وفقاً للعالم السياسي "مايكل باركون" تعتمد نظرية المؤامرة على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاثة مبادئ: لا شيء يحدث صدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه.
ولهذا تأتي نظرية "الأرض المجوفة" لتدعم وتبرهن على نظرية المؤامرة، حيث تتحدث تلك النظرية المثيرة للجدل حول أن الكرة الأرضية ليست صماء وأن هناك تجاويف تصل إلى عمق الأرض الداخليه تعيش فيها حضارات موازية لما فوق الأرض، وأن هناك سماء وشمساً وأجناساً أخرى، وحيوانات غريبة وعملاقة، وأن الوصول لقلب الأرض السفلى لا يكون إلا من ثقبين في القطب الشمالي والقطب الجنوبي، وبرهن أنصار تلك النظرية على وجودها بظاهرة الشفق القطبي، وسرعة خمود البراكين.
وقد ساقوا نظريات وأمثلة كثيرة على وجود تلك الأرض، ويؤمن أصحاب تلك النظرية بوجود مؤامرة من قبل جهات وحكومات تسعى لإخفاء الدلائل عن حقيقة جوف الأرض وحقيقته والعوالم والكائنات والمخلوقات التي بداخلها.
لقد أثار مشهد اقتحام المتظاهرين الغاضبين من أنصار الرئيس الأمريكي "ترامب" ذعراً كبيراً لدى أنصار النظام الديمقراطي في أمريكا والدول الغربية، حيث اعتبروا أن الهجوم على أعظم منتج بشري للتعايش وهو الديمقراطية بمثابة استدعاء لوحوش أصحاب نظرية الأرض المجوفة، الذين سيقضون على الحياة والحضارة الإنسانية، واستدعاء لنظرية المؤامرة لتؤكد أن ما حدث أمام مبنى الكابيتول لم يكن صدفة، وأن ما بدا من كمال النظام الديمقراطي فإنه ليس كما يظهر لما به من عيوب قاتلة، وأن كل شيء مرتبط ببعضه، ولعل أهمها هو وجود حكومة لا تخبر مواطنيها بكل ما يدور حولهم.
وقد أثارت صورة الشاب الأمريكي مقتحم مبنى الكابيتول، الذي يرتدي ملابس تنتمي لعصور زمنية قديمة ومسلح بوشومات لها دلالاتها على كامل جسده، فزعاً كبيراً داخل أمريكا، فما الذي تغير في المجتمع الأمريكي؟ وما دلالات استدعاء أزياء العصور القديمة؟! وما علاقة الوشومات على جسد الشاب بحركات سياسية مرتبطة بنظرية المؤامرة؟!
لكن كان الشكل الأبرز هو وضع ذلك الشاب فراء وقرني ثور أمريكي "بيسون" على رأسه، تشبهاً بزي سكان الإسكيمو، الذين يؤمنون بأنهم من نسل أجداد خرجوا من جوف الأرض تاركين حياتهم في الأسفل ليعيشوا فوق الأرض.
إن الحياة الديمقراطية الأمريكية يمكن تفسيرها وفقاً لنظرية الأرض المجوفة، فهي كانت بمثابة الحلم الكبير الذي أنشأه المهاجرون الأوائل الذين أرادوا تأسيس كيان جديد مختلف عن أوروبا بكل سلبياتها، وكان السبيل الوحيد للتعايش هو الديمقراطية الأمريكية التي أصبحت عنواناً كبيراً يشير إليه كل الحالمين بجنة الديمقراطية حول العالم، ولكن بمرور السنوات تبين أن أمريكا لم تكن كوكب الديمقراطية المصمت ذي الكتله الواحدة، بل إنها عبارة عن كوكب مجوف أقيمت على ظاهره الخارجي ديمقراطية على مقاس السكان البيض وحدهم، وأن الديمقراطية لم تستوعب الأجناس الأخرى من السود والأقليات العرقية الأخرى، حتى وإن نالوا بعض المكتسبات المدنية والذين ظلوا في جوف تجربة الكوكب الديمقراطي. ومع الأزمة العالمية في 2008 والأزمة العالمية 2020، وتولي رئيس أمريكي– ترامب – يؤمن بتفوق الجنس الأبيض على ظاهر التجربة الديمقراطية على ما عاداه من أجناس.
ساعد ذلك على تصاعد مطالبات أهل جوف التجربة الديمقراطية بالمزيد من الامتيازات التي يحصل عليها أصحاب البشرة البيضاء، ونبذ العنصرية المجتمعية، وتجسد ذلك بمظاهرات عارمة في أنحاء متفرقة من أمريكا. ولكن في المقابل صنعت القشرة الخارجية للديمقراطية الأمريكية وحشاً أبيض مستعداً لأن يقاتل إلى أبعد مدى في مقابل عدم تنازله عن امتيازاته لصالح أجناس يعتبرها أدنى منه درجة، حتى ولو استدعى شكلاً من أشكال أساطير الأرض المجوفة لتخويف كل من يفكر في التعدي على مكتسبات القشرة الخارجية للديمقراطية الأمريكية لصالح السود والأقليات العرقية أصحاب جوف التجربة.
ولهذا ينتظر المجتمع الأمريكى ردة الفعل التى ستكون عندما يمضي الكونغرس الأمريكي في محاولاته لعزل الرئيس "ترامب"، وسط دعوات لأصحاب البشرة البيضاء العنصريين للتجمع والتظاهر للدفاع عن الديمقراطية التي صنعها أجدادهم لضمان تفوقهم العرقي.
ويقف أنصار الديمقراطية أصحاب الكيان الواحد المصمت، الذين يرفضون نظرية الأرض المجوفة للديمقراطية، وقفة صامدة بمختلف انتماءاتهم العرقية ليحافظوا على أعظم مكتسباتهم للتعايش السلمي والحضاري داخل المجتمع الأمريكي.
أما عالمنا العربي والإسلامي فهو غارق في نظرية المؤامرة، ونظرية الأرض المجوفة، فالكثيرون يرون أن الديمقراطية مؤامرة كونية تحاك في الغرف المغلقة من قبل حكومات الغرب التي تعمل ضده، من أجل السيطرة عليه، رافضاً الانخراط الحقيقي في التجربة الديمقراطية، ويعتبرها رجساً من عمل الشيطان، وفي المقابل يؤمن بأن تلك المؤامرات ما هي إلا ظواهر لبداية النهاية وخروج وحوش الأرض المجوفة من قوم "يأجوج ومأجوج" الذين سيأكلون الأخضر واليابس، وبعدها تقوم الحرب النهائية بين الخير والشر وينتصر لهم الله على تلك الوحوش، ثم يعتلون عرش العالم حتى قيام الساعة، دونما التفكير في المعنى الإلهي لوجودهم على ظاهر الأرض وليس في باطنها.
لذلك ليس من المستغرب أن كل الديكتاتوريات في العالم العربي والإسلامي بنت مجدها ودولتها الخاصة على القشرة الخارجية لتجربة أسمتها خطأ ديمقراطية، وفي جوف التجربة يقبع الجميع، الوحوش الدموية والأخيار من كل الملل والنحل والأجناس البشرية.
هل آن لنا أن نصنع ديمقراطيتنا على أرض صلبة غير مجوفة بعيداً عن نظرية المؤامرة، تستوعب الجميع دونما تفرقة، من أجل بناء صيغة تعايش لنا ولأجيالنا القادمة؟! نعم نستطيع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.