"الحرب يجب أن تتوقف"، كانت تلك أبرز كلمات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي ألقاها في مقر وزارة الخارجية في الرابع من فبراير/شباط الجاري، في إشارة منه إلى حتمية إنهاء الحرب المأساوية في اليمن، وموجهاً بهدنة تمنح الأطراف المتحاربة فرصة لالتقاط الأنفاس وتبني الحل الدبلوماسي.
وقد عرضت الإدارة الأمريكية الجديدة في سبيل حل الصراع في اليمن سياقات دبلوماسية مغايرة تماماً لما كان وقت حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، أثارت تساؤلات حول تبدل المواقف الأمريكية تجاه الحرب في اليمن، والأسباب الخفية وغير المعلنة خلف القرارات الأخيرة فيما يخص جماعة الحوثي، وما علاقة تلك القرارات بالمفاوضات الأمريكية مع إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي؟
تحركات أمريكية لصالح جماعة الحوثي
اتخذت الإدارة الأمريكية الجديدة الفترة الماضية جملة من القرارات بخصوص الحرب في اليمن، كان أغلبها لصالح جماعة الحوثي، وقد تمثلت في:
1- إلغاء إدارة بايدن تصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية
قبل أيام من رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من منصبه، كان مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، قد وضع جماعة الحوثي على اللائحة السوداء كمنظمة إرهابية.
ذلك القرار خضع للمراجعة فور تولي بايدن الرئاسة، حتى أعلنت واشنطن عن نيتها إلغاء تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، كخطوة في سبيل رفع الحظر عن إرسال المساعدات الإنسانية.
وفي الخامس من فبراير/شباط، خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ليؤكد قيام الوزارة بإبلاغ الكونغرس رسمياً بنية وزير الخارجية أنتوني بلينكن حذف الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية اعتباراً من الثلاثاء 16 فبراير/شباط.
التوقف عن دعم السعودية
في تحرك مواز، أعلن جو بايدن عن نيته سحب مساعدة الولايات المتحدة للعمليات الهجومية وإلغاء مبيعات الأسلحة المرتبطة بذلك، وإنهاء تبادل المعلومات الاستخباراتية وتقديم المشورة للقوات السعودية، وهو ما صرح به كذلك جون كيربي، الناطق باسم البنتاغون، يوم الجمعة الموافق 5 فبراير/شباط الجاري.
وذلك بعد أن كانت وزارة الدفاع الأمريكية تقدم بعض المساعدة غير القتالية لعمليات التحالف بما في ذلك تقديم المعلومات الاستخباراتية والنصائح والتوجيه بأفضل الممارسات.
بيد أن السعودية لا تزال شريكاً مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في المنطقة، كما يتعهد بايدن بمواصلة الدفاع عنها ضد أي تهديدات.
انعكاسات محتملة على المفاوضات الأمريكية الإيرانية
قد تكون للتحركات الأمريكية الأخيرة انعكاساتها على مصير المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وهو ما يتضح من خلال الآتي:
رسائل إيجابية لإيران
جاءت تلك الخطوات الأمريكية الجديدة في توقيت حاسم من المفاوضات مع الجانب الإيراني بخصوص الاتفاق النووي، لتحمل رسائل تطمين إيجابية لإيران، فهي بمثابة تقوية لإيران ووكيلها مقابل إضعاف الجانب الخليجي على الأرض اليمنية.
وقد حظيت تلك التحركات بالفعل بترحيب من الجانب الحوثي والإيراني، فبينما اعتبرتها جماعة الحوثي خطوة متقدمة من أجل تحقيق السلام في اليمن، فإن وزارة الخارجية الإيرانية نظرت إليه -في حال لم يكن مناورة سياسية- على أنه خطوة نحو تصحيح أخطاء الماضي.
وهو ما أعرب عنه المتحدث باسم الوزارة، سعيد خطيب زاده، مشيراً إلى ترحيب إيران بأي خطوة تأتي من قبل المجتمع الدولي في إطار دعم اليمن في مواجهة "تلك الدول التي تشن عدواناً على الأراضي اليمنية".
مصير الاتفاق النووي الإيراني
انطلاقاً من كون إيران أول الداعمين وأهمهم لجماعة الحوثي في اليمن، باعتبارها إحدى أبرز أذرع طهران العسكرية في المنطقة ووكيلها وحامي مصالحها في اليمن، فإن الإدارة الأمريكية لم ترد أن تعيق أي عقوبات على الحوثيين، محاولة التفاهم مع إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، خاصة أن أي عقوبات من شأنها أن تحمل رسائل سلبية لإيران مما قد يعرقل أي مساع للتفاوض معها.
لذا ربما أراد بايدن بتلك التحركات من ناحية أن يمنح فرصة لخيار التفاوض مع إيران، خاصة في ظل رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، بشرط التزام طهران بالكامل بكافة بنود الاتفاقية.
ومن ناحية أخرى، فإن واشنطن ربما تعول على احتمالية التوصل لاتفاق جديد مع طهران قد تنعكس آثاره الإيجابية على الملف اليمني، وهو ما يؤدي إلى إنهاء الحرب في اليمن باعتبار طهران فاعلاَ مهماً ورئيسياً في الصراع، وبالتالي فإن كسب ود إيران وتهدئة أجواء المفاوضات مع إيران، هي محاولة أمريكية جادة لنزع فتيل التوتر مع إيران.
