"يا حبيبي كفاية لعب بقى وقوم ذاكر".
"يا بنتي ما تشوفيلك حاجة مفيدة تعمليها بدل اللعب اللي بتلعبيه ده".
"أولادي بيلعبوا كتير وأنا عاوزاهم يستفيدوا بوقتهم ويبطلوا لعب شوية".
هكذا تأتيني الشكاوى من كثير من الآباء (سواء في الكورسات أو في الاستشارات الفردية)، وفي كل مرة، يكون ردي على الأب/ الأم هو نفس الرد: "ما تسيبوهم يلعبوا.. وجهوهم بس ناحية ألعاب معينة وحتكون استفادتهم أكتر من أنشطة تانية كتير".
نحن نتخيل أن اللعب هو شيء نفعله للترفيه والتسلية!
بينما عملية اللعب هي عملية مركبة تتكون من عدة عمليات عقلية، تتم داخل المخ وتعلّم صاحبها الكثير من المهارات، كما تنمي لديه التفكير والخيال والإبداع والتعبير، وتحفز وظائف أخرى في المخ سنتعرض لها بعد قليل.
حتى إن الأمر لم يقتصر على الأطفال، بل ظهر في العالم اتجاه عام لإدخال الألعاب في كل شيء تقريباً.
ونشأ مفهوم الgamification وأصبح له دورات خاصة به تعلّم الأفراد والشركات كيف يحققون أهدافهم التعليمية عن طريق استخدام الألعاب مع الموظفين والمتدربين.
كما تكلم الكثير من العلماء والأخصائيين عن أهمية اللعب في حياة الأطفال، وأن اللعب ينمِّي القدرات الإدراكية العقلية للطفل، ويطوّر لديه المهارات الاجتماعية، ويقوي صحته العقلية والنفسية.
وقبل أن أذكر لكم مجموعة من الألعاب التي تساعد في نمو وبناء شخصية الطفل بشكل قوي وصحيح، سأذكر بعض فوائد وأهمية اللعب بشكل عام للأطفال:
اللعب يسمح للطفل باستخدام خياله بشكل حر، وذلك يعمل على تعزيز مهارات الإبداع لدى الطفل.
كما أنه يسمح للطفل بمساحات لاختبار مشاعر مختلفة، مثل الفرح والملل والحزن وقت الخسارة والحماس والأمل والسعي نحو الفوز، وهذا كله يبني لدى الطفل صحة عاطفية ونفسية قوية، حتى إن بعض الكبار يواجهون صعوبة بالغة في التعرف على مشاعرهم التي يمرون بها والتواصل مع أنفسهم بشكل حقيقي.
كما يدرب اللعب الأطفال على مهارات حل المشكلات، فيتعلم الطفل بالممارسة كيف يحل المشكلات المختلفة التي تواجهه ويتدرب عقله على تلك المهارات فيسهل عليه لاحقاً تطبيقها في حياته العملية.
وعلى الجانب النفسي، فإن اللعب يفرّغ شحنات كبيرة من التوتر والقلق الموجود لدى الطفل ولا نعرف عنه شيئاً. وأصبح العلاج باللعب Play Therapy هو واحدة من أشهر طرق التعامل مع الأطفال لهذا الغرض.
وأنا شخصياً، أنصح بعض العملاء لديَّ في الاستشارات بممارسة اللعب لتفريغ شحنات التوتر.
حسناً أي الألعاب علينا توفيرها للطفل لكي نحصل على كل تلك الفوائد؟
اللعب الحر بشكل عام يحقق الكثير من الفوائد السابقة، وقائمة الألعاب المفيدة كبيرة ومتنوعة. سأذكر لكم اليوم مجموعة منها.
1- الشطرنج
لعبة الشطرنج تأتي على رأس قائمة الألعاب التي لها أثر كبير على العقل والنفس والمهارات الحياتية للإنسان.
هل تتخيل أن لعبة الشطرنج تساعد على بناء مهارات التعاطف لدى الإنسان!
أثبتت إحدى الدراسات السلوكية عام 2019 أن لعب الشطرنج يدرب صاحبه على تبني منظور الآخر وأخذه في اعتباره ليخطط لحركته التالية في اللعبة، بل ومحاولة توقع الخطوة التالية لدى منافسه ووضعها في حساباته، وكل تلك العمليات هي أساس مهارات التعاطف وبناء علاقات اجتماعية صحية لدى الإنسان.
