حاولوا إفلاس شركاتهم المفضلة فخسروا مليارات الدولارات.. تفاصيل حرب المضاربين الصغار على أباطرة البورصة الأمريكية

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/02 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/02 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
Panoramic shot of lower Manhattan, New York - USA with overlay of red stock market graphics. Wall street and NY stock exchange has been under a lot of pressure because of the Covid - 19, corona virus.

في يوم الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني 2021 قامت أغلب تطبيقات تداول الأسهم في البورصة الأمريكية وعلى رأسهم تطبيقا Robinhood وWebull بتعطيل إمكانية التداول على أسهم عشر شركات المقيدة بالبورصة الأمريكية بما يخالف القانون الأمريكي الذي ينص ويشدد على حرية التداول والاستثمار. والسبب يرجع إلى تحالف عدد ضخم من المضاربين الصغار ضد صندوقين من الصناديق الاستثمارية hedge funds وMelvin Capital وتكبيدهم لخسائر تجاوزت حاجز الـ20 مليار دولار خلال بضعة أيام فقط. ذلك النجاح شجع المضاربين الصغار على تكوين ائتلاف مر الذي شجع ائتلافاً خاصاً بهم تحت مسمى (Wallstreetbets) على موقع reddit الشهير، للتوسع في مضارباتهم ضد أهم اللاعبين الكبار في البورصة الأمريكية وعدم الوقوف عند هذا الحد.

 البداية من Robinhood وتطبيقات المضاربة

تعتبر شركة روبين هود واحدة من أسرع الشركات المرتبطة بالبورصة الأمريكية نمواً وتوسعاً في العالم، منذ نشأتها في كاليفورينا عام 2014 على يد اثنين من طلبة جامعة ستانفورد الأمريكية. كانت الفكرة المسيطرة على مؤسسي شركة روبين هود هو إتاحة ودمقرطة التداول في البورصة الأمريكية للجميع بدون أي مقابل ودون حد أدنى للحساب البنكي، أي أن المواطن الأمريكي الذي يمتلك حساباً بنكياً مهما كان صغره يمكنه أن يشتري ويبيع ويستثمر في البورصة الأمريكية دون أية رسوم أو عوائق وفقط بضغطة زر من هاتفه، دون أية تعقيدات.

وبانتشار وباء كورونا في بداية عام 2020 ثم تصاعد حدته وفتكه في الولايات المتحدة الأمريكية وتطبيق حالة الإغلاق العام وتقييد حركة السكان، وما تبع ذلك من توقف أو خسائر تكبدتها الأعمال التجارية واتجاه الدولة لتعويض المواطنين بمقابل بطالة ودعم عيني أخذت شعبية تطبيق Robinhood في التزايد حتى وصلت حجم التداولات والتحويلات اليومية عبره إلى ما يزيد عن المليار دولار وأصبح التطبيق ضمن الأكثر تحميلاً في متجر التطبيقات. وعلى إثر ذلك ظهرت تطبيقات أخرى تؤدي نفس الغرض وتنافس تطبيق روبين هود في الولايات المتحدة وأوروبا. حتى لجأت مواقع المضاربة التقليدية إلى تقليل مصاريفها النثرية أو حتى إلغائها تماماً، وهنا تحديداً بدأت المشكلة؛ فبالتأكيد لا يوجد عشاء مجاني للجميع!

أسهم Gamestop  ومنازلة اللاعبين الكبار

في بداية الشهر الحالي قام المركز البحثي Cintron researcher بتقييم أسهم شركة Gamestop وهي شركة أمريكية شهيرة ببيع الألعاب الإلكترونية. وكان التقييم منخفضاً بل وتوقع بإفلاس شركة الألعاب خلال عامين، الأمر الذي يبدو منطقياً فالشركة بالأساس اعتمدت على البيع العيني في متاجرها ولم تتحول إلى البيع عبر الإنترنت كما تحولت أغلب الشركات نتيجة الحظر والإغلاق بسبب وباء كورونا.

وعلى إثر ذلك التقرير قام عدد من الصناديق الاستثمارية وعلى رأسها hedge funds بالمراهنة ضد أسهم الشركة أو ما يمسى بالـ"short selling" بما يزيد عن عدد أسهم الشركة بالأساس بـ113%، وهي خطوة شديدة التهور لكنها معتادة من كبار لاعبي وول ستريت. وللمزيد من التبسيط:

 يُعتبر الـshort selling إحدى أسهل الطرق التي يمكنها أن تحقق المكسب في تداولات البورصة، لكنها وفي الوقت عينه يمكنها أن تتسبب في خسائر لا نهائية. فالمراهنة ضد أسهم شركة تتجه للإفلاس تعتمد على اقتراض عدد من الأسهم من أحد المضاربين عند سعر مرتفع ثم إعادة شراء تلك الأسهم عند انهيار قيمة السهم، من ثم إعادة الأسهم المقترضة إلى المضارب الأول والاحتفاظ بفرق القيمة، وكلما انخفض سعر السهم زادت المكاسب المضمونة، لكن إذا ارتفع سعر السهم فيمكنه أن يرتفع بلا حدود وتتضاعف الخسائر، كذلك بلا حدود.

