يبدو أنه قد تأكّد بالفعل خبر إقدام البوليساريو على قصف منطقة الكركرات عشوائياً بأربعة صواريخ، بحسب مصادر إعلامية رسمية محسوبة على الجبهة، وبحسب شهود عيان من الموقع الحدودي أيضاً.
ومن خلال ملاحظة تأثير عملية القصف تتضح نوعية الصواريخ المستعملة، والتي ستكون في الغالب من نوع غراد بي، سهلة الاستخدام، نظراً لسهولة نقلها ونصبها، لكنها ذات القدرة التفجيرية المحدودة، والاستهداف غير الدقيق.
حيث لم تنجم عن عملية القصف أية أضرار بالمنشآت القريبة من المعبر الحدودي، فيما تبقى بقية التفاصيل التقنية غير واضحة المعالم، وتنطوي على عديد من الاحتمالات.
الاحتمال الأول يتمثل في أنباء تروّج حول لجوء عناصر البوليساريو إلى استعمال سيارات مدنية للتسلل إلى منطقة الكركرات، وقصف مناطق بالقرب من المعبر الحدودي.
إن صحّ هذا الاحتمال فمعنى ذلك أن قيادة الجبهة تلعب بالنار فعلاً، فالأمر يتجاوز إمكانية وصمها بالإرهاب نظراً لاستهدافها لمنشآت مدنية، إلى خرقها لقواعد الاشتباك المتعارف عليها دولياً، التي تفرض تمييز العناصر المقاتلة والآليات والمنشآت العسكرية عن غيرها من الآليات والمنشآت المدنية، تفادياً للتسبب في أي ضرر يلحق المدنيين.
ورغم لجوئها في فترات سابقة في حربها الأولى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إلى استهداف ممنهج للمدنيين من خلال عمليات اقتحامات واختطافات عسكرية لمدنيين على نطاق واسع، فقد استطاعت البوليساريو أن تحافظ على سمعتها الدولية كـ"حركة تحرر"، بعيدة عن التصنيفات الإرهابية، لكن ومع استهدافها لمنشآت مدنية كمعبر الكركرات، بحسب توصيف الأمين العام الأممي، إلى جانب توظيفها لمظاهر مدنية للتغطية على عملياتها العسكرية، فسيسهُل على المغرب إقناع حلفائه من القوى الدولية الهامة بتصنيف الجبهة مجموعةً إرهابيةً.
أما الاحتمال الثاني فيتمثل في أنباء غير مؤكدة، تُشير إلى تسلل مقاتلي البوليساريو إلى داخل الحدود الموريتانية، ونصب منصة صواريخ الغراد التي تم استخدامها في عملية قصف منطقة الكركرات، من داخل عمق الأراضي الموريتانية.
وهذا احتمال وارد جداً؛ نظراً إلى استحالة تمكّن عناصر البوليساريو من التموقع في الشريط العازل، المحاذي لكل من الجدار العسكري والحدود الموريتانية، بقطاع بير كندوز، والذي لا يتجاوز عرضه في الغالب 5 كلم، كما يتميز بتضاريس منبسطة وبغطاء نباتي شبه منعدم، ما يعني صعوبة استخدامه من طرف عناصر الجبهة لشنّ هجمات عسكرية، أو للتخفّي والتمويه لأغراض عسكرية.
فضلاً عن وجود الشريط الحدودي الضيق بكامله في مجال الرادارات المنصوبة في المواقع العسكرية المغربية المتقدمة، ولربما أيضاً في مجال رؤية عناصر الجيش المغربي، وبالتالي سهولة استهداف أي موقع بداخل الشريط العازل.
توقّع يدعمه فشل عملية القصف في إصابة أي هدف في منطقة المعبر الحدودي، ما يعني أن مسافة القصف تُقارب المدى الأقصى لصواريخ غراد، والذي يصل إلى 20 كلم.
فتنفيذ عملية القصف من داخل الشريط الحدودي قد يمكن عناصر الجبهة من التموقع في مسافات أقل، وبالتالي دقة أكثر في إصابة الأهداف، لكنه سيعرّض عناصر البوليساريو للاستهداف من طرف الجيش المغربي، نظراً لضيق المسافة ما بين تمركزات الأخير على الجدار العسكري وما بين الحدود الموريتانية.
في جميع الأحوال يستبعد أن تكون موريتانيا الرسمية قد تواطأت على السماح لعناصر البوليساريو بالتسلل إلى داخل أراضيها، باعتبار موقفها الضمني المؤيد للإجراءات الأمنية والعسكرية التي دشنها المغرب في الكركرات، والمعبر عنه من خلال تنسيقها لعملية تسيير المعبر مع الجانب المغربي مباشرة، بعد تدخل الأخير الأمني في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
لكن ما ينفي احتمال تسهيل موريتانيا لأي تحركات للبوليساريو على أراضيها، المحاذية لقطاع بير كندوز، هو تضرر اقتصادها الفادح من أي توتر تشهده المنطقة الحدودية، نظراً لاعتمادها على المعبر الحدودي في تأمين جزء معتبر من حاجاتها الغذائية، إضافة إلى قرب المنطقة موضوع التصعيد من عديد من المواقع والمنشآت الموريتانية الحساسة، في مقدمتها عاصمتها الاقتصادية نواذيبو، ومسار سكة القطار الخاص بنقل خام الحديد إلى ميناء التصدير، المحاذية لحدودها الشمالية.
لكن على العموم، ستكون موريتانيا مطالبة من طرف الجانب المغربي، باتخاذ إجراءات أكثر صرامةً لتأمين حدودها المحاذية للجدار المغربي، وربما ستفرض التطورات الأخيرة تنسيقاً أمنياً وعسكرياً أكثر فيما بين الجانبين، على حساب علاقات موريتانيا مع البوليساريو، التي لا يمكن لعناصرها المسلحة الاستغناء عن استخدام ممرات داخل التراب الموريتاني، خاصة في قطاع آمكالا، الذي يفصل فيما بين مواقع الجبهة شمال الإقليم وجنوبه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.