ما الرابط العجيب الذي يجمع الحب بالدببة؟ حديث لن يعجبك عن الفلانتين

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/14 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/04 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش

تفتح مواقع التواصل الاجتماعي تجدها غارقةً باللون الأحمر، الستوريات تروِّج للهدايا، المنشورات كلها عن الهدايا، والأسئلة جميعها عن نوعيةٍ جديدةٍ من الهدايا ومقارناتٍ كثيرةٍ بين الأسعار، حتى النكات والميميز عن الهدايا، هكذا تتحول الجروبات لأسواقٍ موحدة اللون، والعنوان.. عيد الحب. 

تقول لنفسك ربما العالم الافتراضي يبالغ، ربما الواقع لا يزال طبيعياً، عادياً، وملوناً.. تنزل للشارع، فتستقبلك بقاليةٌ عاديةٌ في أوله، وقد قرر صاحبها فجأةً، أن يضيف لبقاليته جزءاً جديداً لونه "أحمر" يخصصه للهدايا! إذاً فطوفان "الأحمر" وجنونه لا يقتصر على السوشيال ميديا وحدها.. 

وفي اليوم المنشود يتحول الأمرُ لتباهٍ على شكل ستوريات أخرى أيضاً ولكنها هذه المرة تحت عنوان "ميرسي حبيبي.. شكراً يا قلبي.. أووه يا نيالي فيك" والكثير الكثير من الإيموجي والجمل المبتذلة تعلو صوراً لهدايا مصبوغة أيضاً باللون الأحمر.. كرنفالٌ أحمرٌ مليءٌ بالمقارنات بين هدية فلانة، وهدايا فلان، ومن الذي قدَّره حبيبه بهديةٍ ذاتَ قيمةٍ ماديةٍ أعلى.. تماماً.. قيمةٍ مادية!

إنه الحب، يسيل في الشوارع، يتسلق واجهات المحلات، ويستلقي على أرصفة الأسواق، يتمسك بفرو الدببة الحمراء متفاوتةِ الحجم، ويتجزأ على الستوريات، ويتسلَّع.. يتسلَّع الحُبُّ هنا وهناك! 

بالمناسبة، لم أعرف يوماً ما الرابط العجيب الذي يجمع الحُبَّ بالدببة دوناً عن كلِّ الحيوانات الأخرى؟! لماذا الدببةُ بالتحديد؟! ما الرمزية التي تحملها؟! ولماذا اللون الأحمر؟! لماذا نصبغُ المشاعرَ باللون الأحمر دوناً عن غيره؟! أحاول أن أربط ذلك بلون الدم، ولكن الأمر يبدو لي مبتذلاً وساذجاً.. لماذا لا نربطها باللون الأزرق مثلاً؟! لون السماء والبحر، ألا يبدو ذلك أكثر لطفاً وصفاءً وجاذبية؟! لماذا لا نستلُّ لوناً للحب من الشمس؟! لماذا لا يكون لون الحبِّ أصفر؟! لماذا لا نختارُ الأبيض الصافي طيب؟! سحقاً المشاعر لا لون محدد لها! فلماذا نلونها بلون الدم في كوكبّ هو غارقٌ بالدم أصلاً؟!

لماذا يكون يومُ الحب الوحيد في العام نمطياً ومبتذلاً لهذا الحد كفيلمٍ شاهدنا أحداثه آلاف المرات؟! لماذا يكون للحب يومٌ واحدٌ محددٌ أصلاً؟!

كأنه حبٌّ معلَّب "بضمِّ الحاء أو فتحها، لن نختلف"، يأتي فقط على أكتاف الهدايا العينية، بعيدٌ كلُّ البعد عن الحب الحقيقي الذي يحكي لنا عنه الشعراء مثلاً، أو يمارسه ويقوله لنا الآباء كلَّ يومٍ بتصرفاتهم، الحب الذي تحكيه الأعين، والنظرات، والأفعال، الحب الذي تجسده تعابير الوجه لا تعابير الجَّيب، وتحكيه لغةُ العيون لا لغةُ المال.

