لماذا أخطأ الحزب الديمقراطي بمحاولة عزله ترامب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/14 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/14 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
ترامب مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي/رويترز

إن ما يجري حالياً في أروقة كونغرس الولايات المتحدة الأمريكية من محاولات حثيثة لعزل الرئيس الحالي دونالد ترامب لَهو خطأ فادح في رأيي، يرتكبه الحزب الديمقراطي بقيادة السيدة بيلوسي، حيث إن محاكمة الرئيس المغادر قريباً للبيت الأبيض دونالد ترامب سياسياً، تعطي انطباعاً وتصوراً أن ما يحدث له عبارة عن تصفية حسابات بين سياسيين جمعهم التنافس على السلطة، وفرّقتهم الأهواء والميول والتوجهات السياسية.

تدلّ الوقائع والأدلة على حدوث جرائم قتل وتخريب مخطط لها، كما يمكن أن يرقى ما حدث إلى درجة "الانقلاب العسكري" باقتحام الكونغرس أثناء انعقاده وتعريض حياة أعضائه للخطر، كما شاهد العالم أجمع ما حدث في قلب العاصمة الأمريكية. ولا يمكن لعاقل أن ينكر أن ذلك نتج عن تحريض مباشر من الرئيس دونالد ترامب، لذلك اعتقدت أنه من البديهي أن يتسلّم هذا الملف الشائك القضاءُ الأمريكي عبر وزارة العدل، وأن يقوم الكونغرس بغرفتيه بمواكبة القضاء، ومساعدته عن طريق إصدار تشريعات تُسهل عمله في هذه السابقة التاريخية، التي من السهولة بمكان أن يُدان بها ترامب.
لكن في المقابل، فضَّل الحزب الديمقراطي منح الأولوية لمسار "العدالة السياسية"، محاوِلاً الإجهاز على ترامب والجمهوريين معاً. وهو المسار الذي يحمي ترامب في رأيي، لأنه سيُتيح له وللحزب الجمهوري حشد مؤيديه ومناصريه الكُثر خلفه، وترويج وتصوير نفسه باعتباره "ضحية سياسية".
ترامب ينتمي إلى المدرسة المكارثية، حتى إنه تفوّق على مؤسِّسها السيناتور السابق جوزيف مكارثي، مؤسس المدرسة السياسية القائمة على نشر وإذاعة الاتهامات الباطلة والأخبار الكاذبة جزافاً، وتشويه كل من يقول بقول غير قوله إبان فترة الحرب الباردة. لذلك كان من الأجدى لزعيمة أغلبية الحزب الديمقراطي، السيدة نانسي بيلوسي، الاقتداء بحكمة الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور، عندما طلب منه شقيقه وضع حدٍّ لانتهاكات السيناتور مكارثي بحق المثقفين الأبرياء، فأجابه الرئيس آنذاك دعه: "يُنهي نفسَه بنفسِه". وهو ما حدث بالفعل، عندما وجّه مجلس الشيوخ تحذيراً رسمياً للسيناتور، ومن ثمّ تمَّ إطلاق مصطلح "المكارثية" على كل من يسير على نهجه ويتّبع طريقته.
لكن على ما يبدو هناك توافق ضمني بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السير في إجراءات عملية العزل، التي لن تنجح ولن تمر لضيق الوقت المتبقي لترامب في البيت الأبيض، وذلك لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بأن الديمقراطية الأمريكية بألف خير، وأن أمريكا ستبقى منارة العالم الحر، وسيبقى الحلم الأمريكي ساطعاً، لكن حقيقةً لم تعُد الديمقراطية هناك بألف خير، وأظهر عهد ترامب أن أمريكا لم تكن يوماً قدوةً لعالم حر، وتحوّل الحلم الأمريكي إلى كابوس، بات يعيشه البيض والسود على حد سواء.

مستقبل أمريكا بعد ترامب


هناك من يروّج لحجج ومقولات تقوم بتحميل دونالد ترامب وحده مسؤولية الشروخ الحالية في المجتمع الأمريكي، لكن الحقيقة أن تلك الشروخ قديمة قِدم الاتحاد الأمريكي، وظهرت تجلياتها عدة مرات من قبل، أبرزها الحرب الأهلية الأمريكية، ومن ثم تفاقمت تلك الشروخ مع الزمن، حتى بلغت حدَّ التصدُّعات، ما يؤشّر إلى أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة في قلب المجتمع الأمريكي، ولم تؤخذ على محمل الجد من الساسة الأمريكيين. هذا السيناريو يتشابه مع الأزمات التي ضربت الاتحاد السوفييتي من قبل وأسقطته مُفتتاً، والآن تسير الإمبراطورية الأمريكية على نهج سابقتها السوفييتية، إذ لا يبدو أنه بمقدور الحزبين الجمهوري والديمقراطي وقف تلك التصدّعات ولَأم الجروح الغائرة والعميقة التي ضربت المجتمع الأمريكي، حتى أصبحت عملية تداول السلطة بينهما سبباً لزيادتها. وفي الفترة المقبلة سنشهد انشقاقات داخل الحزبين، ومن الممكن أن نشهد ولادة أحزاب كثيرة تتصارع على السلطة في عهد الرئيس بايدن؛ لأن المكونات السياسية والثقافية للمجتمع الأمريكي بدأت تتلمس طريق خلاصها عن طريق خلق معادل سياسي لوجودها الاجتماعي.

أما دولياً، فإن سياسة العقوبات التي مارسها ترامب عبر تويتر خلال فترة حكمه، جعلت عديد الدول تفطن إلى أهمية الخروج من شباك الدولار، وأن عليها البحث لإيجاد آليات وأدوات مالية جديدة، بعيداً عن الدولار والبنوك الأمريكية.

عندما سقط الاتحاد السوفييتي لم يكن لانهياره عواقب وخيمة على الأمن والسلم في العالم لوجود قوة عالمية أخرى، فهل من الممكن أن يؤدي سقوط الإمبراطورية الأمريكية عن عرش العالم إلى تهديد الأمن والسلم في العالم؟

هذا هو السؤال المرعب الذي لا يجب أن نهرب منه.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد