تجربتي في التعليم المنزلي مع كورونا.. هل أنصحكم باستكمالها بعد انتهاء الأزمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/03 الساعة 05:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/03 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش

ماما من فضلك ساعديني لقد انقطع الاتصال.. ماما المعلمة لا تراني.. ماما لا أرى الشاشة.. من فضلكم باقي على تسليم الواجبات أقل من ساعتين.. منذ أوائل مارس/آذار ٢٠٢٠ تحول يومي الصباحي الهادئ إلى تلك النداءات التي لا تنقطع، كل أجهزة البيت الإلكترونية من حواسيب وهواتف وتابلت حتى التلفاز حتى هاتفي الشخصي سُخرت لتلك المهمة الجديدة وهي التعليم عن بعد. 

في البداية ظننا جميعاً أنها مجرد أيام أو على الأكثر بضعة أسابيع وتنتهي كورونا، ثم وجدنا أنفسنا في وضع لا نعرف متى سينتهي؟ ومن ثم توجب علينا أن نتعامل معه بشكل مختلف، وأن نستفيد من تجربة الحظر الأول كي نستطيع الاستمرار بأقل خسائر ممكنة وأن نحاول رؤية الجانب المضيء من التجربة، مع ثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، وطباع مختلفة واحتياجات مختلفة، كان الأمر يشبه التحدي اليومي، كيف أفصل بين كوني أماً ومعلمة؟ كيف أدير وقتي في ظل هذا التحدي الجديد وأدرس وأعمل بعض الأوقات وأدبر أمور البيت في ظل وجود طفل لديه احتياجات تعليمية خاصة. 

في الحظر الأول لم يكن هناك أي تصور واضح  لإدارة التعليم عن بعد لمدارس أولادي، حيث كانوا في مراحل مبكرة من التعليم الابتدائي، كان هناك مهام لها وقت محدد للتسليم ولقاءات متباعدة من وقت لآخر أونلاين. كان التحدي في كيفية إدارة وقت الفراغ الكبير في ظل الإغلاق التام، لكن حيث إن الإغلاق كان في بداية الربيع، والإغلاق غير كامل كان يمكننا الخروج لأماكن مفتوحة، التحدي الآخر وهو الأهم أن الأولاد قد فقدوا جزءاً كبيراً من التعليم الأساسي، خصوصاً في اللغة والرياضيات، كان عليّ تعويضه وشرحه لهم، كنت متوترة جداً من أن يضيعوا معلومة أو درساً مهماً إلى جانب القلق من الإصابة لا قدر الله بالفيروس، انتقل هذا القلق بطبيعة الحال إلى الأولاد، الفترة الأولى كانت صعبة حتى أسسنا نظاماً ثابتاً يريحنا ونتقدم فيه. 

في الحظر الثاني كنا مؤهلين نفسياً منذ بداية العام أن التعليم سيكون عن بعد في وقت ما، اجتهدنا جميعاً من معلمين وآباء وطلاب في أن تستمر العملية التعليمية في المدارس منذ أغسطس/آب وحتى منتصف ديسمبر/كانون الأول، كانت هناك خطة بديلة معروفة منذ بداية العام بالنسبة لي وللأولاد، ما تغير أن أولادي قد انتقلوا إلى مراحل تعليمية متقدمة، وكانت الدروس أونلاين متواصلة يومياً من الثامنة حتى الواحدة على الأقل لثلاثة أطفال، بما يعني أن معظم غرف المنزل مشغولة وتقريباً كل جهاز يمكن تلقي الدرس أو حل الواجبات عليه مشغول أو فى الشحن. 

إلا أنني قررت الاستفادة من الحظر الأول، فلم أعد متوترة بخصوص إنهاء الواجبات كاملة دون نقص وأتجنب الدخول في دائرة الغضب والصراخ المتبادل الناتج عن ذلك التوتر المستمر ٢٤ ساعة ٧ أيام في الأسبوع، أقول لنفسي لن يأتي أحد مشيراً إلينا أن هؤلاء الذين لم ينهوا كل واجباتهم ورقة ورقة، كانت الأولوية الأولى لي أن تبقى علاقاتنا دون توتر وأن يمر الوقت بهدوء وقدر المتاح من المتعة. 

أدركت في الحظر الأول أيضاً نقاط ضعف وقوة أبنائي، فبينما يتعلم أحدهم سريعاً كيف يتجاوز مشكلة تقنية يتعثر الآخر صارخاً، وبينما يكتب أحدهم واجباته بمساعدة قليلة يحتاج آخر إلى الجلوس بجانبه، تلك الفروقات ساعدتني أن أنظم أولوياتي وأيضاً أي جهاز إلكتروني سيستخدمه كل طفل منهم. 

ما تعلمته أيضاً أن أبعد أبنائي عن القلق بخصوص الأرقام والأخبار وأتجنب سماع الأخبار الخاصة بالفيروس في حضورهم، يكفيهم أن يعلموا الأخبار العامة ويتخذوا احتياطاتهم بأن عليهم الالتزام بالمسافة التباعدية والكمامة الطبية وتجنب لمس الأشياء بالخارج. 

بعض الأشياء التي ساعدتني في الحظر الثاني والتي ربما قد تفيد البعض: 

١- الالتزام بروتين يومي، ففي أيام الأسبوع باستثناء العطلة الأسبوعية يستيقظ الجميع مبكراً سواء تأخر درسهم أم لا، ثم الدراسة فترة الصباح كنا يفعل أوقات المدرسة.

٢- الالتزام بمكان ثابت لكل طفل وتنظيم الأدوات والأشياء بشكل يسهل عليهم الوصول إلى ما المطلوب وهم أونلاين مع المعلم. 

٣- الفصل بين أوقات الدراسة والأوقات العائلية، وذلك بتحديد أوقات الدراسة وأوقات الراحة.

من جانب آخر، كانت هناك منحة في ذلك الوقت الصعب والمختلف، فقد تعرفت على أبنائي بشكل مختلف فعندما قمت بدور المعلمة تعرفت على نقاط ضعفهم وقوتهم في المواد الدراسية، وكيف يفكر كل منهم بشكل مختلف عن الآخر، تعلمت كيف أتعامل مع اختلاف شخصياتهم وأحترمه، وأن ما يفيد مع أحدهم لا يفيد الآخر، تحدثوا العربية بشكل أكثر، وكانت هناك فرصة للقراءة في السيرة النبوية والاهتمامات الأخرى بعيداً عن كتب الدراسة.  

بعد مرور ما يقارب العام بين تعليم عن بعد وتعليم في المدرسة بكل ما فيه من مصاعب وتحديات، صورت أتعامل مع هذا الوقت على أنه وقت ثمين وغال، فلا أعرف متى يمكنني أن أقضي وقتاً طويلاً كهذا مع أبنائي وهم يكبرون ويستقلون بحياتهم، وأنه لن يحدث شيء كبير إذا تأخروا أكاديمياً لبعض الوقت، لكن أن يكونوا سعداء وأصحاء. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء بركات
طبيبة أسنان مقيمة في ألمانيا
أسماء بركات، أم لثلاثة أطفال، طبيبة أسنان، مدونة ومهتمة بحالة حقوق الإنسان والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم، مقيمة في ألمانيا.
تحميل المزيد