الحب غير المرهون بيومٍ أو ميقات، والمشرَّعةِ أمامه أيام العمر كلها، دون أن يُحشر كله في يومٍ واحدٍ، في 24 ساعة من العام كأنه حبةُ أسبرين، ثم ينُسى في بقيته! نعم، نحن حين نسمي يوماً محدداً كيوم حب، فكأنما نشرِّعُ لبقيةِ الأيام أبواب الغرق في روتينية الحروب والكراهية والنسيان، والتجاهل.. يكفي أن نتذكر أحبابنا في يومِ الحب العالمي الذي ربما لا نتذكره بأنفسنا إن لم يذكرنا به الإنترنيت، أو المسوقين والباعة، وننساهم إثره!

لطالما كنت أتساءل: أتراهم الأزواج في حفلات الزواج الجماعية يأخذون نصيبهم من الفرح كاملاً.. من الاهتمام كاملاً.. من التوتر، والرهبةِ، والحماس كذلك.. أتراهم يأخذون نصيبهم من السعادةِ كاملاً، أم أن كل ذلك يتجزأ على جميع العرسان فلا يأتيهم منه إلا أقل القليل؟! هل يبهت اهتمام الحضور وهم يوزعونه على 20 وجهاً بدل أن يركزوه على وجهين كأنهما واحد؟! هكذا تبدو الأشياء الجماعية بالنسبة لي، أقل بهجةً، وأقل لذةً من كل المناسبات التي تحمل صفةَ الخصوصية.. وهكذا يبدو لي "عيد الحب" كذلك! 

الأعياد الجماعيةُ على اختلاف مسمياتها، صار تَذَكُرها في يد الجميع، حتى عيد الشجرة على فكرة! فالمواقع الإلكترونية تعمل على ذلك بضمير حقاً! ولكن الامتحان الحقيقي يكمن بين أرقام التواريخ الخاصة، التواريخ التي لا يذكرك بها إلا قلبك وحبك، أن يتذكر شخصٌ ما تاريخاً مميزاً بالنسبة لك، كأول لقاء، وأول كلمة، أو حتى تاريخ عيد ميلادك.. هنا يكمن الاهتمام، وهنا يصبح للاحتفال معنى وقيمة، احتفالٌ لا يعرف به إلا اثنين، سيكون أسعد ألف مرةٍ من كرنفالٍ يتسابق فيه الجميع.. فقط لأجل التباهي. 

يناسبنا نحن البشر أن نحشر الحبَّ في يومٍ واحد، أن نُسلِّع المشاعر، نحبسها داخل يومٍ تجاريٍّ بامتياز، يرتفع فيه الترويج للسلع باسم الحب، ويتم توجيه المادة المباعة نحو اتجاه واحدٍ يقولون أنه الحب! يومٌ يستفيد منه التاجر، والبائع، والمهدى إليه على حدٍّ سواء.

 يومٌ يتمثل فيه الحب على شكلِّ هديةٍ عينية حصراً، يختارها أحياناً الطرف المُهدى إليه بنفسه لأنه لا يثق بذوق المُهدي، ولأنه يخشى أن يخذله هذا الذوق أمام متابعيه، أو أصحابه ومعارفه الذين ينوي أن يتفاخر أمامهم بمكاسبه في هذا اليوم! كأن قيمة الشخص مرهونةٌ بقيمةِ الأُعطية التي يتلقاها، وكأن الحب هنا يسير في طريقٍ سينحصر في نهايته على فئةٍ معينةٍ قادرةٍ على دفعِ الثمن النقدي كما يجب، ليكون بعيداً كل البعد أو محرِجاً لفئةٍ أخرى غير قادرةٍ على متابعة خط التبجح والبذخ الذي يفرضه الحب المادي ويرتفع به كلَّ يومٍ أكثر؛ أو ربما عاجزة دفع الضريبة أو الجزية التي يفرضها على مريديه في يومه! إنه الحبُّ المعلَّب في الظروف الحمراء يا سادة.

ثم مرةً أخرى وأخيرة.. ما علاقةُ الدببة؟!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أبد الحاج
كاتبة سورية
درست الهندسة الزراعية في جامعة دمشق، عملت في التحرير الأدبي لعدد من الروايات، أكتب المقالات الأدبية، والرسائل والخواطر.
تحميل المزيد