الشطرنج أيضاً ينمي ذكاء الطفل، لأنه يطور لديه القدرة على توقع مشكلات جديدة وإيجاد حلول منطقية لها، ويدمج هذا بسرعة التحرك والتنفيذ مما يكوّن لدى الطفل ذكاء عقلياً كبيراً.
كما أنه يقوي الذاكرة، لأنه يحفز مراكز التذكر في المخ، فاللعبة تعتمد أساساً على تذكر كيفية التحرك بكل قطعة، وكيف تختلف الحركات من قطعة لأخرى، وعدد الخطوات المسموح بها في كل مرة.
ويعلّم الطفل مهارات التخطيط والمرونة في تبديل الخطط، ويطوّر لدى الطفل التفكير الإبداعي، والتعلم من الأخطاء.
التركيز وتعزيز القدرة على الانتباه، الصبر والقدرة على التحمل، إدارة الوقت والقدرة على استخدام المتاح.
2- جينجا Jenga
تلك اللعبة التي أستمتع كثيراً بلعبها مع ابنتي، والتي ظهرت في أوائل ثمانينات القرن الـ20 وأحدثت ضجة كبيرة بظهورها.
فها أنت تقف أمام برج مكوّن من 54 قطعة خشبية، وعليك أن تزيل قطعة واحدة فقط من وسط البرج دون أن تهدمه، واللاعب الذي يتسبب في هدم البرج بقطعته، يخسر.
لعبة تعلّم الأطفال التفكير الاستراتيجي، الذي يعتمد على التخطيط والتنبؤ بالمشكلات المتوقعة ووضع حلول مستقبلية لها.
وحيث إن اللاعب يقوم بتحليل تحركاته واختيار الحركة التي تحافظ على بقاء البرج قائماً، فهي تدرب العقل على التفكير المنطقي وتوقع عواقب السلوك قبل القيام به.
كما أنها تعلّم الطفل التخطيط، وإيجاد البدائل، وتنمي البراعة اليدوية.
بل إنها أكثر الألعاب إكساباً لمهارات الدقة اليدوية والعقلية، فيجب أن تتحلى بأعصاب ثابتة ويد دقيقة لتسحب قطعة الخشب من وسط البرج دون أن تقع القطع التي فوقه والمبنية عليه.
جينجا تبني في شخصية وعقل الطفل القدرة على حل المشكلات، وتوقعها، والإتيان بحلول مقبولة فعالة لها، وتنمي لديه التفكير التحليلي والدقة في التنفيذ.
وهذا كله يعمل على تعزيز أداء الوظائف التنفيذية في المخ، مما ينعكس على الصحة العقلية للطفل بشكل مباشر.
بالإضافة إلى أنها تدرب الطفل على الصبر والتأني وهي مهارات حياتية يحتاجها بشدة للنجاح في حياته، وفي علاقاته الاجتماعية.
وتنمي لديه القدرة على التعلم عن طريق الحواس، حيث إنها تعتمد على استخدام 3 حواس في نفس الوقت: الرؤية، اللمس، السمع.
وقد تكون كل تلك الأسباب هي ما جعلها تنتشر بشكل واسع في كل بلاد العالم.
3- إكس أو (XO)
نعم.. تلك اللعبة الكلاسيكية التي لعبناها نحن في طفولتنا، بل ولعبها أجداد أجدادنا أيضاً.
هي لعبة يسهل صناعتها والتنقل بها في أي مكان، فعلى الشاطئ، يمكنك صناعتها بالرمال واللعب بالصخور الصغيرة، وفي الحديقة يمكنك رسمها بالطبشور على الأرض، وفي المنزل والسيارة يمكنك رسمها ولعبها على الورق.
"إكس أو" من الألعاب التي تؤثر بشكل قوي على العمليات الإدراكية لدى الأطفال.
"إكس أو" هي لعبة ترتبط بالعمليات الإدراكية في المخ. فهي تعتمد على التنبؤ بالخطوات المستقبلية واللعب على أساسها، ويصل التنبؤ لثلاث خطوات أو أكثر تلي الخطوة الحالية.
كما أنها تدرب عقل الطفل على التفكير المنطقي والتحليلي، وتعلّمه التخطيط لاستراتيجيات مختلفة للفوز.
تنمي القدرات العقلية لدى الطفل عن طريق التنسيق بين الرؤية وحركة اليدين، وصنع المزيد من الروابط العصبية في المخ، وتزيد القدرة على التركيز في مواضع مختلفة في نفس الوقت.
