كنت صغيراً عندما قامت ثورة 25 يناير.. فلماذا أنا حزين على حالها؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/02 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/02 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش
تعرضت آثار مصر لمحاولة نهب بالتزامن مع ثورة يناير/

بعد مرور عشر سنوات، عقد كامل من الزمان، نحتاج إلى أن نقف ونسأل أنفسنا: ما الذي حدث لثورة 25 يناير؟

تلك الثورة الوليدة، التي وهبت لكل من عاصرها جناحين، تُحلق بهما الأرواحُ لتشق عنان السماء من بعد أن كانت مُكبلة في سلاسل القمع.

أتساءل في كل ليلة: لماذا أجهضت تلك الأحلام البريئة التي لم يُكتب لها أن ترى النور؟

تلك الأحلام الموءودة التي نسجتها خيوط الشمس عند فلق الصبح، هل ماتت؟ أم آلت إلى ما كنا نخشى أن تصير إليه.. “مجرد ذكرى” نحكي ونتحاكى عنها، ولكن في صمت مُطبق، خشية أن تُزعج كلماتنا من بيده زمام الأمور.

كشاب، مازلت أذكر تلك اللحظات بتفاصيلها الصغيرة، رغم صغر سني وقتها، أذكر ساعات الرعب والحذر، والغضب والخطر، والفرح والحبور، والأمن بصيحات الحضور، مازلت أذكرها جيداً فهي لا تُمحى من ذاكرتي، كالنقش في الحجر، أتذكرها كأنها البارحة، بل وكأنها منذ ساعات قلائل، علّها تتأهب لأن تُبعث من جديد مرة أُخرى.

قالوا: “إنها خراب” من بعد أن قالوا: “إنها انتصار”. لا يهم ما يقولونه، المهم ما نعرفه نحن الشباب المكلوم، نحن جيل الثورة الذي قُتلت أحلامه أمام عينيه، كانت الثورة مثل أمل وحلم جميلين، سُطر كل منهما أمامنا، ونسجنا منهما مستقبلاً يرتقب انجلاء الليل، ثم رأينا عند الشروق فقط الدماء!

ماذا بعد يا 25 يناير؟

جيل من الشباب المُحطم، منزوع الآمال، مُكبل الأحلام، من بعد أن كانت صيحاته كزئير يدوي في الميدان، ولكن القدر شاء غير ما خطّه الإنسان، فعُدنا إلى نقطة الصفر من جديد، إلى ما كنا عليه، إلى سابق عهدنا، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن شيئاً لم يكن، فقد صارت “ذكرى” نرويها لأجيالنا القادمة، باسم “تنهيدة شعب”!

ولا أدري، ما الذي سيقوله لنا ذلك الجيل القادم، ففي مصر ترى تفاوت الأجيال، بل صراعاً ما بين الأجيال في كل وقت وحين، بين جيل أورثنا النكسة والهزيمة، ثم فر كالجبان من المواجهة، وألقى اللوم على وريثه، وجيل -عن جيليّ أتحدث- نهض وصاح في وجه الظلم حتى كادت السماء والأرض تنفطران من هتافاته، ولكن الجيل السابق أبى إلا أن يُبقيه قابعاً في كهفه، والجيل القادم سيرث خيبات آمالنا وأحزاننا، ولكنه سيرث مع ذلك “رفضنا” وصيحاتنا، والتي قد تُبعث فيه من جديد، كالأشباح في الميدان أوشكت أن تتجسد في يوم من الأيام.

ثمانية عشر يوماً، في الشوارع والميادين، في برد يناير الذي ينخر العظام، تحدى شعب بأسره الظلام، ووقف مُنادياً بأبسط حقوقه.. “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، ما زلنا نذكرها، كما نذكر دماء الشهداء الذين سقطوا طامحين إلى فجر جديد، ما زلنا نذكر تلك المرة الوحيدة التي ذُقنا فيها حلاوة الكلمة، وطلاوة التنهيدة، ذُقنا فيها طعمَ الحرية!

والآن مرت بنا تلك الذكرى، وليس لنا إلا أن نقول: “حدث في مثل هذا اليوم”. حدث أن ولد شعب من جديد، وحدث أن نهض من رقدة العدم، وحدث أن حطّم القيود، وعدّل الموازين، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ بعد تلك الفترة حدث ما لم يكن في الحُسبان، فكل من ارتكبوا الجرائم في حق ذلك الشعب بأكمله، صاروا في حُكم القانون والعالم.. أحراراً! وصار الثوار الشباب وراء القضبان!

الثورة كالقضاء والقدر، لا نطلبها.. ولكنها تحدث حينما تنفد كل سُبل الإصلاح، والآن تعود مِصر إلى نفس ذلك النفق المُظلم مرة أُخرى، نفق ما قبل الثورة والإصلاح، ولكنه أشد بكثير مما سبقه، حتى صار الشعب يترحم على نفق مُظلم آخر كان أحاط بهم في الماضي، صار البعض يتمنون زمناً من العبودية أهون وأرحم مما نمر به الآن، وكأن الظُّلم والطغيان لصيق بذلك الشعب على مر التاريخ، فلا يوم عدل ولا خير مررنا به إلا لحظات تصير في النهاية ذكرى!

