منذُ استيقظت عقولنا وانفتحت أذهاننا ونحن نرى الأفارقة الذين يعيشون في جنوب القارة السمراء يعانون.
فلم يسلم فيها بلدٌ من الفقر والمجاعة تارةً، والحروب الأهلية والموت تارةً أخرى، هذه الظروف وأكثر من ذلك دفعت الآلاف منهم في العقود الماضية إلى الهجرة نحو الشمال قاصدين أوروبا، غير أنّ أحلامهم تتوقف عند ليبيا إذا تم القبض عليهم أو احتجازهم، لكنّ حديثنا هنا سيتركز على العمالة الإفريقية في ليبيا والصعوبات والمعاناة التي يعيشونها في ليبيا خاصة مع أجواء الحرب وسيطرة الميليشيات على مناطق متعددة في البلاد.
بداية الرحلة
يقطع المهاجرون آلاف الأميال للوصول إلى ليبيا والتي تعتبر محطةَ عبورٍ بالنسبة لهم، قاصدينَ من خلالها أوروبا، فمنهم من يدخل بطريقة قانونية عبر المنافذ الحدودية الجنوبية الليبية، ومنهم من يدخل بطرقٍ غير شرعية عن طريق التهريب من أحد تُجارِ البشر.
وعند دخولهم إلى ليبيا يبدأُ فصلٌ جديد من المعاناة، فهناك الكثير منهم يتعرض للقتل من قبل الخارجين عن القانون أو الميليشيات المتواجدة في الجنوب الليبي، حيث إن الوضع الأمني في الجنوب يعتبر هشاً جداً، ومنذ العام 2011 يشهد الجنوب صراعاتٍ مسلحة بين قبائل التبو والطوارق تارةً وبين بعض المجموعات المسلحة تارةً أخرى، فيصبح المهاجر لقمة سائغة وضحية وهو في طريق عبوره إلى الشمال الليبي.
الاضطرار إلى الاستقرار!
أخبرني عبدالله (مهاجر من دولة النيجر) أنه قدم إلى ليبيا بطريقة غير قانونية، حيث اضطر إلى دفع مبلغ يقدر بحوالي 8 آلاف دولار أمريكي لأحد تجار البشر من أجل الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا، لكن أحلامه دُمرت حينما تم إرجاع قاربه المنطلق من مدينة صبراتة غربي العاصمة طرابلس، ليخسر فرصة الرحيل إلى أوروبا التي يرى فيها حلماً بالنسبة له، حيث إنه يرى أنها ستؤمِّن له مستقبلاً جيداً. يعمل عبدالله الآن في أحد المقاهي في العاصمة طرابلس، ويقول إنّه يعيش حياة جيدة مقارنة بحياته السابقة في النيجر التي لا يستطيع من خلالها حتى تأمين قوت يومه.
من الموت إلى العبودية!
يقول عبدالله بشهادة بعض أصدقائه المهاجرين أيضاً، إنهم يتعرضون للعديد من المخاطر المضاعفة في ليبيا بحكم انتشار السلاح فيها والوضع الأمني غير المستقر في البلد، حيث تعرض عبدالله للاستعباد والعنصرية أكثر من مرة، والاعتداء اللفظي والجسدي، وكثيراً ما يتعرضون للحرابة (السرقة) وكثيراً ما يتم الاعتداء على مساكنهم وسرقة ممتلكاتهم وأموالهم التي يجمعونها إما من أجل الرحيل أو من أجل إعانة أهاليهم في بلدانهم، يكمل عبدالله حديثه معي ليقول: إن سُرقت أموالك وكنت من جنسيةٍ إفريقية فإن استعادة حقك هو أمرٌ شبهُ مستحيل، لعدم تعاون الأجهزة الأمنية الليبية معهم والتي تكتفي فقط بتسجيل الواقعة وفتح محضرٍ بالخصوص حتى تنسى وتندثر مع الزمن.
جرائم القتل المرتكَبة في حق المهاجرين
لم تتوقف معاناة المهاجرين الأفارقة في ليبيا عند العبودية والاستغلال والإذلال فقط، بل المصيبة الكبرى أنهم بين الفينة والأخرى يتعرض عدد منهم للقتل، فقد وُثقت وثبتت العديد من جرائم القتل في حق المهاجرين وخصوصاً العمال الإفريقية، ونشرت الأمم المتحدة بالصوت والصورة العديد من الجرائم، وكان أبرزها قصفٌ بالطيران من قبل قوات حفتر لمركز المحتجزين في تاجوراء شرقي طرابلس منتصف شهر يوليو/تموز عام 2019، والذي أدى إلى مصرع حوالي 44 مهاجراً وإصابة أكثر من 130 بينهم أطفالٌ ونساء، فضلاً عن الجرائم الجنائية الكثيرة والتي تم تسجيلُ بعضها من قبل الجهات الحكومية في ليبيا والأمم المتحدة، فيما ذهبت الأخرى أدراج الرياح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.