بعد عقد على ثورة 25 يناير.. هل ستبقى الديكتاتورية في مصر إلى الأبد؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/20 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/20 الساعة 10:29 بتوقيت غرينتش

ها نحن نستقبل عام 2021 بذكرى مرور عشرة أعوام على قيام ثورة 25 يناير، ورغم مرور تلك الفترة الزمنية الطويلة، فإن مصر مازالت على نفس الوضع السياسي والاجتماعي المتدني، وربما "زاد الطين بلة".
فبعد عقد على اندلاع الثورة لم يتحقق شيء من أهدافها وغاياتها، فقط تغيرت ملامح العهد القديم وانتقلت السلطة من يد إلى أخرى، مع بقاء المبادئ الحاكمة، وبقي حال الشعب في القاع وبين الشتات.

لكن النقطة المحورية التي أودّ مناقشتها في هذا المقال هي التغيرات التي طرأت على النظام السياسي، وهل ستؤدي تلك التغيرات إلى حدوث ثورة أو انقلاب عسكري آخر، أو أي تغيير سياسي مرتقب في مصر؟
 

والمقصود هنا بالتغيرات هي الطريقة التي تُدار بها الدولة، أي نظام الحكم، وما يترتب على طريقة نظام الحكم، والغاية من السلطة، وبعض العوامل التي قد تؤدي إلى هاوية السقوط، أو ترفع الدولة والنظام إلى قمم النجاح والتنمية الحقيقية. وقلنا في السابق إن الوضع انتقل من السيئ إلى الأسوأ كما هو واضح لأغلب المهتمين بالشأن المصري وما يدور على الساحة السياسية المصرية، ومعنى ذلك أن ما نتج عن نظام الحكم الحالي هي العوامل التي قد تؤدي إلى سقوطه.

التاريخ يعيد نفسه 

من المستحيل إنكار أن ثورة 25 يناير قد أطاحت بالنظام السابق، رغم الصعوبات التي تجزم باستحالة سقوط هذا النظام، بالإضافة إلى ذلك فإن النظام السابق لم يكن مستجداً، بل كان تحت بند "الدولة العميقة" التي مددت جذورها في جميع مؤسساتها. 

أما النظام الحالي فمازال مستجداً ومستحدثاً، مع العلم أن هناك محاولات متسارعة للاستحواذ الكامل للدولة.

وذلك التسارع هو ركن أساسي لخلق العوامل التي تؤدي إلى سقوط النظام، والنظام ينحصر في الشخص مالك التشريعات والقوانين غير المحدودة وصاحب الأمر والنهي "الديكتاتور المفضل"، لأن أغلب الدول العربية تفتقر للإدارة المؤسسية التي لا تعتمد على حاكم أو رئيس بعينه. المعضلة تكمن في أن القيادة المصرية الحالية لم تتعظ مما حدث مع النظام السابق، بل اعتقدوا أن المشكلة في سقوط النظام هي ترك مساحة ولو ضئيلة للمعارضة، فوجب القضاء على المعارضة وتكميم الأفواه، ولم تدرك القيادة الحالية أن النظام السابق قضى على ذاته حينما اتبع السياسات الخاصة التي تعتمد على المصلحة الشخصية، بدون أي اكتراث للشعب الكادح، والتي تنتهك كل ما له علاقة بحقوق الإنسان والمواطن.

وهنا يتضح التشابه بين الرؤية السياسية لدى النظامين، السابق قضى على ذاته وهو غافل، والحالي يتبع نفس الخُطى بدون ذرة إدراك، والتي تؤدي للسقوط المحتم، وأكاد أجزم بأن التاريخ يعيد نفسه مع بعض الاختلافات الطفيفة في العوامل التي قد تؤدي إلى سقوط النظام.

تصادم النظام مع الشعب

مع تسارع النظام في استعادة السيطرة الكاملة على الدولة ومؤسساتها وبسط نفوذه والتلاعب بالقوانين واللوائح والأعراف، تمهيداً لبناء الإمبراطورية العسكرية، ترى في الجانب الآخر حدوث تصادم بين النظام وبين أغلب فئات وطوائف الشعب، حتى تتشكل في النهاية العوامل التي سوف تؤدي لسقوط الديكتاتور المفضل.

القوى العاملة

وعلى سبيل المثال التصادم مع "القوى العاملة"، الذين ضاق عليهم الخناق بسبب الرفض والاحتجاج، بعد تعرض أغلبهم للتشرد والاعتقال والبطالة، وذلك بسبب تصفية الشركات التي لا تلقى أي اهتمام وأولوية لدى النظام، والتي كانت تساهم بشكل كبير في ارتفاع اقتصاد الدولة، وآخرها شركة "الحديد والصلب" التي يبلغ عدد العاملين بها نحو

 (7114) عاملاً.

