من هجمات 11 سبتمبر إلى اقتحام الكابيتول.. كيف انتهى الحلم الأمريكي في السيطرة على العالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/02 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/02 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس/ رويترز

مع انتهاء حقبة الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه، ونهاية ارتباط الكتلة الشيوعية الأوروبية به عام 1991، استبشر المنظرون السياسيون الغربيون وعلى رأسهم الأمريكان بطبيعة الحال ببداية حقبة القطب الواحد. معلنين أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً خالصاً لبلاد العم سام، حتى إن الصحافة الأمريكية أطلقت على الرئيس الأسبق كلينتون أنه رئيس مجلس إدارة الكون!

في تسعينات القرن الماضي، وتحديداً بعد إنهاء الولايات المتحدة الأمريكية الاحتلال العراقي للكويت، وجدت واشنطن نفسها في مجابهة مكشوفة مع المنظمات التي عدتها إرهابية كتنظيم القاعدة. وهي التي كانت تمد أفراده وقياداته، في الثمانينات من القرن الماضي، بالمساعدات العسكرية والمادية إلى أن تم إخراج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان عام 1989. ثم اندلعت المواجهة بين تنظيم القاعدة وإخوته من جهة وبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى لانتهاء المصالح  المشتركة.

عالم ما بعد 11 سبتمبر

ثم جاء أحد أكبر الأحداث في التاريخ الأمريكي، هجمات "11 سبتمبر/أيلول"، والتي هزت الولايات المتحدة والعالم كله. فلأول مرة تتم مهاجمة أهداف أمريكية من الداخل وبطائرات مدنية، وذهب ضحية ذلك الهجوم ألوف البشر، ودمار هائل لم يمكن تخيله قبل ذلك إلا في أفلام الخيال العلمي.

ومع صعود خطاب "الحرب على الإرهاب" وأفول "الحرب الباردة" بتلاشي نهاية المعسكر الاشتراكي، بدأ يشير الواقع إلى ظهور حقبة معقدة لا يمكن تفسيرها وفقاً لنظرية القطب الواحد أو القطبين.
ففي المسألة بعض الغموض، حتى إن يفغيني بريماكوف وزير خارجية روسيا ورئيس وزرائها الأسبق، يقول في كتابه "العالم بعد 11 سبتمبر وغزو العراق"، إن المخابرات الأمريكية كانت على علم بشيء ما سيحدث من هذا القبيل، وإنها أعلمت الرئيس بوش بالأمر قبل الكارثة بقليل!

وهنا بدأت مرحلة أخرى، حيث فتحت أحداث 11 سبتمبر،  أبواب محاربة "الإرهاب" على مصاريعها لمنظري السياسة الأمريكان. فأرادوا إعادة سيناريو حرب الكويت مرة ثانية بغزو سريع وخاطف لأفغانستان، بؤرة تنظيم القاعدة. ولكن الأمور كانت مغايرة عن حرب الكويت، حيث كان للعراق جيش ضخم ومنظم تم إجباره عسكرياً على الانسحاب. أما أفغانستان فهي بلاد جبلية وعرة لم تستطع أي قوة في التاريخ إحكام قبضتها عليها، حتى إن رئيسة وزراء باكستان السابقة بناظير بوتو قالت "إن غزو أفغانستان ليس كتناول الحلوى"، ومع ذلك فقد اعتبر الساسة الأمريكان هذا الغزو انتصاراً ورد اعتبار لهجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول.

استمرت السياسة الأمريكية على هذا النهج، فقامت بتعبيد الطريق نحو غزو العراق، رغم أنه لا صلة للعراق بالأعمال الإرهابية المرتكبة ضد أهداف أمريكية، سواء داخل الولايات المتحدة أو في خارجها، حسب قول الصحفي فون سبونيك في صحيفة الغارديان البريطانية وغيره من الصحفيين والباحثين حول العالم.
غزو العراق مثل مرحلة جديدة في السياسة الأمريكية على مدى عقدين من الزمان تقريباً، مرحلة ملؤها التخبط والارتباك. ولقد أدى هذا التخبط والارتباك في السياسة الأمريكية لصرف تريليونات الدولارات ووقوع آلاف الجرحى والقتلى، حتى وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب غزو العراق بأنه أكبر خطأ أرتكبته أمريكا طوال تاريخها السياسي والعسكري.

تلك الملاحظات السريعة هي بعض مؤشرات على ارتباك السياسة الخارجية الأمريكية، والتي اعتقد كثير من المنظرين أنها لن تلقي بظلالها على استقرار أقوى دولة في العالم عسكرياً واقتصادياً، وتعتبر نفسها رائدة الحرية والديمقراطية، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، وأن نظرية القطب الواحد بدأت تأكل نفسها بنفسها.


