في ظل انتشار أغاني الراب بين الأوساط الشبابية في مصر علی حساب معظم أنواع الأغاني الأخرى يتردد أكثر من سؤال عن السبب. ففي ظل تراجع كبير لظهور أصحاب الأغاني التقليدية علی المنصات الرئيسية من افتتاحيات البطولات أو حتی حفلات غنائية كبيرة، نجد تصدراً شبه تام لنجوم الراب علی الساحة الغنائية. ويبدو أن الراب أصبح هو اللون الفني الأبرز الذي يعبر عن الشباب ويتماشی مع ذوقهم الفني، مما يؤدي لانتشاره وسيطرته علی الذوق العام ككل.
قبل عدة سنوات كان من الصعب أن تسمع "تراك" راب في أي مكان، ولكن في الوقت الحالي من السهل جداً أن تعرف أبرز نجوم الراب من خلال شاشات التلفاز التي تستضيف "الرابرز" كنجوم لامعين وأصحاب "التريند" الموسيقي بأخبارهم وأغانيهم وحتی بإعلاناتهم للعلامات التجارية الشهيرة.
بدايات الراب
الراب هو شكل موسيقي متفرع من الهيب هوب، بدأ في أمريكا ثم لكل بلدان العالم بالتبعية، يخلق "الرابرز" الخاصون بكل بلد ما يناسبه من كلمات ومواضيع، يعتمد الراب علی الإيقاع السريع للكلمات والموسيقى "البِيت" التي يحددها "الرابر" للخروج بالأغنية "التراك" في أفضل صورة ممكنة. يعتمد الراب علی نرجسية المؤدي وافتخاره بنفسه وقدرته علی التقليل من "الرابرز" الآخرين في سياق "التراك"، ليشمل في ذلك أداء أغانيهم وليمتد إلی نمط الحياة الخاصة بهم، وهذا ما يشبه الهجاء في الشعر.
تعتمد الأغاني أو التراكات مثلما تُعرف علی الإيقاع السريع للكلمات مع وجود جرس موسيقي يُسهل علی المتلقي الاستماع للأغنية ويُبرز إمكانيات "الرابر". ويعد من أسباب انتشار فن الراب في الوقت الحالي ظهور "التراب" كشكل جديد من أشكال الراب يعتمد علی الموسيقى كعنصر أساسي في التراك، واعتماد الكلمات علی القافية وسهولة الألفاظ لتشمل أكبر شريحة من الممكن التعبير عنها.
يكتب "الرابر" كل كلمات أغانيه ويؤديها، ولكن التراك لا يخرج كاملاً إلا في وجود صانع المزيكا "برويوسر" الذي يحدد الإيقاع المناسب والموسيقى المناسبة للتراك.
الراب في مصر
في مصر حالياً يعد أبرز "الرابرز" الحاليين هم "أبيوسف" "شاهين" "ويجز" "مروان موسی" و"مروان بابلو" الذي ورغم إعلانه اعتزاله الراب منذ عام تقريباً، ولكنه رغم ذلك يظهر في شكل "تريند" كلما أعلن أي شخص مقرب من "الرابرز" أو من مروان نفسه قرب عودته من جديد، ويعد مروان أحد أبرز مغني الراب في الجيل الحالي مع "ويجز" الذي كان أحد أكثر النجوم استماعاً في 2020 علی تطبيق الأغاني "سبوتيفاي" و"أبو الأنوار" و "مروان موسی" الذي أحيا حفل افتتاح مونديال كرة اليد المقام في مصر قبل أسبوعين.
تبدأ شهرة الرابر الحقيقية من وقت سيطرته علی "التريند" ووجود تراكاته ضمن الأكثر استماعاً علی المنصات المرئية والمسموعة مثل "يوتيوب" و"سبوتيفاي" و "ساوند كلاود"، فمنذ انتشار "الجميزة" لمروان بابلو بدأ بزوغ نجمه سواء للسخرية أو للإشادة بشاب اجتاح المنصات بلون جديد ومحتوی مختلف مرئي ومسموع.
أما عن الأقدمية والأكثر رسوخاً والأب الروحي للراب في مصر فهو "أبيوسف" صاحب التاريخ الطويل الذي قد يصل لـ15 سنة في تقديم الراب، اشتهر "أبيوسف" بقدرته علی تقديم "الراب"، "التراب – Trap" والهجاء المعروف في عالم الراب بالدس "Diss"، واشتهر أبيوسف بقدرته علی مدح نفسه وذم أعدائه وإبراز نقاط ضعفهم في معارك الراب المعروفة بالباتل "Battle"، وهي تعتمد علی النفس الطويل والقدرة علی الإتيان بمصطلحات جديدة يمدح بها نفسه ويناكف بها الآخرين.