خاصة أن بايدن وإدارته لديهم إيمان جازم بأن العودة للاتفاق النووي مع إيران أصبح أمراً ملحاَ، والطريق الأمثل لمنع إيران من تصنيع قنبلة نووية.
بيد أن المفاوضات بين الجانبين لم تسفر عن جديد حتى اللحظة، فبينما أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن رفضه لرفع العقوبات عن طهران إذا لم توقف تخصيب اليورانيوم، أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي من جانبه عدم نية طهران العودة إلى الاتفاق في حال لم ترفع العقوبات الأمريكية عنها.
ما يزيد الأمر تعقيداً، أن طهران ضربت بمطالب بايدن عرض الحائط وأعلنت عن بدء إنتاج معدن اليورانيوم، الأمر الذي يشكل انتهاكاً جديداً للاتفاقية النووي الموقع في عام 2015.
لذا ربما إذا رأت الإدارة الأمريكية عدم جدوى تقديم تنازلات أو امتيازات لصالح إيران أو جماعة الحوثي في اليمن، أن تعيد الضغط على إيران من خلال فرض المزيد من العقوبات على جماعة الحوثي وربما العودة إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية في نهاية المطاف، وذلك ما لم يسفر المسار الدبلوماسي عن عودة حقيقية للاتفاق النووي.
ثالثا هل ستكون تلك القرارات مساراَ لإنهاء الحرب في اليمن أم لتعقيدها؟
بالتأكيد ليس استرضاء إيران الغاية الوحيدة من التحركات الأخيرة -والوارد الرجوع فيها إذا ما استمرت إيران وجماعة الحوثي في التعنت، بل الرغبة في إنهاء الحرب اليمنية وانتهاج الحل الدبلوماسي كذلك مثلت عاملاً محورياً. وفي سبيل ذلك، عين وزير الخارجية مبعوثاً للبدء في حملة جديدة لإنهاء الصراع في اليمن والتوصل إلى سلام تفاوضي يستهدف المأساة الإنسانية في اليمن التي أودت بحياة نحو ربع مليون يمني.
ولعل التحركات الجديدة، والتراجع عن مواقف ترامب بشأن الحرب في اليمن قد وضع الولايات المتحدة على بداية الطريق لحل الأزمة في اليمن دبلوماسياً.
فربما أراد بايدن بتلك المواقف أن يُحيد من خطر جماعة الحوثي ويحجم قدراتها المالية التي تسخرها لصالح عملياتها العسكرية ضد قوات التحالف العربي في اليمن، وهو بذلك ربما أراد أن يجبر الحوثي على العودة إلى مائدة الحوار. ومن ثم، رأت الإدارة الأمريكية في قرار ترامب بإدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب كمنظمة إرهابية، إعاقة للمسار الدبلوماسي من أجل إنهاء الحرب.
بيد أن تلك المرونة الأمريكية مع جماعة الحوثي غير مطلقة، ولا تعني أن تتجاهل إدارة بايدن أي هجمات أو عمليات من شأنها استمرار الحرب واستفزاز الطرف الآخر.
وهو ما أعلنته إدارة بايدن بالفعل في أول بيان رسمي بشأن العلاقات الأمريكية مع السعودية، حين أكدت أنها لن تتسامح في أي هجمات من قبل جماعة الحوثي على السعودية.
وبالرغم من ذلك، تتجاهل جماعة الحوثي أي مساع في اتجاه الحل، فبينما اعتقد بايدن أن تحركاته نحو التهدئة في سبيلها لإنهاء الحرب، لم يقابلها الحوثيون سوى بمزيد من التصعيد والتعنت وتقويض أي سبل للحل.
ففي الأربعاء الماضي، الموافق 10 فبراير/شباط، أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي، العميد يحيى سريع، استهداف أربع طائرات مسيرة تابعة لهم لمرابض الطائرات الحربية بمطار أبها الدولي في السعودية.
وتوعد من جانبه، قائلاً "عملياتنا مستمرة طالما استمر العدوان والحصار وصدق الله القائل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)"، وذلك رداً على استخدام السعودية لمطار أبها لأغراض عسكرية، كما صرح.
ويبدو أن جماعة الحوثي لم تترجم الرسائل الإيجابية التي تحملها المواقف الأمريكية نحو إيجاد حل دبلوماسي، سوى بمزيد من التصعيد الذي يقوض من الحل السياسي للحرب في اليمن.
وذلك، رغم الإدانة الأمريكية للهجوم الحوثي السابق لذلك، والذي استهدف العاصمة السعودية الرياض، باعتبار أن تلك الهجمات من شأنها إفساد أي جهود في طريق تعزيز السلام والاستقرار.
إجمالاً، من غير المتوقع أن تقابل السعودية الهجمات الحوثية بتجاهل تام أو دون رد فعل مواز، ويبدو أن إيران وجماعة الحوثي لا تريد استثمار التحركات الأمريكية لصالح الحوثي في تحقيق السلام، الأمر الذي ينذر بفشل مسار الحل الدبلوماسي، وعليه قد تتخذ الإدارة الأمريكية إذا ما استمرت التصعيدات مواقف أكثر حزماً مع جماعة الحوثي للضغط عليها في سبيل التهدئة وإنهاء الحرب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.