الأطباء

مع بداية انتشار "فيروس كوفيد 19" بدأت منظومة الأطقم الطبية في الانهيار، وتساقط الكثير من أفرادها، وأيضاً تجد ازدياداً مستمراً في حالات الموت لدى المصابين بالفيروس التاجي. والسبب الرئيسي في ذلك هو الإهمال الوزاري، والاستهتار بأرواح المواطنين، وعدم توافر المستلزمات الطبية والوقائية وأنابيب الأكسجين للأطقم الطبية وللمواطنين، وعلى سبيل المثال ما حدث في "مستشفى الحسينية" وموت معظم المرضى بسبب نفاد خزانات الأكسجين، وكل هذا على غرار كثرة مشاريع الطرق والكباري والإسراف في المال العام، مع انعدام أي فائدة تعود على المواطن، وأيضاً كثرة الديون، وترتب على ذلك تصادم النظام مع الأطقم الطبية.

القضاء

أما عن التصادم مع القضاء فهو ناتج عن عدة أحداث، بداية من تسليم "تيران وصنافير" للسعودية، مروراً بالقضايا السياسية والإعدام الجائر، آخرها انتزاع استقلالية القضاء بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، التي أعطت الشرعية الجامحة للحاكم، وبالطبع القضاة الشرفاء رفضوا تسليم الجزيرتين، ورفضوا الانسياق في القضايا السياسية، وأما عن نزع الاستقلالية فكانت القشة التي قسمت ظهر البعير، وهناك الكثير والكثير من الأمثلة والتصادمات والعوامل التي ستؤدي يوماً ما إلى سقوط هذا النظام.

عامة الشعب 

وبعد كل هذا مازال النظام الحالي يعتقد أن الخطر يأتي من المعارضة، مع العلم أن معظم الذين شاركوا في ثورة 25 يناير لم يكونوا منضمين للمعارضة وتياراتها، بل كانوا مواطنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، حتى تصادم النظام معهم في مشاغلهم وبيوتهم وحرياتهم وكرامتهم ومستقبلهم، وها هو النظام الحالي يسير على ذات الخُطى، يتصادم ويعتصر الشعب من تهجير وتشريد، وفرض للضرائب والرسوم، والاعتقالات الجائرة لكل من يطالب بحقوقه المشروعة.

وماذا بعد؟

من الأكيد أن النظام بعد كل الأحداث التي طرأت على الشعب منذ تولي "الديكتاتور المفضل" زمام الأمور، ومع مرور الوقت يفقد الجماهيرية الشعبية العظمى المطلوبة لبقائه في الحكم، ولم يتبق حول دائرة النظام سوى شيوخ المنصر، والأبواق الإعلامية، وكل المنتفعين من بقاء النظام على قيد الحياة.

وهنا تأتي الفرصة المنشودة لقوى المعارضة المتبقية، واللعب على أوتار "التاريخ يعيد نفسه"، بمعنى أن يكون هناك تخبط بين قوى المعارضة وبين أزرع النظام، مع تجنب أي احتكاك مع القيادة الحالية، والتخبط فيما معناه هو مواجهة وكشف الفساد المؤسسي، وفضح التزوير والانتهاكات التي تحدث بحق الشعب، وهنا ينتج ما يسمى "الفوضى الخلاقة"، التي يترتب عليها حدوث ضعف لدى النظام وتعرضه للسقوط المحتم والقريب.

المرحلة التأهيلية الانتقالية

 وجب على الجميع التعلم من أخطاء الثورة، وتجنب كل العقبات التي قد تواجه الشعب في المرحلة الانتقالية، أو كما يجب أن تسمى في حالتنا هذه "المرحلة التأهيلية". وأولى الخطوات تأهيل الدولة ومؤسساتها والشعب لنظام ديمقراطي حقيقي، وتأهيل القانون لحفظ حقوق الإنسان والحريات والمواطن والأجيال القادمة، لعدم تكرار أي انقلابات في المستقبل. ولتجنب سرقة الثورة مرة أخرى وجب وجود "حكم ائتلافي" من جميع طوائف وفئات الشعب، تمهيداً للتأهيل الديمقراطي. والحكم الائتلافي يجب أن يبقى حاضراً في المرحلة الانتقالية الأولى، قبل أي انتخابات رئاسية، وأيضاً في المرحلة التأهيلية الثانية بعد انتخاب رئيس شرعي، وأيضاً يجب على الأطراف المعنية في الحكم الائتلافي تسوية الوضع السياسي وجميع الخلافات مع الجهات العسكرية، وحفظ مكانة الجيش النبيل وقياداته، وكل هذا تجنباً لسرقة الثورة مرة أخرى، وأيضاً لتجنب حدوث أي انقلاب، حتى يتحقق الحلم المنشود، بوجود الدولة المصرية الديمقراطية، دولة تحفظ حقوق وكرامة المواطنين، دولة مزدهرة اقتصادياً وسياسياً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد جاد
كاتب مصري
مدون سياسي مستقل وعضو منظمة العفو الدولية
تحميل المزيد