لفوضوية النظام الدولي وامتلاك ترسانة نووية.. لماذا يعتبر الصراع بين الصين والهند أخطر الصراعات الإقليمية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/16 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/16 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش

تؤدي فوضوية المجتمع الدولي تلقائياً إلى زيادة في بؤر النزاعات والأزمات بين الدول، خاصة الدول الكبرى أو التي تمتلك قدرات عسكرية معتبرة، وهذه  الصراعات الإقليمية هي من أهم الظواهر التي تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام المنظِّرين والدارسين في مجال العلاقات الدولية. 

ويمكن تعريف الصراعات الإقليمية بأنها نتيجة وجود تناقض واختلاف في الطبيعة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية بين الدول على المستوى الإقليمي، مما يؤدي إلى صدامات واسعة النطاق أو على شكل تواجد بؤر توتر عسكري، وتتشابك المشاكل العسكرية مع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذا النوع من الصراعات.

الصراع بين الصين والهند

يعتبر الصراع الصيني-الهندي من أبرز وأقدم الصراعات في المنطقة الآسيوية. 

حيث تمثل قضية ترسيم الحدود سبباً رئيسياً  لهذا الصراع. إذ تعتبر ولاية أروناجل برديش الهندية نقطة خلاف بين الدولتين، فقد ضُمت المنطقة إلى الأراضي الهندية خلال حقبة الاستعمار البريطاني، ولكن الصين لم تتقبل هذا القرار، مما أدى إلى تفاقم الصراع حتى وصل حد الاشتباك العسكري والحرب عام 1962 وعلى الرغم من أن الصين كانت الرابحة في هذه الحرب إلا أن الهند  احتفظت بولاية أروناجل برديش بعد انسحاب القوات الصينية وسط ضغوط دولية.

تنوعت الحلول الدبلوماسية المقترحة والاجتماعات بين الطرفين، إلا أن  الخلافات حول أروناجل برديش مستمرة إلى يومنا هذا. 

وتصنف كل من الصين والهند ضمن قائمة القوى النووية، وهذا ما جعل المواجهة بين الطرفين من المشاكل والمخاوف التي تؤرق القارة الآسيوية كلها وخاصة الدول المجاورة لهما. فالصين التي استطاعت تطوير السلاح النووي عام 1964 بعد أول تجربة نووية لها تمتلك الآن حسب إحصائيات لعام 2019 نشرها موقع أرمز كنترول أسوسييشن، 290 قنبلة نووية. وبالتالي لا يمكنها أن تتخلى عن مكانتها الكبيرة الإقليمية في شرق آسيا. 

فإذا افترضنا أن الصين ستستمر في صعودها الاقتصادي خلال العقدين القادمين بنفس الوتيرة أو بوتيرة أعلى فإن احتمالية صعودها بطريقة سلمية ومسالمة ضئيلة، فإن الهيمنة الإقليمية أو العالمية تتطلب نظاماً عسكرياً هجومياً أكثر منه دفاعياً. وذلك باعتبار الدولة هي الفاعل الوحيد والأساسي في المجتمع الدولي، فهي لن تعتمد على المنظمات الدولية في حفظ السلم والأمن والاستقرار الإقليمي، بل ستسعى لحفظ مكانتها بكل الطرق الممكنة.

وبما أن كل الدول في العالم تمتلك قدرات عسكرية هجومية متفاوتة وتختلف تلك القدرات باختلاف وزن الدولة في المجتمع الدولي، بالتالي الصين لا تملك خيارات كثيرة للحفاظ على بقائها على القمة، ولا تملك معلومات كافية حول نوايا الهند المستقبلية. خاصة أن الهند التي امتلكت السلاح النووي سنة  1974 تسعى إلى تطوير قدراتها العسكرية وتتنافس بشراسة مع باكستان، فهي تمثل تهديداً كبيراً في المنطقة  بالنسبة للصين. فكل دولة في النظام الدولي تخاف من الدول الأخرى، وهذا ليس بسبب ضعفها ولكن لسببين أساسيين حسب جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، فالدولة تخاف لأن هناك احتمالية كبيرة أن تكون لديها حدود مع دولة أخرى تمتلك قدرات هجومية كبيرة ونوايا غامضة. تماماً كالهند والصين، والسبب الثاني الذي يستدعي الخوف هو فوضوية النظام الدولي حالياً الذي يعطي الحرية لكل دولة أن تتصرف حسب ما تراه مناسباً لحفظ أمنها وسلمها وحتى حفظ وزنها في المجتمع الدولي.

