ما العوامل التي تزيد من انتشار الخوف والهلع في زمن الأوبئة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/11 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/11 الساعة 11:25 بتوقيت غرينتش

عندما اجتاح "الطاعون" أو ما يعرف "بالموت الأسود" أنحاء أوروبا أودى بحياة الملايين من الناس، ويقال إنه حصد ما لا يقل عن ثلث سكان القارة وقتذاك، تأخر الأطباء في تقديم تفسير لسبب انتشار المرض، وبدأ الناس يعتقدون أنَّ غضب الله هو ما أدى إلى ذلك.

وفي 1918 وبعد الحرب العالمية الأولى، ضرب العالم وباء آخر وهو "الإنفلونزا الإسبانية"، ومات أيضاً الملايين، والضحايا كانوا أضعاف ما حصدته الحرب، ومن العوامل التي أثرت بشكل كبير في انتشار هذا الفيروس ضعف أجهزة المناعة لدى الجنود بسبب سوء التغذية أعقاب الحرب، وبسبب المخيمات الطبية المكتظة والمستشفيات وسوء النظافة الصحية، وأيضاً زيادة السفر والتحركات الكبيرة للقوات البحرية في الأشهر الأخيرة للحرب.

إذن أثّر العامل الديني والصحي والسياسي في تفسير سبب حدوث المرض أو انتشار مساحته، وبطبيعة الحال كان الخوف ناشئاً في الغالب من تلك الأسباب الرئيسية.

في وقتنا الحالي وفي ظل جائحة "كورونا" التي ضربت جميع أنحاء العالم، وحصدت وما تزال تحصد بسلالتها القديمة والجديدة الآلاف، ولا نعرف إلى الآن كم هو العدد حتى يصل الفيروس إلى حلقته الأخيرة.

وبالرغم من التطور الحضاري الذي نعيشه وتقدّم الطب وزيادة وعي الأشخاص بفضل العولمة الثقافية وانفتاح العوالم والديانات على بعضها، فإنَّ هناك عوامل مشتركة تساعد في انتشار هذه الأمراض والأوبئة لا تختلف كثيراً عن التي انتشرت في القرن الرابع عشر.
ويعتبر الخوف والهلع والقلق المرضي من العوامل النفسية التي تزيد من مضاعفات هذه الفيروسات على الإنسان، بل وربما تتفوق في الخطورة على المرض نفسه وتسبب مضاعفات نفسية وعضوية قد تستمر مع الشخص طوال حياته.
فعلى ماذا يتغذى الخوف وما هي العوامل التي تحوله من قلق عادي إلى هلع واضطرابات نفسية فتؤذي جهاز المناعة وتجعل تأثير الفيروس أقوى بكثير على جسم الإنسان:

1_ الجهل:

قد يستسلم وينهار الكثير من الأشخاص أمام الأمراض نتيجة بعض الاعتقادات الدينية، ومنها ايمانهم بقوة القضاء والقدر، فالاعتقاد الذي ساد في القرون الوسطى بأنَّ سبب الطاعون هو عذاب الرب، وقبلها في الدولة الإغريقية وأساطيرهم الدينية غضب الآلهة، جعل ضعيفي الإيمان يستسلمون للموت الذي لامفرّ منه، وكان دور رجال الدين وقتذاك يوازي دور الأطباء في التأثير على الناس، فمنهم من صوّر المرض شيطاناً أو عذاباً إلهياً أو سحراً وتعويذات شريرة.

هذا قديماً، أما حديثاً، ولنفرض أن الوباء هو غضب إلهي بسبب الفساد والظلم وبما كسبت أيدينا، فهذه إحدى الاحتمالات الغيبية أولاً، والجانب الايماني إنْ كان متواجداً في النفس يجب أن يعطي الشعور بالأمان وليس العكس، وإنْ نجح الخوف بالتغلغل بين جوانحنا فعلينا أن نتخلص منه بالفرار إلى الله وطلب الاستغفار والدعاء لرفع هذه الغمّة عن هذه الأمة واللجوء إلى الأبواب التي أمرنا الله بالاستعانة بها في كل شيء، ومن ثم التوكل وهو الحل الأمثل، وليس بالتواكل المبني على نظرة ايجابية أو حتى سلبية للمرض.

2_ الوعي الصحي:

هو سبب جداً مهم، فالعقلانية والوعي العلمي الزائد عن حده هو مشكلة تسبب الهلع والوسواس من الأشخاص والأشياء وكل مايحيط  بنا، وقلة الوعي أخطر من أختها، فهي تؤدي إلى اللامبالاة والاستهتار بأرواح الناس، وتطور الطب الحديث ووضوح الإجراءات والاحتياطات التي تنشر على كل الوسائل يجب أن تكون عامل مطمئن وليس العكس.  

3_ السياسة:

بعض الحكومات وضعف اجراءات التنقل أو تأخرها في تطبيقها، هي عامل أيضاً في زرع الخوف من انتشار المرض، فضعف الامكانيات الحكومية تسبب هلعاً اضافياً للمواطنين، وعلى كل شخص أن يعي دوره في ظل هذه الأزمة، أما دور دولهم فيقع على عاتق قادتها وزر كل من أصيب أو أصاب من غير عمد، والعامل الاقتصادي وغيرها من المصالح مما قد تخفى علينا، هي في الغالب ما يجعلها تتهاون أو تتأخر في وضع الاجراءات المناسبة للحد من انتشاره، ومنذ القدم اعتبرت الأوبئة مقياساً لكفاءة القادة وذكائهم في كيفية التعامل مع هكذا أزمات وفي احتواء الآلام والمعاناة الإنسانية.

يتغذى الخوف على كل ذلك، ويجد حيزاً كبيراً في نفوس الناس التي تعاني من القلق وضعف الإيمان والفراغ، يقول مؤرخ يوناني قديم عن طاعون أثينا: إن أفظع شيء كان اليأس الذي سقط فيه الناس عندما أدركوا أنهم قد أصيبوا بالطاعون، لأنهم على "الفور تبنوا خيار اليأس، ومن خلال الاستسلام بهذه الطريقة، فقدوا قدرتهم على المقاومة".

فالناس في وقتنا الحالي تتأرجح بين الإفراط والتفريط في التعامل مع هذا المرض، بين العقلانية الشديدة التي تقيس الأمور بالمسطرة والورقة والقلم، والنفسية التي تعيش على الأمل وتتفاءل بعالم وردي يتمنى الجميع رؤيته، لكن للأسف ليس له وجود على أرض الواقع!.    

هذا الفيروس على الأغلب لا يودي بحياة من يمتلك مناعة قوية، لكنه اختبار دقيق يكشف هشاشة صحة الأفراد النفسية!.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رقية تاج
قاصّة وكاتبة مقالات
رقية محمد صادق تاج، عراقية وُلدت في دمشق سنة 1990، حاصلة على بكالوريوس إعلام، قسم الصحافة، جامعة بغداد. كاتبة مقالات وقاصّة، لها مجموعة قصصية قيد الطبع، وحالياً هي مديرة تحرير موقع "بشرى حياة".
تحميل المزيد