اعتزال وعودة مكررة
كل فنان تمر به لحظة يرغب فيها أن يتوقف عن تقديم ما يقدمه، وهذه اللحظات تراود نجوم الراب كثيراً الذين قد تبلغ فترات توقفهم سنوات طويلة، مثل "أم سي أمين" و"علي الشاعر"، وهم من أقدم الرابرز في العقد الأول من القرن الحالي، بينما أبيوسف، ويجز، ومروان بابلو هم الأبرز في الجيل الحالي الذين أعلنوا توقفهم لعدة أسباب، ولكن أبيو وويجز يعودان دوماً على عكس بابلو الذي اختفی منذ عام معلناً اعتزاله عبر قصة "Story" علی تطبيق التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، ثم في فيديو بث مباشر على فيسبوك افتتحه بعبارة "أنا حزين، أنا ما موتش"، موضحاً أسباب اعتزاله التي يظل أبرزها كراهية البعض له سواء من داخل مجال الراب أو الجمهور الذي طالما أبرز كراهيته لمروان في تعليقات الفيسبوك وتفاعلهم بتعبير الغضب "Angry" علی أغلب صوره وأخصها كانت الصور التي تم التقاطها له في حفلات فريق "كايروكي" الذي ظلت جماهيره تردد في غضب أن وجود مروان غير مرغوب فيه في أي حفلة للفريق.
"إم تي إم فتحوا باب، مكي فتح باب، زاب فتح درج، أنا فتحت مجال".
بالعودة لأبيوسف صاحب العبارة السابقة، الذي أسس بدايات الراب والفيديو كليب للتراكات في مصر فهو الأكثر شهرة في مصر، ومن أوائل المتعاونين مع مطربين شعبيين للمزج بين الراب والغناء الشعبي في أغنية "أنا مش هقدر حد" مع الراحل شعبان عبدالرحيم، يقع أبيوسف في مكانة خاصة بعيدة كل البعد عن "الجوكر" أحمد ناصر الذي يمتلك نفس سنوات التواجد في ساحة الراب تقريباً، ولكن بلا شخصية واضحة، فتارة يقدم راب صريحاً وديسات شهدت تألقه وانتشاره، وتارة يتجه للمعادلات الفيزيائية والكيميائية التي يبرهن بها علی عبقريته، فيضع نفسه في نقطة وسط بين الرابر والشعراء، بين صراع الخير والشر وبين الرد علی المشككين، بين إسداء النصائح بصورة أبوية أو أخوية وبين قافية الشعر بكلام مركب، لذلك فإنك لا تجده بين قوائم الأكثر استماعاً أو "تريند" من وقتٍ لآخر.
الراب والمستمع
يعتمد الرابر في الأساس علی متابعيه، بشكل حقيقي وأساسي، فجمهور الرابر -أكثر من أي جمهور آخر- هم الأكثر حُباً لصاحب المحتوی، يكفي أن يشاركوا ويشاهدوا المحتوى فور نزوله ليضعوه في قوائم الأكثر مشاهدة أو استماعاً، يكفي حضورهم حفلات مطربهم المفضل لدعمه وسماعه، وإذا اقتصر الدعم علی هذه الصور فقط فإنه يبقی في أبهی صوره، أما الميزة الحقيقية في جمهور الراب فهي أنهم أهم ناقد للرابر، هم الأبرز في عملية النقد الفني للمحتوی وأول المساهمين في رفع مستواه، جمهور الرابر هم أصحاب ذوق فني مختلف، يقدرون أي محتوى يستحق التقدير حتی لو من رابر صاعد، وينتقدون المحتوى السيئ أو السهل الذي لم يكد صاحبه لإبرازه في أفضل صورة حتی لو كان الرابر هو الأقرب لهم، لذلك فإنك تجد الراب في وقته الحالي في تطور دائم وملحوظ بسبب الجمهور الذي يشارك إعلان شركة ما بسبب التراك الخاص بها، ويشارك التراك فور رفعه علی يوتيوب بسبب إمكانيات الكتابة والتصوير الواضحة والجهد المبذول فيه، أو كما نقول في تقديرنا للمحتوی الجيد "متعوب فيه".
ولعل هذا هو ما يدفع العلامات التجارية الكبيرة في استخدام نجوم الراب كواجهة إعلانية لهم، فبداية من أبيو ومروان صاحبي تراكات الدعاية لشركتيّ "بيبسي" و"شيبسي" في 2019 وقت استضافة مصر لبطولة أمم إفريقيا، ثم في بدايات 2020 تم اختيار مروان وأبيو ليكونا الواجهة الإعلانية لنفس شركة المشروبات الغازية العالمية، وصولاً لويجز وشاهين وأبيوسف ومروان موسی الذين أصبحوا أبرز واجهات شركات شبكات المحمول في مصر منذ عام وحتی الآن.
في الأخير فإننا حالياً نعاصر أحد أبرز أوقات انتشار الراب وتراجع سائر أنواع الموسيقى أمامه، والسبب الأساسي هو قدرة الرابرز علی الوصول للناس، وعدم سكون أي منهم في برجٍ عالٍ يفصل بينه وبين محبيه، وهذا في رأيي يظل أحد أهم أسباب نجاح الراب في الوقت الحالي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.