ولأنها لعبة تعتمد على التوقع والتنبؤ بخطوات مستقبلية، فإنها تدرّب الطفل بشكل غير مباشر على حل المشكلات وتخطي العقبات، بل والتخطيط للعقبات المحتملة ووضع حلول بديلة للتغلب عليها.
بالإضافة إلى أنه تعلم كيفية تفادي العقبات المحتملة وعدم الوقوع في مشاكل، وتعزِّز لدى الطفل مبدأ الخسارة والفوز، وهو من القيم المهمة للعيش بشكل سويّ في الحياة.
4- الدومينو
لعبة الدومينو من الألعاب التي أخذت طابعاً خاصاً يجعلها تقتصر في ذهن الكثير على الرجال فقط، إلا أن تلك اللعبة المسلية هي لعبة للرجال والنساء والمراهقين، بل والصغار أيضاً.
فبمجرد أن يتعلم الطفل قواعد اللعبة ويبدأ في تطبيقها، فإنها تكون بمثابة تمرينات عقلية للمخ على مهارات التفكير التحليلي وللذاكرة أيضاً.
فهي تضع الطفل في إطار واقعي من التداعيات التي تتطلب حل مشكلات، مما يدرب المخ على طرق مختلفة وصحية في التفكير والتحليل للوصول لأفضل حركة واستمرار اللعب.
كما أنها تعتمد دائماً على الاختيارات، فاللاعب لديه رقمان في النهايتين وعليه اختيار أيهما هو الأفضل لمطابقته واللعب من خلاله.
تلك العملية المركبة تعزز مهارات اتخاذ القرارات، وتعلّم صاحبها مهارات الحسم والتوكيد، فهو يقرر وينفذ فوراً.
بالإضافة إلى أن عمليات اتخاذ القرارات المتوالية تلك تولّد لدى صاحبها ثقة عالية بالنفس، مما ينعكس على صحة الطفل النفسية أيضاً وليست العقلية فقط.
فهنا لا نتحدث فقط عن تعليم بعض المهارات، إنما هي بناء متكامل لشخصية طفل قوي سوي وصحي، هذا بجانب أنها تدخل بشكل أساسي في تعليم مهارات التحليل والمنطق والمهارات الحسابية.
وحتى في سن ما قبل المدرسة، تستطيع استخدام قطع الدومينو لتعليم طفلك الصغير العد والأرقام ومبادئ الرياضيات في سن مبكرة عن طريق اللعب والتفاعل.
5- كونكت فور
لعبة يلعبها الكثير من الأطفال بالفعل، وأحياناً يقوم الآباء بمنعهم عنها بدافع أنهم يضيعون وقتهم بألعاب غير مفيدة.
بالرغم من أن تلك اللعبة تحديداً تعمل على زيادة التركيز في المخ بشكل كبير وملحوظ، فإنها تعتمد على أن ينتبه اللاعب للاحتمالات المختلفة لدى اللاعب الآخر لتكوين صف متوالٍ من نفس اللون، وبالتالي تجعل المخ في حالة انتباه للتفاصيل الصغيرة والبدائل المختلفة في الصفوف الجانبية.
هذا كله يعمل على تعزيز ما يسمى بالوظائف التنفيذية في المخ، وهي الوظائف المسؤولة عن التركيز والانتباه والذاكرة القوية.
والمميز أيضاً في تلك اللعبة هو تنمية الإدراك البصري لدى الطفل، فاللعبة تعتمد على الرؤية والملاحظة والإلمام بالاحتمالات البصرية المحيطة بالقطع. وبالتالي هي تعزز لديه مهارات الإدراك البصري والحسي.
بالإضافة لتنمية القدرة على التخطيط ووضع البدائل المختلفة، كما أنها تقوي العضلات العلويّة والدقيقة لليدين، عن طريق إمساك تلك القطع الصغيرة وإسقاطها في الفتحات الخاصة بها.
وتعمل على تدريب الطفل على سرعة التفكير والاستجابة. وتقوي لديه القدرة على الملاحظة والدقة في تتبع المحيط به.
وتدرب الطفل على التنبؤ بنتائج الأفعال، فعليه أن يتوقع ناتج الحركة التي يقوم بها اللاعب الآخر على اللعبة ككل. وهذا التدريب هو تدريب مركب على مهارات المرونة والتخطيط وحل المشكلات.
عالم الألعاب هو عالم واسع وكبير به العديد من الفوائد التي يمكن أن تعود على أطفالنا، وتعلمهم وتحميهم من خطر المكوث أمام الشاشات طويلاً، أو البقاء فارغي اليدين دون فائدة تُذكر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.