بعد أعوامك الثلاثين الأولى، عندما يبدأ المشيب في غزل خيوطه حول فوديك، ثم تبدأ طرقعة عظامك حول ركبتيك تخبرك بأن هناك خطباً ما، وما عليك إلا أن تسارع الخطى، أو تتناول وجبتك المفضلة فتشعر بثقل في حركتك ورغبة في النوم، ساعتها فقط ستدرك أن العد التنازلي قد بدأ، وستدرك أن الاعتناء بالنفس حاجة وليس رفاهية، وأن تفقد المرء لما يأكله لم يعد مُزحة، وأنك في ثلاثينك تقرر بكامل قواك العقلية كيف ستمضي العقود الباقية من عمرك. المشكلة التي يقع فيها أغلب الثلاثينيين هي التهافت على طرق خسران الوزن السريع واتباع أنظمة مثل قاراطاي أو كيتو أو غيرها دون معرفة ماهية وطبيعة أجسادنا.
نبحث عن الوزن المثالي، رغم أن الجسد الصحي أهم، ونتطلع لخسران الباوندات، رغم أن الحفاظ على الكتلة العضلية أهم، ونتسارع للتعلم عن الأنظمة الصحية التي أغلبها يحرم الجسم من العناصر والمعادن الهامة ويخل بفلورا المعدة ونترك قاعدة أن البقاء على نظام صحي مدى الحياة هو الأفضل على الإطلاق.
منذ عامين تقريباً، وبعد التعرض لوعكة صحية شديدة، قررت خسارة بعض الوزن وتغيير طعامي، وبدأت في تقليل اللحوم في وجبتي، وتوجهت لتناول الخضراوات والفواكه خصوصاً دون طهي.
وقللت من السكر وبدأت في ملاحظة أثر تغيير نمطي على صحتي، وتحسنت صحتي بشكل كبير وبدأت في خسارة الوزن، واستعدت الكثير من النشاط، فقررت الزيادة من الخضراوات، ولأن الخضار ليس له طعم، فقررت تناول مزيج الخضراوات مضروباً بالخلاط.
وضعت ثوماً وحبات من البروكلي وبعض مكعبات الأفوكادو والأسبرجس والبراسل سبراوت وورقة كرنب نيئ وعسلاَ للتحلية وارتشفت نصف الكوب الكبير دفعة واحدة، وما هي إلا خطوات قليلة خارج المنزل وبدأت أصيح من ألم رهيب بمعدتي وجانبي الأيمن، عدت لمنزلي وقضيت اليوم بلا حراك حتى أرى الطبيب في أقرب موعد.
لما ذهبت للطبيب أخبرني أن نظامي الغذائي الجديد قد أضر بمعدتي وبفلورا معدتي، وأنه يجب عليّ أن أتعلم عن نظام غذائي جديد اسمه فود موب دايت، وهذا النظام الغذائي يستبعد بعض الخضراوات التي ظننتها مفيدة، ولكن معدتي غير قادرة على هضمها، والألم الذي شعرت به هو صيحة الجسد أن ما تأكلينه لا يناسبك… حينما لا تسير الأمور كما خططنا، فهي رسالة لتغيير الواجهة والبوصلة وليس التوقف.
المشكلة التي ستواجهك كفرد يرغب في تحسين صحته هو اتباع النظام الغذائي المناسب لك ولجسدك وليس أي نظام صحي في المطلق، لأن تغيير فلورا المعدة "البيئة البكتيرية النافعة" أو أي خلل في بطانة المعدة قد يسبب أمراضاً أخرى أنت في غنى عنها، وإن حدث أي خلل في بطانة المعدة، ستسرب الطعام.
والمعدة التي تسرب الطعام هي معدة تجلب الأمراض، وتنشر السموم في الجسم بسبب وبلا سبب. المزيد يخبرنا عنه الدكتور آكس في مقاله هذا عن المعدة التي تسرب الغذاء.
ويقول الدكتور آكس إن الطبقة الغشائية بين الأمعاء وبين مجرى الدم بها فتحات، وكلما ازدادت هذه الفتحات اتساعاً بسبب اختلال النظام الغذائي وتناول الأطعمة التي لا تستطيع المعدة هضمها سيؤدي للمزيد من الأمراض والاضطرابات الصحية والعقلية. وأكد أن المعدة المهترئة سبب في انتشار السموم بالجسم إن لم يتم علاجها، وأوضح أن أفضل الطرق لعلاج المعدة هو تناول البروبايوتيك، والكولاجين وبعض المكملات الغذائية كالـL-glutamine.
كذلك تناول الأوميغا ثري يساعد على علاج الالتهابات في الجسم، ونهى الدكتور آكس عن تناول الأطعمة التي تحتوي على الزيوت المعالجة، لأنها معدلة وراثياً، مما يزيد فرصة نمو البكتيريا الضارة التي تلتهم البكتيريا النافعة بالجسم، وتزيد من فرص حصول الأمراض المزمنة والأمراض المناعية وحدوث الطفرات الجينية المسببة لأمراض مثل السرطان.
أما عن الأنظمة الغذائية الجديدة مثل الكيتو دايت، فيخبرك نجوم اليوتيوب بفائدة هذا النظام الصحي ويبهرونك بسرعة نقصان الباوندات رغم تناولك للحوم وما لذ وطاب، لكن لا يخبرونك باكتسابك أضعاف هذه الباوندات إن تلاعبت بقواعد النظام الصارم شديد الحساسية للكربوهيدرات حتى لو ليوم واحد فقط، يشجعونك على خسارة الوزن السريعة، ولا يذكرون الأضرار الصحية التي تحدث للمعدة نتيجة تغير طبيعة البكتيريا الجيدة.
يعددون مزايا هذا النظام ولا يذكرون شيئاً عن تحسس بعض الأجسام منه مما يسبب الحكة الجلدية، وهذا أيضاً نتاج لوصول الجسم للحالة الكيتونية، ونقص الفيتامينات الأخرى في الجسم نتيجة لعدم تناول معظم الفاكهة والخضراوات التي تحتوي على الكربوهيدرات، مما يسبب فقدان الشعر ويصبح متبعو هذه الحمية أكثر عرضة للالتهابات والأمراض المزمنة والسرطانات والإضرار بالأوعية الدموية، وذلك لارتفاع منسوب اللحوم الحمراء في نظامهم الغذائي وانخفاض معدلات العناصر والفيتامينات الهامة الأخرى وكذلك بسبب تغير فلورا المعدة "البيئة البكتيرية النافعة بداخل المعدة".
ليس هناك مشكلة في نقصان الوزن، لكن بحسب آراء المختصين، لا داعي لتتبع أنظمة تحرم الجسم من الفيتامينات أو تسبب الإجهاد العضلي والجسمي. ومن الأفضل المتابعة مع مختصين والاهتمام بتحاليل الدم اللازمة وفهم طبيعة الجسد، ليس كل نظام غذائي فعال في نقصان الوزن مناسباً لطبيعة التمثيل الغذائي بالجسم. كل جسم له طبيعة مختلفة عن الجسم الآخر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.