إعجابات لتحسين الصحة النفسية والمستخدمون هم السلعة.. ماذا تعرف عن إدمان فيسبوك وتويتر؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/22 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/22 الساعة 12:48 بتوقيت غرينتش
IStock

لي واحدة من صديقاتي كان لها حضور كبير على "السوشيال ميديا" أو مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، وغيرها)، بعد فترة قررت الابتعاد تماماً عن الظهور الإعلامي والأضواء المسلطة عليها ومتابعة الأخبار المنشورة على تلك المنصات. بينما كانت هي في أوج تألقها ونجحت في أن تُعلم الناس بما تقدمه لأبناء جلدتها، لا أعلم سبب اختفائها المفاجئ ولكنني أحترم قرارها بشدة. فلقد استطاعت أن تتغلب على أحد أقوى أنواع الإدمان المخفية تحت لافتات التواصل الاجتماعي والتبادل الثقافي ونشر الأخبار الهامة وبعض الأحيان تبادل السلع وقضاء المنافع العامة مثل البحث عن موظفين أو وظائف شاغرة أو إعلانات عن ورش تعليمية أو ندوات ومحاضرات. لكن تلك المنصات بعينها تستخدم كمنصة لبيع مستخدميها للشركات المعلنة والحكومات في بعض البلدان. وكان هذا أحد أهم دوافع وأسباب صديقتي للابتعاد عن فيسبوك وتويتر وإنستغرام.  

وفي قرارة نفسي أجده قراراً فيه من الحكمة الكثير، فنسبة الفائدة من مقاطعة تلك المواقع بالمقارنة بالضرر منها كبيرة، وكأنك في منجم تحفر لساعات من أجل القليل من المعلومات وفي خلال بحثك تصطدم بالكثير مما هو سام وضار ومؤذ. 

المشكلة الحقيقية فيمن يتبارون في اجتلاب المتابعين بالزيف والتدليس، فعلى سبيل المثال لا الحصر تبنت البلوجر الشهيرة مايكا ستوفر طفلاً توحدياً من الصين  لتربيه، وبعد أكثر من سبعة وعشرين فيديو عن الطفل وعن رحلة تبنيه وملايين الإعجابات وعشرات الإعلانات المدفوعة على قناتهم، ما كان من العائلة السعيدة إلا أن تتخلى عن الطفل والسعي في تركه لدى أسرة أخرى مدى الحياة متعللين بأن الإدارة التي سمحت لهم بتبني الطفل لم تكن بالشفافية الكافية لتخبرهم عن ماهية الحالة الصحية للطفل، فوجدوا أن الطفل بحاجة لرعاية واهتمام تجاوز قدرات الأسرة.

وتلك الأسرة الأخرى التي تشارك أنشطتهم اليومية حتى رحلاتهم إلى المتجر لشراء اللعب المبالغ في ثمنها وجلها عليها صور نفس الطفل البلوجر، وما الفيديو إلا عبارة عن استعراض للعب وكيفية اللعب بها، والأطفال يكتفون بالمشاهدة عوضاً عن اللعب!

وعائلة أخرى بها أربعة مراهقين يفتعلون المقالب، ويلعبون بشتى أنواع الطعام في ترف وإسراف لإضحاك المشاهدين الذين يشترون قمصانهم وخواتمهم وألعابهم التي يرشحونها للشراء.

تُرى ما المتعة في مشاهدة الآخرين وهم يلعبون ويأكلون ويعيشون حيواتهم ويعرضونها؟ ما الفائدة التي أتت علينا لنتأثر بما فعلوا ونفعل مثلهم لأن هذه بحكم خبرتهم هي الحياة المثالية؟ ولمَ كل هذه الفيديوهات دون موضوع محدد أو مضمون مفيد؟

رحلة البحث عن لايكات فيسبوك

كل هذا من أجل حفنة الإعجابات أو "لايكات"، ولو زادت "اللايكات، زاد المشاهدون، فيزداد طلب الإعلانات… وهكذا يتحدد سعرك.

لما وجدت الجميع خصوصاً بعد تأثر العالم أجمع بأزمة الكورونا يتوجهون للتسويق الأإكتروني وفن صناعة المحتوى، أخذني الفضول لأقرأ في هذا الموضوع، وقرأت عن موضوع كسب المال من خلال قنوات منصات التواصل الاجتماعي، واكتشفت مدى إجحاف هذه الجهات في شروطها، فلا بد أن يتعدى عدد المشتركين رقماً يتجاوز الألف مشترك، وكذلك يجب أن يتعدى عدد المشاهدات العشرة آلاف مشاهدة وأن تتجاوز مدة المشاهدة الثلاث دقائق الأولى، وكلما طال الفيديو كان أفضل حتى يستطيعوا حشو الفيديو بإعلانات كثيرة والتي في الأغلب الأعم مملة، وعلى الأحرى الإعلان سيكون عن بضاعة قد أصابها البوار، وفي الغالب أنت لست بحاجة لها، لينتهي بك الأمر أن تضغط "تخطي الإعلان" في ملل ولا تتذكر حتى بعد دقائق عن كُنه البضاعة المعلن عنها أساساً، وكل هذا لا يعني شيئاً إن كان مشاهدوك من دولة لا تدفع بالدولار، أنت تحصل على المال بعملة مشاهديك.. تخيل؟

صناعة البهلوانات


يصنعون منا بهلوانات، هذا يفتعل السماجة أحياناً وهذا يكذب أحياناً ويلفق أحياناً، وهذه تتفنن في الكذب من أجل حفنة لايكات، يصنعون منك مسخاً ينتظر كل حدث ليشاركه دون أن يستمتع به من أجل حفنة لايكات، يجبرونك على بيع خصوصيتك بأبخس ثمن وحفنة من اللايكات.

لا تنزعج عزيزي القارئ فأنا مثلك، أنتظر أم فاتن على أحر من الجمر كي تخبرني بما ابتاعته من السوق اليوم، وماذا أهدتها صديقاتها في عيد ميلادها، وما الذي اشترته من ذاك الدكان وما الذي تنصح بشرائه من هذا الحانوت، وأنا أصدقها وأنهال عليها بلايكاتي وأرد بضراوة على "العقربة" التي تضايقها في التعليقات وأنحاز لأجلها في كل مرة لأني أعلم من فيديوهاتها أن أكل العيش مُر وأنها مضطرة من أجل حفنة لايكات، وأنا أيضاً أملأ فراغي ومضطرة من أجل حفنة لايكات، والعقربة مضطرة أيضاً لأنها ستفتتح "بيزنس" منافساً وبحاجة لحفنة من اللايكات، وهذا أيضاً الذي يعيث في الأرض فساداً، يرتاد أروقة التعليقات يصلح هذه على هذه ويذهب للشات مع هذه، وهذه، هو أيضاً مضطر من أجل حفنة من الحسناوات الفاتنات ولا بأس بالقليل من اللايكات. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شامة عمران
مُترجمة تعيش بأمريكا
تحميل المزيد