قبل أسبوع من يوم الثلاثاء الموافق 25 يناير 2011 اجتمعت مع شباب وممثلي القوى الثورية في مدينة المنصورة المصرية، وتم الاجتماع في مقر الحزب العربي الناصري. وحضر الاجتماع شباب ينتمون لليسار المصري والجمعية الوطنية للتغير وحركة كفاية وأفراد من الإخوان المسلمين. تناقشنا حول فكرة الدعوة للتظاهر في يوم 25 يناير/كانون الثاني التي أطلقتها صفحة خالد سعيد تزامناً مع أعياد الشرطة المصرية.. وهل من الممكن أن نرتب وقفة احتجاجية -كالمعتاد- أمام ديوان عام المحافظة أو مديرية الأمن علي "كورنيش النيل" أم نطلق مسيرة احتجاجية تجوب المدينة؟ اختلفت الآراء وطال الاجتماع التحضيري حتى الحادية عشرة مساء وانتهى باتفاق مبدئي بتنظيم مسيرة احتجاجية تنطلق من مسجد الجمعية الشرعية في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني.
بعد اجتماعنا بمقر الحزب العربي الناصري بعدة أيام، اجتمعنا يوم الجمعة في مقر يشرف عليه أنصار للدكتور محمد البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير، كان ممثلو القوى السياسية وشباب الأحزاب وحركة 6 أبريل يضعون التفاصيل والرتوش الأخيرة على فعاليات يوم 25 يناير.. وزعت المهام وحددت خطوط السير وصممت وطبعت المنشورات التي ستوزع في الأيام المقبلة في الشوارع لدعوة عموم الناس للمشاركة في المسيرة.
منشورات 25 يناير
وقد كان لي نصيب من تلك المطبوعات وكان الاتفاق يقضي بألا توزع مباشرة في الشاورع منعاً للتعقب أو الاعتقال على يد مخبري الشرطة المصرية. وكان البديل هو أن نرمي المنشورات من فوق أسطح البنايات السكنية في المناطق المزدحمة في المنصورة، كشارع الجلاء، شارع الثانوية، شارع محمد فتحي، حي السلخانة، السكة الجديدة وشارع بنك مصر وبالفعل، تحركت إلى شارع الجلاء في اليوم التالي مساء، ومعي آلاف المنشورات التي تدعو إلى التظاهر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011.
تسللت إلى إحدى البنايات الكبرى التي كانت تعج بمراكز الدروس الخصوصية لطلبة الثانوية العامة والجامعات، ومن أعلى سطح البناية ألقيت نظرة على المنصورة فأبصرت الهزيمة، ورأيت الاكتئاب، غلاء الأسعار، والرتابة، وجدتهم يأكلون في جسد البلاد بينما رائحة الطعمية المحترقة تنتشر في الأرجاء. وسمعت الكثير من السيارات تحاول التشويش على أصوات الهزيمة بأغاني عمرو دياب من مكبرات الصوت، وسمعت همهمات الطلبة من سكان المدينة الجامعية المغتربين وكثير منهم يفكر في الانتحار أو العودة إلى حضن أمه.
ومن ثم رميت بمئات المنشورات ورحت أرمي الدفعة وراء الأخرى ومن ثم هرولت إلى الأسفل، وحين خرجت من باب العمارة، كانت السماء تُمطر ورقاً، أملاً مرتقباً، دعوة للصحوة، حكاية للتغيير وهتاف مكتوم ربما يتسرب بين الجماهير.
دسست نفسي بين المارة والعابرين ومضيت في طريقي بينما الأوراق والمطبوعات تتطاير أمام الشرفات وتلتصق برؤوس العابرين، يتلقفونها بأياديهم ويقرأونها أو يتجاهلونها. كثير منهم ألقى بالأوراق أمام عيني على الأرض، وبعد دقائق كانت الأرض معبدة بالدعوة إلى الثورة، وكان المارة يعبرون من بين أوراق الدعوة المتطايرة والمتناثرة في الشارع.
لم تكن تلك هزيمة على الإطلاق، بل سجلت ثورة 25 يناير انتصارها بحضورها وإعلانها عن نفسها تلك الليلة في المنصورة، قبل أن تكون واقعاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.