاهير يسيرون في طرق مختلفة من العلاقات العاطفية، وكان آخرهم علاقة المطرب الكبير والفنانة الشابة، علاقة امتدت لفترة ليست بالقصيرة دون إطار مفهوم وواضح لها، ولكن احتفى بها أغلب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وزينوها بكلمات أنيقة عن الحب الحقيقي، وتأكيدات على أن العمر مجرد رقم ولا أهمية تذكر لفارق السن في العلاقات ما دامت أواصر الحب قائمة.
بينما يحدث العكس مع معز مسعود، وإن اختلفنا معه كداعية أو كمنتج سينمائي، لكن الأمور في النهاية يجب أن توزن بمقاييس أعقل وموازين أعدل من "تريندات" فيسبوك وتويتر، التي تشن الغارات والهجمات على الرجل بلا هوادة أو رحمة. وتجبره على الدفاع عن نفسه رغم أنه لم يمارس إلا حقوقه، حتى إنه قال بعد إعلان زواجه من الفنانة شيري عادل، "لم أرتكب حراماً أو عيباً، واستخرت الله تعالى واخترت الحب والزواج رغم علمي بمدى فداحة الظلم الذي سنتعرض له، أنا شخص تزوج في النور أمام الجميع، ولا أطلب من أي أحد تغيير مواقفه إطلاقاً، لكنني أطلب من الجميع احترام حياتي الشخصية".
لماذا لا يتزوج الشباب المصري مثل معز مسعود؟
في مصر، ومع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المصريون بشكل عام، وشريحة الشباب في القلب منهم، أصبح الزواج جبلاً شاهقاً، ترتفع قمته عاماً بعد عام، جبل يتوجب تسلقه للظفر ببنت الحلال. صعوبات في زيّ مستحيلات تلك التي يجب على الشاب المصري خوض غمارها لدخول عالم المتزوجين.
فالشاب المصري منذ دخوله الثانوية العامة وحتى بلوغه سن الثلاثين يحاول جاهداً أن ينجح في الوصول لتلك اللحظة، التي يعتبرها الكثيرون معجزة طبقاً للأرقام والحسابات. مئات الآلاف من الجنيهات يحتاجها كل من يطمع في تحقيق تلك المعجزة، إن كان من المحظوظين أصحاب الوظائف الثابتة، في بلد يصل فيه عدد العاطلين عن العمل لأكثر من مليوني نسمة.
يحتاج عريس المستقبل لسنوات تفوق عمره لتكاليف الزواج بنفسه، ولا ينقذه من الفشل سوى مساعدة الأهل، إن كان ذلك في استطاعتهم، أو يبقى يقلب في صفحات فيسبوك، يتابع أخبار معز مسعود.
ومن أسباب موجة الانتقاد العارمة والسخرية اللاذعة من معز مسعود في كثير من الأحيان، الفجوة الهائلة بين عالم معز مسعود وظاهرة الحاج المتولي، وبين واقع وحال السواد الأعظم من الشباب المصري. فالداعية الشاب يتزوج كل من يحب في الوقت الذي يحب، بينما الشباب المصري يعتبر الزواج "فرض كفاية" لمن استطاع إليه سبيلاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.