رئيس "عسکري" لإيران هو حديث أروقة السياسة في طهران، جدل اندلع أثناء انشغال قبة البرلمان بتعديل قانون انتخابات الرئاسة، ومطالبة أحد النواب بحذف أحد بنود المادة الأولی للقانون الذي ینص علی السماح بترشيح العسکريين وتنافسهم على منصب رئيس الجمهورية.
عدة أشهر تفصلنا عن الانتخابات الثالثة عشرة للرئاسة الإيرانية، ویبدو أن الحظ هذه المرة سيكون من نصیب أحد جنرالات الحرس الثوري ليتربع علی کرسي الرئاسة. ورغم خسارة المرشحين العسكريين الإيرانيين سباق الانتخابات الرئاسية في المحافل الماضية. فإن هذه المرة تختلف عن سابقتها في ظل دعم التيار المحافظ ذات الأغلبية البرلمانية وصاحب الحظ الأوفر في الانتخابات القادمة لفكرة المرشح العسكري، ويعتبر هذا التيار المحافظ من أشد المعارضين لسياسات الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني.
أبرز المرشحين
وأما أبرز الشخصيات التي تتداول أسماؤها للترشح لمنصب الرئاسة ممن کانوا أو ما زالوا في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية هي:
- رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، متقاعد برتبة عميد من الحرس الثوري، وتقلد مناصب أهمها قائد القوة الجوية للحرس الثوري ورئيس شرطة إيران من ثم عمدة العاصمة طهران. وکثف الرجل زياراته الميدانية للمدن بصفته رئيس مجلس الشوری الإسلامي.
- قائد مقر خاتم الأنبیاء للإعمار (الذراع الاقتصادية للحرس الثوري) العميد سعيد محمد. یمتلك الرجل المواصفات التي أدلی بها المرشد الإيراني في وقت سابق عن الحکومة المقبلة، "حکومة شابة وثورية" کونه أصغر الأسماء المرشحة. ومنذ الفیضانات التي اجتاحت البلاد عام 2019 کثف محمد ظهوره العلني لمساعدة المتضررین.
- المستشار العسکري للمرشد الإيراني، العمید حسین دهقان، وکان وزیراً للدفاع في الحکومة الأولی للرئيس روحاني ولعب دوراً في الدعم اللوجستي للفریق المفاوض الإيراني أثناء الاتفاق النووي کما کان قائداً للقوة الجوية للحرس، ویعتبر أول عسکري أعلن ترشحه لمنصب الرئاسة.
- أمين عام مجمع تشخیص مصلحة النظام، الجنرال محسن رضائي، قاد الحرس الثوري لفترة 16 عاماً وتداول الإعلام المحلي اسمه کمرشح للرئاسة.
- العميد رستم قاسمي، وزیر النفط في عهد الرئیس أحمدي نجاد، وکان قد شغل منصب قائد مقر خاتم الأنبیاء للإعمار أیضاً. وتداول اسم رستم کمرشح رئاسي في انتخابات ماضية.
لا للمرشح العسكري
سیاسیاً أن یکون رئیس الجمهورية عسکریاً، یعني قحط الرجال، هکذا یتفهم التیار الإصلاحي الفکرة التي یدافع عنها المحافظون بقوة ویعتبرونها ضرورة للبلاد في الوقت الراهن. ویستمر الإصلاحيون بنقدهم استناداً للماضي، حیث لم ینتخب الشعب أياً من المرشحين بسیرة عسکرية وهم: علي شمخاني ومحسن رضائي ومحمد باقر قالیباف.
دیمقراطیاً، یرفع صقور التیار المخالف نبرة المواجهة لیعتبروا اختیار رئیس عسکري تهدیداً للدیمقراطیة، حیث تتجمع القدرة العسکرية والسیاسية والاقتصادية والإعلامية في ید واحدة في نظام الجمهورية الإسلامية الذي لا یمکن للرئیس التمتع بصلاحیات عسکرية وإعلامية، حیث تخضع هيئتا الأرکان المسلحة والإذاعة والتلفزیون إلی أوامر المرشد الأعلی، وفق الدستور.
