تاريخ طويل من التحديات والخلافات.. كيف ستبدو العلاقات التركية الأمريكية في عهد بايدن؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/18 الساعة 15:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/18 الساعة 15:14 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن خلال توليه منصب نائب الرئيس/رويترز

 تعتبر تركيا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، منذ انضمام تركيا إلى حلف الشمال الأطلسي "الناتو" سنة 1952، لا سيما، أن دخول تركيا إلى هذا الحلف، أعطى بُعداً جديداً للعلاقة الثنائية بين البلدين.

 غير أن تركيا عرفت عدة انقلابات عسكرية متتالية، أثرت بشكل كبير في السياسات الخارجية التركية، لكنها في المجمل كانت تميل دائما إلى الصف الأمريكي، بحكم توجهات العسكر المتحكم في تلك الفترات.

 إلا أن بروز عنصر جديد داخل المشهد السياسي التركي، سيقلب الموازين لصالح الإرادة الشعبية والشرعية المكتسبة من الانتخابات، وكان ذلك بميلاد حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية.

هنا سوف تتغير هوية وقيمة اللاعب الرئيسي في الساحة السياسية التركية، ونظيره الأمريكي الليبرالي، مع الإبقاء على نفس المصالح. 

سوف نختصر في هذا المقال أهم المراحل التي مرت بها العلاقة بين البلدين مع التركيز على حقبة حزب العدالة والتنمية الذي ما زال يتولى السلطة. إضافة إلى أهم التطورات التي أثرت على هذا التحالف في حقبة "أوباما وترامب" وما هي أهم السيناريوهات القادمة مع قدوم "بايدن". الأسئلة المتاحة:

ما هي أهم المراحل التي ميزت علاقة البلدين؟ وكيف أصبحت العلاقة بعد أن تولى حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا؟ وكيف كان ذلك التعاون وكيف أصبح؟

1- العلاقات التركية-الأمريكية قبل وصول حزب العدالة والتنمية  

 شهدت العلاقة الثنائية بين الطرفين، خلال هذه الحقبة الممتدة بين 

(1980/1974) عدة أحداث وتطورات متباينة، كونها هي الأصعب بين الطرفين. حيث عرفت العلاقة نفوراً وتعقيداً بين الجانبين بعد أن فرضت واشنطن على أنقرة حظر توريد السلاح وذلك بعد دخول هذه الأخيرة منطقة "جزيرة قبرص" من أجل مساندة الجانب التركي. إلا أن ذلك لم يدُم طويلاً، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي حدث سنة 1980، حيث أعاد العسكر العلاقة بين البلدين إلى سابق عهدها.

ومنذ ذلك الزمن، ورغم وقوع عدة انقلابات عسكرية أطاحت بالسلطة في تركيا (1995،1997،1982). إلا أن العلاقة بين الجانبين تميزت بالتماسك؛ خاصة أن أنقرة كانت في بعض الأوقات من المساندين لخطط الخارجية الأمريكية واستراتيجياتها في المنطقة.

 لذلك نستنتج من هذه المرحلة أنه رغم وقوع عدة انقلابات داخل تركيا، إلا أن التوجه العام في هذه المراحل كان يخدم مصالح أمريكا، ويساندها في عدة قضايا داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

2- وصول العدالة والتنمية إلى سدة الحكم

 غير أن الحدث الذي كان يمكن أن يربك التعاون بين البلدين، هو صعود نجم حزب العدالة والتنمية، في سماء الحياة السياسية التركية وتوليه مقاليد الحكم في انتخابات ديمقراطية سنة 2002.

 لاسيما أن الفكرة التي طرحت من قبل المحللين آنذاك، هي اختلاف هوية الوافد الجديد على الحكم في تركيا، مع قيم وهوية الدولة الأمريكية. كون أن صاحب السلطة في أنقرة، ذو مرجعية إسلامية، ويحكم دولة متشبعة بنظام علماني، تركه لها مؤسس تركيا الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك".

ورغم تلك المرجعية المتناقضة مع الجانب الأمريكي، إلا أن ذلك لم يؤثر على العلاقة والتعاون المشترك بين الدولتين وقد ظهر ذلك جلياً من خلال غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق سنة 2003.

فبالرغم من أن البرلمان التركي ذا أغلبية الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، صوت ضد "غزو بغداد" 1مارس 2003، خاصة أن أمريكا قد أعطت في هذا الصدد عدة تحفيزات وإغراءات مالية وسياسية للسلطة من أجل القبول بالعرض.