ولكن السؤال الذي يراودني: بعد عشرة أعوام أُخرى، كيف سيذكر التاريخ تلك الفترة؟ أم أننا سنكون على موعد آخر لأحلام وآمال جديدة؟!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

كنت صغيراً عندما قامت ثورة 25 يناير.. فلماذا أنا حزين على حالها؟

كنت صغيراً عندما قامت ثورة 25 يناير.. فلماذا أنا حزين على حالها؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/02 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/02 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش
تعرضت آثار مصر لمحاولة نهب بالتزامن مع ثورة يناير/

بعد مرور عشر سنوات، عقد كامل من الزمان، نحتاج إلى أن نقف ونسأل أنفسنا: ما الذي حدث لثورة 25 يناير؟

تلك الثورة الوليدة، التي وهبت لكل من عاصرها جناحين، تُحلق بهما الأرواحُ لتشق عنان السماء من بعد أن كانت مُكبلة في سلاسل القمع.

أتساءل في كل ليلة: لماذا أجهضت تلك الأحلام البريئة التي لم يُكتب لها أن ترى النور؟

تلك الأحلام الموءودة التي نسجتها خيوط الشمس عند فلق الصبح، هل ماتت؟ أم آلت إلى ما كنا نخشى أن تصير إليه.. "مجرد ذكرى" نحكي ونتحاكى عنها، ولكن في صمت مُطبق، خشية أن تُزعج كلماتنا من بيده زمام الأمور.

كشاب، مازلت أذكر تلك اللحظات بتفاصيلها الصغيرة، رغم صغر سني وقتها، أذكر ساعات الرعب والحذر، والغضب والخطر، والفرح والحبور، والأمن بصيحات الحضور، مازلت أذكرها جيداً فهي لا تُمحى من ذاكرتي، كالنقش في الحجر، أتذكرها كأنها البارحة، بل وكأنها منذ ساعات قلائل، علّها تتأهب لأن تُبعث من جديد مرة أُخرى.

قالوا: "إنها خراب" من بعد أن قالوا: "إنها انتصار". لا يهم ما يقولونه، المهم ما نعرفه نحن الشباب المكلوم، نحن جيل الثورة الذي قُتلت أحلامه أمام عينيه، كانت الثورة مثل أمل وحلم جميلين، سُطر كل منهما أمامنا، ونسجنا منهما مستقبلاً يرتقب انجلاء الليل، ثم رأينا عند الشروق فقط الدماء!

ماذا بعد يا 25 يناير؟

جيل من الشباب المُحطم، منزوع الآمال، مُكبل الأحلام، من بعد أن كانت صيحاته كزئير يدوي في الميدان، ولكن القدر شاء غير ما خطّه الإنسان، فعُدنا إلى نقطة الصفر من جديد، إلى ما كنا عليه، إلى سابق عهدنا، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن شيئاً لم يكن، فقد صارت "ذكرى" نرويها لأجيالنا القادمة، باسم "تنهيدة شعب"!

ولا أدري، ما الذي سيقوله لنا ذلك الجيل القادم، ففي مصر ترى تفاوت الأجيال، بل صراعاً ما بين الأجيال في كل وقت وحين، بين جيل أورثنا النكسة والهزيمة، ثم فر كالجبان من المواجهة، وألقى اللوم على وريثه، وجيل -عن جيليّ أتحدث- نهض وصاح في وجه الظلم حتى كادت السماء والأرض تنفطران من هتافاته، ولكن الجيل السابق أبى إلا أن يُبقيه قابعاً في كهفه، والجيل القادم سيرث خيبات آمالنا وأحزاننا، ولكنه سيرث مع ذلك "رفضنا" وصيحاتنا، والتي قد تُبعث فيه من جديد، كالأشباح في الميدان أوشكت أن تتجسد في يوم من الأيام.

ثمانية عشر يوماً، في الشوارع والميادين، في برد يناير الذي ينخر العظام، تحدى شعب بأسره الظلام، ووقف مُنادياً بأبسط حقوقه.. "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، ما زلنا نذكرها، كما نذكر دماء الشهداء الذين سقطوا طامحين إلى فجر جديد، ما زلنا نذكر تلك المرة الوحيدة التي ذُقنا فيها حلاوة الكلمة، وطلاوة التنهيدة، ذُقنا فيها طعمَ الحرية!

والآن مرت بنا تلك الذكرى، وليس لنا إلا أن نقول: "حدث في مثل هذا اليوم". حدث أن ولد شعب من جديد، وحدث أن نهض من رقدة العدم، وحدث أن حطّم القيود، وعدّل الموازين، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ بعد تلك الفترة حدث ما لم يكن في الحُسبان، فكل من ارتكبوا الجرائم في حق ذلك الشعب بأكمله، صاروا في حُكم القانون والعالم.. أحراراً! وصار الثوار الشباب وراء القضبان!

الثورة كالقضاء والقدر، لا نطلبها.. ولكنها تحدث حينما تنفد كل سُبل الإصلاح، والآن تعود مِصر إلى نفس ذلك النفق المُظلم مرة أُخرى، نفق ما قبل الثورة والإصلاح، ولكنه أشد بكثير مما سبقه، حتى صار الشعب يترحم على نفق مُظلم آخر كان أحاط بهم في الماضي، صار البعض يتمنون زمناً من العبودية أهون وأرحم مما نمر به الآن، وكأن الظُّلم والطغيان لصيق بذلك الشعب على مر التاريخ، فلا يوم عدل ولا خير مررنا به إلا لحظات تصير في النهاية ذكرى!

ولكن السؤال الذي يراودني: بعد عشرة أعوام أُخرى، كيف سيذكر التاريخ تلك الفترة؟ أم أننا سنكون على موعد آخر لأحلام وآمال جديدة؟!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد كرارة
مدوّن مصري
مدوّن مصري
تحميل المزيد