ونتيجة لمراهنة صناديق Melvin capital citadel ضد أسهم شركة Gamestop بدأت أسهم الشركة في الانخفاض تدريجياً إلى أقل من ثلاثة دولارات للسهم الواحد متجهة إلى مصيرها المحتوم، الإفلاس. هنا تنبه أحد صغار المضاربين وقام بتنبيه غيره بأن العلامة التجارية التي اعتادت بيع الألعاب لهم في طفولتهم في طريقها للانهيار بسبب عدد من "أوغاد" وول ستريت كما سموهم.

مواقع التواصل الاجتماعي والتحالف ضد الأوغاد

في نهاية عام 2020  أخذ أحد رواد موقع reddit، وهو منصة التواصل الاجتماعي الآخذة في الصعود والجذب لكل من سئموا من موقع فيسبوك وتحكماته وتسربيه لبيانات مستخدميه. فالمنصة لا يمكن التحكم بها ولا يحتاج الفرد لإعطاء أية بيانات لإنشاء حساب عليها مما جعلها المقصد الأول للكثيرين.

وداخل واحدة من أشهر المجموعات على الموقع، مجموعة Wallstreetbet، التي تضم 2 مليون عضو. تحدث أحد المضاربين الصغار من مستخدمي تطبيق روبين هود بأنه قام بشراء ما يعادل الخمسين ألف دولار من أسهم Gamestop وعندها نصحه الجميع بالتعجل في بيعها قبل أن تنهار، لكن ما حدث لم يكن متوقعاً، فبالصدفة قام أحد رواد الجروب بفضح مراهنة الصناديق الاستثمارية الكبرى ضد الشركة ونشر تقرير مركز cintron researcher والاتجاه الضاغط من قبل أباطرة البورصة لإفلاس الشركة بغرض الاستحواذ عليها من قِبل شركة أمازون في المستقبل.

هنا تغير الرهان وتحالف جميع المضاربين الصغار بغرض زيادة قيمة أسهم الشركة حتى وإن تسبب ذلك في خسائر شخصية. وعلى المدى البعيد اتجه معظم أعضاء المجموعة إلى شراء حصة من الأسهم بسعرها المنخفض والاحتفاظ بالأسهم وعدم بيعها. هنا بدأت الأسهم في عكس اتجاهها فبدلاً من أن يصل مستوى السهم إلى ما يعادل الدولار الواحد، صعد إلى ما يعادل عشرة دولارات ثم إلى مئة حتى وصل إلى ما يزيد عن الـ400 دولار للسهم الواحد خلال بضعة أيام فقط. وهو الأمر الذي وقع كالصاعقة على مديري الصناديق الاستثمارية؛ فما حدث كان بغرض استهدافهم وهو ما سبب لهم خسائر غير متوقعة بمليارات الدولارات.

وهنا تحديداً قامت تطبيقات المضاربة بالتدخل لإيقاف نزيف الشركات الكبرى عن طريق إيقاف التداول على أسهم عدد من الشركات مثل Gamestop ونوكيا وغيرها ممن استهدفها تحالف المضاربين.

البورصة في خطر وضرورة الحل السياسي

نتيجة لتعطيل التطبيقات بغرض الخفض الإجباري لقيمة الأسهم، دوّن عدد كبير من الاقتصاديين والسياسيين الأمريكان عن فداحة ذلك القرار وانتهاكه كل قواعد وقوانين حرية التداول والبيع والشراء والسوق "الحرة". فالحدث لم يكن فريداً من نوعه، فالصناديق الاستثمارية في وول ستريت اعتادت المضاربة على بعضها البعض والتلاعب في قيم الأسهم بالزيادة والنقصان منذ أزمة الرهون العقارية 2008 ولم يتهمهم أحد بالتلاعب، فقط عندما تدخل لاعبون جدد حدث ما حدث.

 وعندها اتجهت أصابع الاتهام إلى تطبيق روبين هود وغيره من التطبيقات لمخالفة معاييرها في المجانية والدمقرطة، ليكتشف الجميع بأنها تأخد مقابل التداول من الصناديق الاستثمارية التي تم المراهنة ضدها وليس من صغار المضاربين. أي أنها ليست مجانية ولا ديمقراطية وإنما هي مساهمة في التلاعب بالبورصة وحتى التلاعب في مستثمريها وأموالهم. مما دفع البعض برفع عدد من القضايا ضد التطبيق ومن المتوقع أن تعقد جلسة استماع في الكونغرس الأمريكي لمديري التطبيقات كما دونت النائبة عن الحزب الديمقراطي ألكسندريا أوكاسيو- كورتيز.

ويبدو أن الأزمة آخذة في التضخم أكثر وأكثر، وأنها ليست مجرد زوبعة في فنجان، إذ نتحدث هنا عن فقاعة متضخمة لاقتصاد معطل بفعل الجائحة، وتلك الفقاعة قد تنفجر. وحينها، ربما، ينتبه الساسة إلى ضرورة تحجيم اللاعبين الكبار قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مصطفى هشام
باحث مصري مهتم بالفلسفة والعلوم الإنسانية
باحث مصري مهتم بالفلسفة والعلوم الإنسانية
تحميل المزيد