غياب النقاد ومحاولة إرضاء الجمهور بالأعمال الهابطة.. لماذا توقَّف الفن العربي عن الإبداع؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/05 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/05 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
الممثل المصري محمد رمضان

ما هو المقياس والفارق بين العمل الفني الجيد والعمل الفني الرديء؟، ومع اختلاف الأذواق مَن الذي يحدد ذلك؟

إن معرفة تلك الأمور هي التي تطور الفنون بأنواعها المختلفة، وهذا التطور بطبيعة الحال شرط ضروري لتقدم المجتمعات والحضارات.

في الرسم والكتابة وصناعة الأفلام أو أي عمل فني آخر، من الأمور التي تحدد نجاحها وخلودها على مر الزمن هو كمية الجمال والإبداع والعمل المبذول عليها. والمُنتَج الجميل، مع اختلاف نظرات الناس إليه أو حتى الزوايا ووجهات النظر التي تدور حوله، لا يختلف في الغالب الأغلب منهم على روعته، فهو جميل وإن اختلفت النسب والأسباب بينهم، وعلى حد قول الشاعر:

عباراتنا شتى وحسنك واحد       وكل إلى ذاك الجمال يشير

حسناً، هذا ما يقوله الرأي العام المنطقي والمتداول، وإذا تأملنا وضع الفنون في بلداننا في هذا العصر نراه متأخراً بشكل جليّ عن ركب بقية المجتمعات والدول، فهل يا ترى هو قلة الإبداع والموهبة لدى شبابنا، أم نظرة الغرب القاصرة لهم، والتي قد تكون تشكلت نتيجة تأخرنا في بقية المجالات بشكل عام؟

ما يطلبه الجمهور

إن أردنا الحقيقة فهي ليست كذلك، فأحد الأسباب المهمة في تردي وضع الفن لدينا قد يكون بسبب سؤال يردده الفنان مع نفسه قبل إنتاجه لعمله وهو: ما الذي يريده الجمهور؟

وهذا السؤال مشروع بكل تأكيد، فأي مبدع يحب أن يكتب ويرسم ويصنع ما يحبه الناس، إذاً أين المشكلة؟

المشكلة في ذائقة الجمهور العامة أولاً، وقلة وجود النقّاد ثانياً، وثالثاً والأهم من كل ذلك هو أنّ الشيء الجميل والمبهر لا يخرج بقوة إذا لم يكُن صاحبه قد شعر به وأحبه بصدق وليس كونه منتظراً لرأي أو مديح وتشجيع أو حتى لحاجة مادية أو معنوية.

إذا قرأنا التاريخ الفني العالمي سنجد الكثير من الفنانين قد عاشوا فقراء أولاً ومُهمَّشين ثانياً، لكن بعد موتهم خَلَّدت أعمالهم المتاحف والمؤسسات ودور النشر وبيعت بالملايين التي ما رأوها أصحابها، لقد كانوا بحق يرسمون ويكتبون لأنهم يشعرون أنَّ ذلك هو ملجأ ومتنفس وحب كبير لا تتحمل النفس حبسه في داخلها، وبالتالي كانت النتيجة- ولو بعد حين- عملاً عظيماً ومبهراً.

أما الآن، فالكثير يهتم بتقديم مادة تعجب الجمهور، وما الذي يحب الأكثرية منهم سوى المظاهر والمبتذل والسهل!

وهذه المشكلة عالمية وليست محلية، فصنّاع السينما مثلاً يفكرون باسم الممثل ووجه البطلة قبل إنتاج أي عمل، فالمتابعون في الغالب يتجهون نحو الأسماء المشهورة والجميلة.

المعادلة الصعبة

ولكن مع ذلك نجحت الكثير من الشركات في الجمع بين ما يطلبه الجمهور والعمل الفني القوي الذي يشير إليه النقّاد بالبنان. وفي النهاية تلك قيمهم التي تعكس واقعهم بالحقيقة والتي تختلف عن قيمنا وعاداتنا.

أما أفلام العرب فبقيت في "مكانها راوح"، تعتمد على تدني ذوق أكثر الشباب والذين يحبون أعمال العنف وكل ما يجعل من المرأة سلعة على حساب فكرها وشخصيتها.

وكذلك الكتب والروايات ترى على أغلفتها الطبعة الخامسة عشرة، وفي حفلات التوقيع ترى طابوراً ينافس تزاحم الناس على المخابز أيام الحروب، لشراء كتاب صاحبه مشهور أو يكتب بلغة بسيطة جداً، بل أقرب إلى العاميّة، أو بسبب وجهه الجميل أو حتى شبكة علاقاته التي روّجت له بذكاء.

نأتي هنا لسؤال مهم: ما هو تعريف الإبداع؟ الإجابة هي أن نرى بعين جديدة.

وكما قلنا المبدع لا يقدم تحفته إلا بعد أن يتألم ويعاني ويحب بصدق، وبالتالي سيرى الآخرون ذلك الجمال لأنه لامس أرواحهم ومعاناتهم وأحلامهم وخيبة آمالهم.

والجهد المبذول والثقافة عامل مهم أيضاً في الفن الجميل وتطوره.

حقاً الفن ذاكرة الشعوب ومرآة التاريخ، هو هوية ثقافية تعكس قيم المجتمع وتعبر القارات إن قُدِّم بذوق وشكل مُتقن وجميل. فرفقاً بذائقة تتدنى مع تدني العمل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رقية تاج
قاصّة وكاتبة مقالات
رقية محمد صادق تاج، عراقية وُلدت في دمشق سنة 1990، حاصلة على بكالوريوس إعلام، قسم الصحافة، جامعة بغداد. كاتبة مقالات وقاصّة، لها مجموعة قصصية قيد الطبع، وحالياً هي مديرة تحرير موقع "بشرى حياة".