النقاش بين التیارين السیاسيين أحياناً یصل حد التناحر ولا یدور حول حق الترشيح للجنرالات کأفراد، بل يدور حول قدرة وكفاءة المؤسسة العسكرية على شؤون البلاد. ما یعني أنه لا ضير في أن تکون خلفية رئیس عسکرية، ویعتمد في تنفیذ شؤون الإدارة علی المؤسسات الحکومية وأفرادها من ذوي الاختصاص المدنيين. ولکن أن یکون رئیساً تسیطر من خلاله المؤسسة العسکرية علی شؤون البلاد، أي عسکرة الحکومة ویزید من سطوتها في العملية السیاسية ما یشکل خطراً على لدیمقراطیة -حسب رأي التیار الإصلاحي الداعم الرئیسي لحکومة روحاني المنتهية ولایته- فهو أمر مرفوض بالنسبة للتيار الإصلاحي في إيران.
خلال العقود المنصرمة وسع الحرس الثوري وبإيعاز من القیادة العليا دائرة نفوذه من الميادين العسکرية فحسب، إلی میادين أخری کالاقتصاد والإعلام والعلوم والصناعة وغیرها، وهذا ما لا یعجب التیار الإصلاحي الذي يرى أن مهمته أن یحافظ علی دولة المؤسسات وتنمية البلاد عبر العملية الدیمقراطية المتمثلة بالانتخابات والمشارکة الفاعلة.
نعم للمرشح العسكري
أما التیار المحافظ فیری انتخاب رئیس الجمهورية بخلفية عسکرية من قبل الشعب، هي الدیمقراطية نفسها ویجب الاعتماد علی خیار الشعب. کما یعتقد أنصار ذلك التيار أن الحرس الثوري یتمتع بخبرة کافية في مختلف المجالات تمکنه من تجاوز المأزق الذي عصف بالبلاد اقتصادیاً وسیاسیاً وأمنیاً خلال 4 سنوات من حکم دونالد الترامب، حیث ضایق إيران بالاغتیالات تارة والعقوبات الاقتصادية الصارمة تارة أخرى. إذ یعلق المحافظين آمالهم علی رئیس عسکري یتمتع بدعم الحرس الثوري یمکنه القدرة علی رفض التنازل من حق الشعب المتمثل بالملف الصاروخي والنووي والنفوذ الإقليمي للجمهورية وقادراً علی توحيد صفوف الداخل وإنعاش الاقتصاد، علی حد قولهم.
موقف أهل إيران
المعطی الأبرز هو أن الشارع الإيراني في غالبیته لم یعد متحمسا، لا لهؤلاء و لا لأولئك، الشارع الذي کان ینخرط بالعملية الانتخابية عاماً قبل موعدها. ولکن هذه المرة وقبل أشهر قليلة فقط من أهم انتخابات للبلاد، یبدو أن الوباء والعقوبات وسوء الإدارة وتفشي الفساد بين المسؤوليين جعلته منهمكاً بحیاته المعیشية بعیداً عن أهمية انتخاب رئیس عسکري أو مدني.وذهب بعض السیاسيين ومنهم فائزة هاشمي، بنت الرئیس الراحل رفسنجاني وصادق زیبا کلام، أستاذ جامعة طهران، إلی أن فکرة الرئیس العسکري هي طريقة لترغيب الشعب علی التوجه إلی صنادیق الاقتراع وتجديد الشرعية للنظام بنسبة مشارکة عالية، باعتباره مرشحاً بحلة جديدة غیر مجربة! وذلك بعد انعدام ثقة الشعب بالحکومة والتیارات السیاسية، علی أنهم غیر قادرین علی تلبیة مطالب الشعب، حیث یُخشی مشارکة متواضعة کالانتخابات البرلمانية عام 2020 التي تمت بنسبة نحو 40%.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.