الحب العاطفي موضوع الفن المرئي الأثير، أسهبت الأغاني والأفلام في تناوله بشتى الرؤى في مختلف مراحله، كما أبدع صانعو الأفلام في إدماجه مع باقي تصنيفات أعمالهم من الكوميدي للإثارة، للأكشن، للرعب، نادراً ما يخلو عمل سينمائي من خط عاطفي واحد على الأقل، هو بالنسبة لصناع السينما لعب في المضمون، يعزف على أوتار قلوب الجمهور ويجعلهم يتغاضون عن الكثير من عيوب الفيلم، هذا يسرح بخياله مع البطلة الجميلة وتلك تتخيل البطل الوسيم فتى أحلامها، الطامة الكبرى في الصور النمطية التي تصدرها السينما التجارية للجمهور عن الحب العاطفي، صور يسعى الجمهور لإيجادها في الواقع، لكنهم عادة ما يفشلون لأنها ببساطة نسخ مبتورة عن الواقع، ومنها:
الحب من أول نظرة
الحب لا يتأتى إلا بعد معرفة حقيقية، أذكر هنا مقولة نجيب محفوظ: "أقصى درجات السعادة هو أن نجد من يُحبنا فعلاً، يُحبنا على ما نحن عليه.. أو بمعنى أدق يُحبنا برغم ما نحن عليه"، هذا لن يحدث سوى بالمعرفة التي اختبرت في مختلف المواضع، قد تعرف شخصاً على مدار سنوات ولم تختبره سوى عدة مرات، الحب الحقيقي واعٍ مبصر، يرى العيوب ويقبلها ليس بجاهل ولا متجاهل، أما عن النظرة الأولى فلا تحمل سوى الجهل بالآخر، تنخدع بما ظهر منه وتقنع بسذاجتها بما رأته، إعجاب في أعلى التقديرات أو شهوة في أدناها، أما عن الحب فتفصله أميال من المعرفة والتحمل والقدرة على البذل للآخر.
يلجأ له صناع الأفلام في العادة اختصاراً للوقت والأحداث، يجنبهم معضلة إيجاد مسببات للحب أو تسلسل منطقي لتطوراته.
الغزل سيد الموقف
بداية من الشعر الجاهلى واستهلاله بالغزل حتى وإن كان متخيلاً إلى يومنا هذا، شاع عن المرأة أنها تحب بأذنها كما يحب الرجل بعينيه، وبناء عليه تم اعتماد الغزل بنوعيه كدليل على الحب، ومع كثرة استهلاكه فقد الكثير من رونقه وتحول في أغلب الأحوال لأسطوانات مشروخة يعاد استخدامها المرة تلو الأخرى، فقدت أصالتها وخصوصيتها وأصبحت أداء للواجب عند قائلها وإرضاء لغرور مستمعها وحسب.
التركيز على الغزل أو الكلام بوجه عام أهمل وجود لغات أخرى للتعبير عن الحب، يذكرها تفصيلاً كتاب لغات الحب الخمس لمؤلفه استشاري العلاقات الأمريكي جاري تشابمان، وهي: قضاء الأوقات معاً، الأعمال الخدمية، الهدايا، التقارب الجسدي وكلمات تأكيد الحب، للأسف التركيز في أغلب الأفلام يكون على آخر اثنين أو ثلاثة في بعض الأحيان، الباقي يتم إهماله كونه لا يحقق الجذب الدرامي الكافي، أما في الحياة الواقعية فعليك اكتشاف لغة الحب التي تفضلها ويفضلها الطرف الآخر، هم لغتان رئيسيتان وثالثة فرعية تختلف من شخص لآخر، وفقاً للكاتب.
نقطة أخيرة لا تنخدع بالكلام المنمق؛ فأعذب الناس حديثاً هم أهل النصب والخداع ومروجو الأوهام، تذكر دوما "إن من البيان لسحراً"؛ فاحفظ نفسك ولا تأخذ بكلام لا يوافقه عمل.
إبهار المظهر
إذا فرغنا من الكلام يأتي دور الإبهار بشتى أنواعه: لافتات مضيئة، عرض زواج في مكان عام، أماكن فاخرة للاحتفال، والكثير الكثير من الهدايا، إبهار تم محاكاته في مختلف الأوساط، كل على قدر استطاعته أو ما يفوق استطاعته أيضاً، لم يعد الأمر يقتصر على فردين فقط، بل أصبح شأناً عاماً، أداة من أدوات إثبات التميز والأفضلية على الغير، ذكت الأفلام ذلك وقلدها محدودو النضج العاطفي والنفسي.
