من “عبَّارة السلام 98” إلى مجزرة بورسعيد.. متى ينتهي مسلسل «فبراير الأسود» في مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/06 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/08 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش
A damaged train is seen at the main train station after a fire caused deaths and injuries, in Cairo, Egypt, February 27, 2019. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh

يهل علينا في مصر شهر فبراير/شباط القارس لكن ليس في البرودة والصقيع، بل في نفوس المواطنين المتهالكة، يهل علينا حاملاً معه كارثة ما في مكان ما، متعطراً برائحة الدماء، يُداعب ذاكرتنا حتى يعود بنا إلى محطات الأحداث المأساوية التي خلَّفت وراءها قطرات من الدماء على صفحات التاريخ المصري المُعاصر. تلك الصفحات التي يسعى البعض قاصدين إلى تمزيق بعضها وطلاء بعضها بالإنجازات لكي تطغى على سقطاتهم وتجنباً للمحاسبة الشعبية فيما بعد، لكن سنظل نسعى ونكتب ونوثق عبر المنصات الإخبارية الحرة دفاعاً عن حق الشعب في كتابة تاريخه المعاصر. وتجنباً لمحاولات نشر الزيف والتدليس المستمرة، ومن خلال هذا المقال نوثِّق أهم الأحداث المأساوية التي جاء بها شهر "فبراير/ شباط" أو (فبراير الأسود).

حادث قطار الصعيد 

في صباح يوم 20 فبراير/شباط عام 2002 يصل للجهات المعنية بهيئة السكة الحديد المصرية إخطار بنشوب حريق في عربات القطار رقم 

"832" المتجه من القاهرة إلى أسوان مع بدء مغادرة محطة "العياط" من محافظة الجيزة، إثر انفجار عبوة غاز في العربة الأخيرة ومع سير القطار ترتب على ذلك سرعة في نشوب الحريق داخل العربات الأخرى، واضطر بعض الركاب إلى تكسير النوافذ والقفز منها مما أدى إلى وفاة بعضهم وغرق بعضهم في "ترعة الإبراهيمية". ومع تضخم الكارثة أسفر الحريق عن وفاة حوالي 361 مواطناً مصرياً كانوا في طريقهم لقضاء عطلة "عيد الأضحى" في محافظات وقرى الصعيد.

 لكن يشاء القدر والإهمال والفساد تغيير مسار الرحلة تجاه المقابر، وأما عن الجانب القضائي فتمت محاكمة المتهمين بالإهمال في شهر إبريل/نيسان من نفس العام وأدت الكارثة إلى استقالة وزير النقل.

غرق عبارة السلام 98

في عام 2006 تحديداً 3 فبراير/شباط، يستفيق المواطنون على خبر عاجل يفيد بغرق "عبارة السلام 98" التي كانت عائدة من المملكة العربية السعودية إلى ميناء سفاجا المصري حاملة على متنها حوالي 

"١٤١٤" أغلبهم مواطنون مصريون. وأشارت التحقيقات لنشوب حريق في "كابينة" المحركات ومما زاد الطين بلة انعدام وسائل السلامة، مما أسفر عن غرق العبارة ومعها حوالي "١٠٠٠" مواطن وإصابة الناجين المتبقين، والجدير بالذكر أنه تمت تبرئة المتهمين من ضمنهم مالك العبارة ونجله وأيضاً قبطان العبارة.

موقعة الجمل 

في يوم 2 فبراير/شباط عام 2011 إبان اندلاع الثورة المصرية المجيدة 

"ثورة 25 يناير" دوَّن التاريخ المصري بما تمت تسميتها إعلامياً وشعبياً "موقعة الجمل" التي راح ضحيتها حوالي 11 شهيداً من أبناء الوطن وعلى الأقل 2000 مصاب. وذلك إثر تأجير كبار مسؤولي نظام مبارك البلطجية وبعض سكان "نزلة السمان" وتحريضهم على مهاجمة ميدان التحرير وفض اعتصامات المواطنين المطالبين برحيل ومحاسبة النظام. والجدير بالذكر هنا أيضاً أن جميع المسؤولين الرئيسيين الذين طالتهم الاتهامات بالتحريض على مهاجمة المتظاهرين السلميين، تمت تبرئتهم جميعاً بلا استثناء.

مجزرة ستاد بورسعيد

في يوم 2 فبراير/شباط عام 2013 يشهد التاريخ الرياضي المصري ما عرف بـ"مجزرة ستاد بورسعيد" التي راح ضحيتها حوالي 72 شهيداً ومئات المصابين أثناء انتهاء مباراة كرة القدم بين الناديين الأهلي والمصري في أحضان ستاد بورسعيد. وذلك بعد نشوب مشاحنات مجهولة المصدر بين مشجعي الفريقين، مما أدى إلى نزول الجماهير أرضية الملعب والتصادم حتى حدث ما حدث وقُتل من قُتل وسالت دماء أبناء الوطن الواحد. والنقطة المحورية هنا هي ظهور "الأسلحة البيضاء" والألعاب النارية وإضافة إلى ذلك قيام قوات الأمن بغلق جميع البوابات المؤدية لخارج الاستاد، عدا باب يكاد يتسع لشخص واحد، مما يوحي للصغير قبل الكبير بأن هذه المجزرة كانت متعمدة وأن هناك تواطؤاً من قبل الأجهزة الأمنية حين ذاك، وذلك حسب "شهود عيان المجزرة". 

