بعد سبع سنوات عجاف عاشتها ليبيا بين الحروب والأزمات والانقسام المؤسسي وتدهور قطاع الخدمات؛ مثلت خطوة انتخاب السلطة التنفيذية الموحدة المؤقتة في جنيف الجمعة الماضي لحظة فارقة قد تكون بداية لمرحلة جديدة تحمل في طياتها بذور الأمل في مستقبل أفضل لليبيين.
رئيس المجلس الرئاسي
محمد المنفي ورغم كونه دكتوراً في الهندسة وهو ما يجعله محسوباً على الأكاديميين، فإنه شق طريقه نحو السياسة مبكراً بعد ثورة فبراير/شباط 2011 في ليبيا، حيث خاض أول انتخابات تشريعية في البلاد عام 2012 وفاز بعضوية المؤتمر الوطني العام وكان رئيساً للجنة الإسكان والمرافق بالمؤتمر الوطني ثم انتقل مع من انتقلوا إلى المجلس الأعلى للدولة بعد الاتفاق السياسي؛ ثم انخرط في العمل الدبلوماسي ومثل بلاده في اليونان بدرجة سفير عام 2018 حتى انتهت مهمته هناك عقب توقيع حكومة الوفاق مذكرتي التفاهم مع تركيا نهاية 2019 حيث طالبته اليونان بمغادرتها احتجاجاً على توقيع مذكرتي التفاهم بين طرابلس وأنقرة.
المنفي ينحدر من مدينة طبرق المطلة على البحر المتوسط شرقي ليبيا، وهي أقرب مدينة كبيرة إلى الحدود مع أرض الكنانة، وينتسب إلى قبيلة من قبائل المرابطين، وهي قبيلة المنفي التي ينتمي إليها شيخ الشهداء عمر المختار رحمه الله، فهو من هذه الجهة ممثل للإقليم الشرقي الذي يعرف تاريخياً بإقليم برقة.
محمد المنفي الشاب الذي ينسب نفسه إلى الليبرالية ويقول إنه مستقل ولم يعرف عنه طوال مسيرته السياسية التي امتدت من 2012 وحتى 2018 التشدد في المواقف، كما لم يسجل عليه الحماسة للحلول العسكرية، وقد عبر عن رؤيته لبناء مؤسسة عسكرية محترفة خاضعة للسلطة المدنية وفق كلمته التي أدلى بها أمام ملتقى الحوار.
رئيس الحكومة المؤقتة، عبدالحميد الدبيبة من عالم الاستثمار ومن رجل أعمال نجح في إقامة المباني والإعمار ومن المنافسات بين الشركات إلى عالم السياسة، لقيادة مرحلة مؤقتة وحرجة في بلد خرج للتو من حرب ضروس والتنافس الذي يتميز بالتدافع العنيف في معظم تجلياته.
خبرة الدبيبة السياسية ليست أحسن حالاً من شريكه في السلطة، فهو على الرغم من مشاركته في بعض المصالحات الوطنية وإطلاقه حراك ليبيا المستقبل لكنه لم ينخرط بشكل مباشر ومعلن في عمل سياسي، ولم يعرف عنه قيادة تيار أو حزب أو مؤسسة رسمية ذات طابع سياسي.
الدبيبة الرئيس تركزت كلمته أمام ملتقى الحوار حول الجوانب الاقتصادية والمصالحة الوطنية مبدياً الاستعداد للعمل مع الجميع باختلاف أفكارهم ومناطقهم وأعراقهم، وهي وعود جيدة إذا لقيت المناخ المناسب لتنفيذها.
أما مدينة الدبيبة فهي تشبه مدينة المنفي كونها مدينة ساحلية وليست المدينة الأولى في الإقليم، فهما تمثلان انتقالاً لمركز الثقل من بنغازي شرقاً نحو طبرق ومن طرابلس شرقاً نحو مصراتة؛ فهل يتمكن هذا الثنائي من نقل البلاد نحو الاستقرار وهل ينجحان فيما فشل فيه غيرهما على خلاف توقعات بعض المتشائمين.
ترحيب ومناخ إيجابي
ما قوبل به اختيار السلطة المؤقتة الجديدة من ترحيب محلي ووعود دولية بالدعم لم يشذ عنه أحد ذو شأن، ولم تتأخر عنه دولة لها تأثير في المشهد الليبي، هو أحد أركان التفاؤل الذي عم عقب الإعلان عن القائمة الفائزة، فيما يبقى نيل الحكومة التي سوف يشكلها الدبيبة لثقة مجلس النواب؛ والتي بحسب الرؤية الأمريكية التي أبلغها السفير ريتشارد نورنالد إلى الرئيس الدبيبة تحثه على تشكيل حكومة تكنوقراط مصغّرة لتسهيل نيلها للثقة؛ محطة مهمة في مسار هذه الحكومة المؤقتة؛ إذ إن فشلها في نيل هذه الثقة سيعود بها إلى الملتقى السياسي ليمنحها الثقة، وهو مسار استثنائي قد يتسبب في عرقلة عمل هذه الحكومة في أجزاء مهمة من ليبيا.
داعمو قائمة باشاغا عقيلة
قائمة عقيلة وباشاغا كان داعموها وفي مقدمتهم حزب العدالة والبناء يعولون عليها لإخراج البلاد من أزماتها عبر مراهنتهم على قوة الرجلين ونفوذهما وعلاقاتهما الدولية المتشعبة، واضعين أمام أعينهم ضرورة التعاطي بموضوعية مع الدول المؤثرة في المشهد الليبي لتنتقل من مربع التأزيم والعرقلة إلى خانة الدعم والتعاون والاحترام المتبادل؛ القائمة التي لم تنل تأييد غالبية أعضاء الملتقى السياسي الليبي في جنيف حيث انتخبها 34 فقط من الأعضاء في حين انتخب 39 عضواً من أعضاء الملتقى قائمة المنفي الدبيبة؛ وهو ما قرأه داعمو القائمة الرابعة التي خسرت الانتخابات على أنه تفضيل للقائمة الثالثة التي لم تثر جدلاً يذكر في أوساط الليبيين على قائمتهم التي أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع السياسي الليبي وعلى مواقع السوشيال ميديا.
البعض يرى أن عقيلة أسقط باشاغا، فيما يرى البعض الآخر أن باشاغا هو من تسبب في فشل عقيلة في نيل رئاسة المجلس الرئاسي، وكل من الرأيين قد يكون له وجاهة، حيث إنه ومن الناحية الجهوية، فإن داعمي عقيلة يعتبرون باشاغا من صقور مصراتة ويحملونه مسؤولية عملية فجر ليبيا فيما يعتبر مؤيدو باشاغا أن عقيلة كان منخرطاً ومؤيداً وداعماً للحرب على طرابلس ولا يستقيم أن يكافئوه على ذلك بدل أن يحاسب وينال ما يستحقه، وبين الفريقين تسربت الأصوات وخسرت القائمة الأقوى في نظر داعميها.
قفزة من 2012 إلى 2022
عام 2012 كان العام الأفضل منذ اندلاع الثورة، غير أنه كان العام الوحيد المزهر في ربيع الثورة الليبية تلاه خريف حارق جفف المنابع وذبلت فيه الأزهار؛ فهل ستكون حكومة الدبيبة عودة إلى الربيع وقفزة في عام 2021 نحو النماء والاستقرار.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.