أخطر صراعات المنطقة


تمثل الصين تهديداً بالنسبة للهند، والعكس صحيح، ففي قانون العلاقات الدولية إن كنت تعيش بجوار دولة قوية فالحل الوحيد أمامك هو أن تكون أقوى منها. لهذا يمكننا أن نعتبر أن الصراع الصيني-الهندي من أخطر الصراعات في المنطقة. 

وما دامت الهيمنة هي سبيل البقاء بالنسبة للدول الكبرى فالخطر دائماً موجود وتوازن القوى يبقى من الحلول التقليدية المهمة التي لا يمكن الاستغناء عنها، فطريق الصين للهيمنة العالمية بدايته يجب أن تكون بالهيمنة الإقليمية. وانتقل الصراع حالياً إلى مرحلة جديدة وهي المنافسة والمواجهة التكنولوجية وتتمثل في عدة إجراءات انتهجتها الهند لمواجهة التوسع الصيني الرقمي. 

بداية بحظر التطبيقات الصينية، حيث شجَّعت وكالات الاستخبارات الهندية المواطنين على حظر 52 تطبيقاً صينياً، وهي التطبيقات التي حظرتها الحكومة الهندية بالفعل في أعقاب اشتباكٍ حدوديٍ أسفر عن مقتل أكثر من 20 جندياً هندياً. وبَرّرت الهند ذلك بحماية أمنها القومي، والدفاع عن سلامتها وسيادتها، وحماية بيانات المواطنين وخصوصيتهم. بالإضافة إلى مقترح بمنع الشركات الصينية. وتدرس الحكومة الهندية حالياً حظر "هواوي" (Huawei) بجانب "زي تي إي" (ZTE) من عطاءات شبكة الجيل الخامس 5G. وحرب الشركات التكنولوجية حيث ألغت شركة "أوبو" (Oppo)، وهي إحدى أكبر الشركات الصينية المصنّعة للهواتف الذكية التي تعمل في الهند، إطلاق هاتف الإنترنت. وفي المقابل، تسعى الهند إلى وقف الاستثمارات الصينية في الشركات الهندية، بل ودفع مبادرة "صنع في الهند" (Make in India) في عددٍ من القطاعات الحيوية الرائدة.

وتتجه الهند نحو إنشاء تحالف مع أمريكا فيما يخص المجال التكنولوجي وقطع العلاقات مع الصين، حيث يتشابه حظر التطبيقات الصينية إلى حدٍّ بعيدٍ مع سياسات الحظر التي تتبعها الولايات المتحدة ضد الصين في إطار الحرب الباردة الرقمية بين كلتيهما؛ فقد حظرت الولايات المتحدة شركة "هواوي". كما ضغطت على حلفائها لمنعها من المشاركة في إنشاء شبكات الجيل الخامس، بل فتحت أيضاً تحقيقاً ضد شركة (ByteDance) المالكة لتطبيق "تيك توك" بدعوى الأمن القومي.

في ظل سعي الصين المتنامي للتوسع الرقمي والتكنولوجي والاقتصادي وحتى العسكري تسعى الهند بدورها لخلق مجال خاص بها منفصل عن الصين وتسعى للهيمنة الإقليمية، فهي تملك وزناً جيوسياسياً مهماً ومعدل نمو اقتصادي معتبراً يسمح لها بتوسيع مجال نفوذها. فالعالم يتجه نحو تغير كبير في موازين القوى، مما يضع مختلف الدول أمام سباق شرس للبحث عن مكانة إقليمية أو دولية مناسبة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شروق مستور
كاتبة وباحثة جزائرية
طالبة جزائرية بكلية العلوم السياسية ومتخصصة في العلاقات الدولية
تحميل المزيد