لكن بعدها طلبت أمريكا من تركيا فتح مجالها الجوي، لمرور الطائرات لغزو العراق. وهذا بالفعل ما حصل، عندما صوت البرلمان التركي بأغلبية مريحة، لصالح القرار يوم 19 مارس 2003. وتعززت العلاقات بين البلدين بعد ذلك، لتسلك طابعاً استراتيجياً، بعد مجيء رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية "باراك أوباما" سنة 2009، ورؤيته المخالفة للرئيس الأسبق (جورج بوش) اتجاه المنطقة والعالم الإسلامي.

أيضاً التواجد القوي لحزب العدالة والتنمية داخل تركيا ساعد في ذلك، عندما أصبح "عبدالله غل" رئيس تركيا و"رجب طيب أردوغان" رئيساً للوزراء سنة2007، وهو ما أعطى أبعاداً وتوجهات جديدة للعلاقة بين الطرفين. لكن ذلك التعاون لم يستمر بتلك الطريقة الفعالة، بل أضحى هناك صراع مصالح داخل المنطقة.

لاسيما أن تركيا لم تعد "تركيا القرن الماضي"، فقد أصبحت قوة اقتصادية وعسكرية صاعدة. وهو ما جعلها تبتعد عن ظل الغرب وتدافع عن مصالحها بنفسها، وخُطط لهذا فعلياً بخطى ثابتة من طرف الحزب الحاكم في تركيا. خاصة عند تولي "رجب طيب أردوغان" رئاسة البلاد سنة 2014.

وهنا سوف نعطي أهم الخلافات والتحديات التي ظهرت في الساحة بين البلدين، في عهد حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، وهي كالتالي:

  • تصويت أنقرة ضد قرار أمريكي سنة 2010 في مجلس الأمن يفرض عقوبات ضد إيران.
  • اختلافات بين الجانبين عند حدوث الثورات العربية.
  • الخلافات تجاه الثورة السورية وخاصة تجاه إسقاط بشار.
  • معارضة تركيا الشديدة للدعم الذي تقدمه واشنطن لحزب الاتحاد الديمقراطي والذي تعتبره أنقرة "حزباً إرهابياً" حيث ينتمي إلى منظمة "حزب العمال الكردستاني".
  • ‏معارضة الولايات المتحدة الأمريكية للتقارب التركي الروسي وخاصة في المجال العسكري.

كل هذا خلق صراعاً جيوسياسياً بين البلدين داخل منطقة الشرق الأوسط وطال عدة قضايا وأزمات تهم المنطقة.

تركيا أصبحت تنظر إلى عمقها الاستراتيجي، بعيداً عن المصالح الأمريكية بل باتت تعارضها وتناقضها في عدة قضايا وأزمات إقليمية ودولية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الرؤية التي يمتاز بها الحزب الحاكم، والتي تختلف عن رؤية الحكومات السابقة، التي مرت على الدولة العلمانية.

3- إفشال الانقلاب وتداعيات ذلك على علاقة الدولتين

  يعتبر فجر 16 يوليو/تموز 2016 حدثاً تاريخياً بالنسبة لتركيا منذ تولي حزب العدالة والتنمية، زمام السلطة في داخل البلد، وذلك من خلال محاولة فرقة من الجيش بقيادة العقيد "محرم كوسا" الانقلاب على  الحكم، بقيادة  الرئيس "رجب طيب أردوغان" حيث قامت المجموعة "الانقلابية"، بمحاصرة عدة مؤسسات، داخل  الدولة  وإطلاق النار عليها.

لكن التمرد على السلطة لم يدُم طويلاً وقد أرجع جميع المراقبين، والمحللين ذلك إلى "الوعي الشعبي"، والذي يظهر جلياً من خلال نزوله إلى الشوارع ومناهضة الانقلابيين، والتصدي لهم بالشعارات ورفع  العلم التركي.

لا سيما أن هذا الفعل الحضاري قد خلق ردود أفعال داخل وخارج تركيا، وأكد أن زمن نجاح الانقلابات وتغيير السلطة الشرعية جراء قبضة العسكر في تركيا قد ولى وحل محله "إرادة واختيار الشعب". ولا ننسى هنا الدور الذي لعبه اتصال الرئيس "أردوغان" في نزول الشعب إلى الشارع.

وأيضاً تفاعل الإعلام في إيصال ذلك النداء وقد أكد هذا أمرين أساسيين: الأول هو للشعبية التي يحظى بها الرئيس "أردوغان" داخل البلد، والدور الكبير للإعلام الذي لا غنى عنه داخل البلدان التي تطمح إلى بناء دولة "ديمقراطية".