وأما عن رد الفعل القضائي فتم النطق بالحكم على بعض المتهمين بالإعدام والبعض الآخر بالسجن لمدد متفاوتة، لكن الواضح وضوح الشمس للقاسي والداني أن هناك أذرعاً رفيعة المستوى بالنظام كانت سبباً رئيسياً في حدوث المجزرة. 

أحداث ستاد الدفاع الجوي 

ويعاد المشهد الرياضي المأساوي مرة أخرى في يوم 8 فبراير/شباط عام 2015 في استاد الدفاع الجوي إبان مباراة نادي الزمالك ونادي إنبي، بدأت الكارثة مع دخول الجماهير عبر بوابات الاستاد. جاءت من العدم أوامر بالاكتفاء بـ10 آلاف مشجع ومنع الباقي من الدخول، وبالطبع رفض المشجعون هذا القرار الاحتيالي، كيف يكون بيده تذكرة ويُمنَع من الدخول. حينها أغلقت قوات الأمن الأبواب المحيطة بالجماهير وبدأوا بإطلاق القنابل المسيلة، مما أسفر عن استشهاد 22 مواطناً مصرياً من صفوف المشجعين المحتجزين. الجدير بالذكر أن بيان وزارة الداخلية حينها قال إن حالات الوفاة كانت بسبب التدافع، على غرار ما صرح به "الطب الشرعي" الذي أكد أن سبب الوفاة هو اختناق ناتج عن القنابل المسيلة. وكالمعتاد تم تحويل الطبيب المسؤول عن تقرير الطب الشرعي إلى التحقيق ونفى التقارير الطبية الصادرة، وأما عن رد الفعل القضائي فهو النطق بالسجن المشدد على "سيد مشاغب" زعيم "الوايت نايتس" وعشرة آخرين الذين هم في الأصل مجني عليهم. والجدير بالذكر ومن عبث الواقع أن القضاء استند إلى شهادة بعض قوات الأمن كشهود عيان على ما حدث داخل الاستاد.

حادث محطة مصر 

أخيراً وليس آخراً ومن ضمن حوادث قطارات "سكك حديد مصر" يشهد المصريون في يوم 27 فبراير/شباط عام 2019 انفجاراً داخل محطة رمسيس يسفر عن استشهاد 21 مواطناً مصرياً وإصابة 52 آخرين. وذلك بسبب تصادم القطار بنهاية السكة في عمق محطة رمسيس، وترتب على ذلك انفجار خزان الوقود وتطاير البنزين المشتعل على المواطنين المحيطين بالقطار، مما أدى إلى موتهم حرقاً. وسرعان ما بدأت الجهات المعنية بالتوجه ناحية الحادث واتخاذ الإجراءات اللازمة وأيضاً تسارع المواطنون بالتبرع بدمائهم إلى المستشفيات التي استقبلت الضحايا. وتم تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات الحادث واتهام ومقاضاة سائق القطار لأنه السبب الرئيسي وراء الحادث، وذلك على حد قول الجهات المعنية، وأيضاً قبول استقالة وزير النقل. والجدير بالذكر أن وزير النقل قبل حدوث الكارثة بفترة ليست بطويلة قد أقدم في أحد المؤتمرات الرئاسية على مشروع تطوير السكة الحديد، لكن وعلى مرأى ومسمع من الجميع تم رفض الطلب من قبل رئيس الجمهورية، وإضافة إلى ذلك أنه تم تقديم تعويض مادي لأهالي الضحايا 80 ألف جنيه مصري و25 ألفاً للمصاب. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن سعر المواطن قد وصل إلى الثمانين ألفاً مع فارق خمسة وخمسين بين المصاب، وذلك يوحي بوجود تسعيرة جديدة لدى النظام. 

ومن الأكيد الآن عزيزي القارئ قد اتضح أمامك المشهد كاملاً وأدركت لماذا فبراير/شباط يعد الشهر الأسوأ والأسود في صفحات التاريخ المصري، إضافة إلى وجود عوامل مشتركة بين كل هذه الحوادث.

مع إيضاح بوجود الكثير والكثير من الكوارث المأساوية التي مر بها الشعب المصري والتي تركت بداخله ندبات مظلمة، وأخذت من كل عائلة شهيداً واختطفت من كل قلب حبيباً ومن كل رفيق صديقاً.

حتى أصبح أغلب الشعب يعيش مأساة واحدة وحياة واحدة في أعماق الوطن الواحد، كُتب على أبناء هذا الوطن المجيد أن يموتوا حرقاً أو دهساً وسجناً، ورغم كل ما حدث ويحدث، يظل المصري كما هو حاملاً معالمهم المبهجة متمسكاً بعبق الفراعنة القدماء متفائلاً باقتراب ذاك الغد الأفضل ووجوب ذاك "الربيع الثائر".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد جاد
كاتب مصري
مدون سياسي مستقل وعضو منظمة العفو الدولية
تحميل المزيد