لقاء على مستويين فقط
من المعروف أن مستويات التوافق في العلاقات العاطفية أربعة، هي: روح وعقل وقلب وجسد، الروح إنما أمرها من أمر ربها، كما قال المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: "إنما الروح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف"، اختلف في تفسير أمر التعارف فقيل إنما هو في عالم الغيب وقت مسح الله على ظهر آدم –عليه السلام- وأشهد ذريته على أنه هو الله الواحد الأحد لا شريك له، وقيل إنما هو تعارف الدنيا فإذا عرفت من أمامك حقاً ائتلفت معه، وإن حجبته عنه حجب نفسك ونفسه لن يتحقق الائتلاف أبداً، هذا عن الروح.
أما القلب والجسد فلم تعرف الأفلام سواهما في الأغلب الأعم، اختزلت كل جوانب الحب بهما فقط، لا يهم ما يحدث قبل ذلك أو بعده، لا يهم أن يتحقق التوافق العقلي بكل مكوناته الدينية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية، المهم أن تعيش اللحظة وتأخذ أكبر قرارات حياتك بناء عليها.
نقاط التحول
الوهم الأكبر الذي تصدره أغلب الأعمال السينمائية خاصة ذات الطابع التجاري الخفيف، يظهر البطل –عادة- في أقصى درجات الضياع والانحراف ثم يتحول بشكل مفاجئ لشخص آخر متحمل للمسؤولية ينأى بنفسه عن المفاسد، إما لمصيبة ألمت به أو لأجل عيون البطلة الحسناء، المهم أن التحول مفاجئ نتيجة عوامل خارجية، الأمر الذي يختلف تماماً عن الحياة الواقعية؛ فالتغيير ما لم يكن نابعاً من الذات ويتم ببطء ويمر بنقاط صعود وهبوط لن يدوم، وسيكون أمراً مرحلياً لا يعول عليه في بناء مستقبل.
الطامة الكبرى حين تنخدع فتاة بهذا، وتظن أنه مهما كان سوء الشخص أو انحرافه فهي قادرة على إصلاح مسار حياته، وهم ثمنه الأدنى ارتفاع نسب الطلاق والأعلى تشريد أطفال وتدمير حيوات في ربيعها.
من يسيطر؟
صراع السيطرة الشهير بطل العديد من الأفلام والمسلسلات، هو على حال من ثلاثة، إما أنه رجل مسيطر وامرأة منقادة، سواء مجبرة على ذلك أو سعيدة به، أو امرأة مسيطرة ورجل مهمش تقوم بتقريعه أغلب الوقت واتهامه بقلة الحيلة والقيمة، أو حلبة مصارعة الرابح فيها هو من يدير دفة المركب، تجريد للحب من أعظم ما به؛ الألفة والسكينة والرحمة، إهمال متعمد للوسائل السليمة في حل الخلافات وتقاسم المسؤوليات، العلاقة السوية هي من تعامل الآخر فيها مثلما تعامل نفسك بلين ورفق وتفاهم وتبادل للتنازلات والتضحيات، الأمر تبدل من أن تواجه العالم برفقة شريكك لأن تواجهما معاً، من الطبيعي أن تتحول أي علاقة لعلاقة تصارعية في فترة ما، لكن أن يكون هذا السائد فتلك دلالة على أشخاص غير أسوياء في علاقة غير صحية.
النهاية السعيدة
أكثر جزء أكرهه في أي عمل، تصوير النهاية بشكل لحظة واحدة سعيدة، الحياة لا يمكن اختزالها في لحظة ما، لا توجد نهاية حقيقية سوى الموت ما دون ذلك هو بداية أخرى، لحظة الزفاف التي تنتهي بها أغلب الأعمال الرومانسية تصور للعديدين أنها نهاية المطاف وليس عليهم بذل المزيد من الجهد من أجل إنجاح العلاقة؛ فالشريك أصبح مضموناً، الواقع خلاف ذلك، إذا أردت حياة مستقرة سعيدة عليك أن تعمل عليها كل يوم لآخر يوم في حياتك أو حياة هذا الرباط المقدس.
خلاصة الأمر حياتك مسؤوليتك، أقرا واستمع لأهل الثقة والخبرة في كل أمر تقدم عليه، حياتك العاطفية ليست استثناء من هذا، لا تدع نفسك فريسة لأي جاهل أو مغرض ليحشوها بما شاء، أمر آخر يمكن للحياة أن تستقيم دون حب عاطفي، وربما جاء وكان وبالاً على صاحبه، لذا اعلم متى ومع من تشارك حياتك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.