تآكل القطب الأمريكي


أما الوجه الآخر أو الداخلي لتآكل القطب الأمريكي، فقد ظهر مكثفاً كما لم يبدُ من قبل في أحداث "6 يناير/كانون الثاني" من هذا العام، والتي توضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تفادت وقوع كارثة تاريخية داخلية سياسياً واجتماعياً أقسى وأمر من أحداث 11 سبتمبر.
قبل تلك الأحداث كان الشعب الأمريكي يعتقد أنه بعيداً عن حوادث التمرد السياسي المسلح وما قد يصاحبه من عنف يطال مؤسساته الحكومية وانهيار الديمقراطية وقمع حرية التعبير بالانقلاب الأمني والاضطرابات الاجتماعية. وأن مثل تلك الأحداث لا تقع إلا خارج بلادهم، وخصوصاً في الدول التي لا تؤمن بالديمقراطية والحرية السياسية، وهو الرأي الذي تبناه المحلل السياسي هال براندز.

فما حدث ليس عملاً غوغائياً ارتجالياً قامت به مجموعة غير منظمة من الشباب لغرض السرقة والعبث، ولكنه كان عملاً قامت به مجموعات سياسية منظمة، وكان الهدف سياسياً- اجتماعياً بمغزى عميق من خلال استهداف مبنى "الكابيتول"، منبع القرارات الأمريكية.

فالمهاجمون كانوا فصيلاً كبيراً من المتطرفين اليمينيين يحملون أفكاراً دينية معينة، يفسرونها بأفضلية العرق الأبيض ومعاداة الأعراف والأديان الأخرى، وكان بعضهم يحمل الأسلحة النارية، وكان رمزهم أو زعيمهم الروحي هو دونالد ترامب، الذي خسر منصبه الرئاسي أمام جو بايدن كما يعلم الجميع. والموقف السلبي لترامب من مجمل الانتخابات، وإصراره على كونها مزورة وبمساندة مجموعة من أنصاره المحافظين من النواب كان الوقود الذي ألهب مشاعر أنصاره من المتطرفين، وربما عملت أيد خفية على تنظيمهم وتجميعهم، ومع انتهاء الأحداث فإنهم ما زالوا يمثلون تياراً قوياً داخل المجتمع الأمريكي بعنصرية وتطرف بالغين، ويكون فيه السيد ترامب رمزهم الذي وعدهم بتسلم السلطة مستقبلاً.

ويقول المحلل السياسي هال براندز مرة أخرى إن شبح أعمال العنف بات يطارد السياسة الأمريكية أينما حلت مع مخاطر اشتعال الأوضاع الداخلية بصورة لا يمكن تجاهلها، فالفشل الخارجي في السياسة تحوّل إلى كارثة داخلية لم تخطر ببال أحد داخل أمريكا.

ولقد اعترف بايدن في خطابه الأخير، في 26 يناير/كانون الثاني 2016، صراحة بهذا الوضع الداخلي الخطير الذي قد يؤدي إلى نوع من المشاكل العنصرية لا تحمد عقباها، وأن الولايات المتحدة تواجه مستوى عميقاً من عدم المساواة، ويجب علينا مواجهة العنصرية وأفكار تفوق العنصر الأبيض، وذلك بالأفعال لا بالأقوال.

وقال إنه بصدد وضع مرسوم يؤكد على المساواة في المؤسسات الفيدرالية، والعمل على التصدي لكراهية الأجانب في كل المؤسسات الفيدرالية، وهو اعتراف ضمني بوجود نار تحت رماد العنصرية.

والحقيقة أن ما ذكره بايدن هو اعتراف بواقع موجود من التفرقة العنصرية كان يلقى التشجيع من أقوال وأفعال السيد ترامب وأنصاره. والذي وصفه مرة أخرى بأنه أشعل نار الكراهية والفتن في بلد يتكون أصلاً من مهاجرين مختلفين في الأعراق، والذي لم يتردد السيد ترامب في إطلاق ظاهرة الإسلاموفوبيا.

وإذا استمرت تلك الظواهر وتفاقمت، فإن حلم القطب الواحد وعصر القوة العظمى سيتآكل من الداخل، كما بدأت تؤثر عليه المغامرات العسكرية الارتجالية، وكما يقول السيد بريماكوف بأن مفهوم القوى العظمى لا يمكن أن يعرف بمصطلحات كمية فقط، فما انطبق على الاتحاد السوفييتي قد ينطبق على الولايات المتحدة بسيناريو أكثر تعقيداً.

ويضيف كذلك أن تعاظم قوة الصين الاقتصادية بسرعة جنونية وتعزيزها لقوتها العسكرية، وستصبح عاجلاً أم آجلاً قطباً مهماً في العالم، لا تريده الولايات المتحدة وتعرقل تقدمه بشتى السبل، وقد يكون للمسألة بعد آخر لتشابك المشاكل في السياسة الأمريكية.

كل تلك الظواهر تشير إلى سير العالم باتجاه تعدد الأقطاب مرة أخرى، بعد أن بدأت الأمراض تدخل في جسم القطب الأمريكي من الداخل والخارج.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعد سعيد
كاتب عراقي
كاتب عراقي
تحميل المزيد