وبالعودة إلى المواقف المتباينة التي ظهرت خلال ساعات الإفلات الأمني والتي كان من أهمها الموقف الأمريكي، حيث لوحظ أن هناك تناقضاً في الموقف الأمريكي عند بداية الانقلاب وبعد فشله وطرحت عدة استفهامات واستفسارات تجاه ذلك، لكن تركيا الرسمية وبرئاسة "أردوغان" وجهت أصابع الاتهام في محاولة الانقلاب أساساً، إلى معارضها "فتح الله جول" الذي لجأ إلى أمريكا سنة 1999 ويقطن الآن في مدينة "سلفانيا"، حيث طلبت "أنقرة" من "واشنطن"، تسليمه لها لا سيما أن هناك معاهدة بين الطرفين تخص نوعية هذه القضايا، وقد قدمت تركيا بعد ذلك معلومات لأمريكا تثبت تورط الزعيم المعارض في محاولة الانقلاب.

 4- التقارب التركي الروسي وتأثيراته

 مما لا شك فيه أن التقارب التركي الروسي في الفترة الأخيرة، وخاصة في عهد "دونالد ترامب"، قد خلق عدة تناقضات وأزمات بين البيت الأبيض وأنقرة في اتساع الفجوة بين البلدين، وحل محلها تقارب موسكو وأنقرة في المجال العسكري وتعتبر منظومة S400، هي أساس الابتعاد عن العم سام والتقارب من الدب الروسي، وهي منظومة دفاعية كانت تركيا تطمح إليها دائماً للحصول عليها وإدخالها منظومتها الدفاعية لمواجهة كل الأخطار.

خلق هذا في نهاية الرحلة إزعاجاً لدى الأمريكيين، وخاصة "دونالد ترامب "، حيث ترتب عنه في آخر المطاف عقوبات اقتصادية من "الكونغرس الأمريكي" على تركيا ليفتح المجال بشكل أوسع وتتوسع العلاقات بين تركيا وروسيا في المجالات الأخرى، ويمكن اعتبار التوافقات الإقليمية والدولية بين تركيا وروسيا أحد أبرز تلك التقاربات على المستوى الجيوسياسي والأمني والعسكري، وخير مثال على ذلك هو الاتفاق الثنائي الذي أنهى الصراع بين "أذربيجان وأرمينيا".

 لا سيما أن تركيا كان لها الدور الأكبر في انتصار "أذربيجان"، واسترجاع أراضيها التي سيطرت عليها أرمينيا خلال حرب التسعينات من القرن الماضي.

هذا التقارب الجيوسياسي أعطى نفساً آخر لتركيا لتلعب بأوراق جديدة، بل باتت تنافس النفوذ الأوربي في البحر الأبيض المتوسط.

 في الختام يستقيم القول بأن تركيا لم تعد حبيسة العوامل السابقة، فتركيا اليوم تمتلك شعباً لديه من الوعي ما يكفي وسلطة حققت تقدماً كبيراً في المجالات والملفات الاقتصادية والصناعية والعسكرية.

كما أكدت أنها ليست دولة مهمَّشة تتلاعب بها الدول الكبرى بل هي قوة إقليمية، يمكن أن تجاري الدول العظمى، لذلك نرى أن تركيا تريد أن تحبس علاقاتها مع أمريكا، عن طريق المصالح المشتركة فقط. وفي نفس الوقت، تربطها علاقات أخرى مع دول عظمى، تتعارض مع الحلف الأمريكي وحلف الناتو، والعلاقة القائمة مع روسيا خير شاهد، وهذا يبين أن أنقرة أصبحت تتعامل مع الدول الكبرى بالمثل والمصالح وبعبارة "الغاية تبرر الوسيلة."

 ليبقى السؤال المطروح هو:

هل يراجع بايدن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع تركيا في الأيام الأولى من التنصيب أم أن التقارب الروسي التركي سيبقى عائقاً في محددات العلاقات التركية الأمريكية؟ وهل تتجه أمريكا إلى عقوبات أخرى على أنقرة لإرجاعها إلى صفها خاصة في المجال العسكري والجيوسياسي؟ أم أن تركيا رسمت توافقاتها لتكون موازية ومنسجمة مع كل التطورات القادمة من البيت الأبيض؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبيد الله
باحث في العلوم السياسية
باحث مغربي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تحميل المزيد