تصدع في العلاقات بين مصر والإمارات والسعودية.. كيف ستؤثر المصالحة الخليجية على الأزمة الليبية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/14 الساعة 09:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/14 الساعة 22:41 بتوقيت غرينتش
لقاء الوفد الرسمي مع ممثلي حكومة السراج (مواقع التواصل الاجتماعي)

تتزايد الأمثلة وتتضح أكثر حول افتراق طرق مصر والإمارات في أكثر من ملف إقليمي بدت بعض التغييرات في سياسة مصر الخارجية تجاه الملف الليبي وبعض الملفات الأخرى. يتفاءل البعض بأن هناك مراجعة لبعض أوجه قصور السياسات السابقة، ويثير البعض الآخر تساؤلات حول طبيعة هذه التحولات منذ سبتمبر/أيلول الماضي ومشاركة مصر في ترتيبات أممية حول ليبيا متمثلة باستضافة وتسهيل اجتماعات اللجنة الأمنية المشتركة والاجتماعات التشاورية الممهدة لها برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

تتواتر الروايات سواء من قبل بعض المحللين أو من قبل بعض المصادر المطلعة داخل النظام المصري حول خلافات مع ما كان ينظر إليه سابقاً بالتحالف الاستراتيجي بين القاهرة وأبوظبي والرياض، خاصة في ضوء المصالحة الخليجية الأخيرة وكذلك تسارع وتيرة التطبيع العربي الإسرائيلي برعاية إماراتية وبتجاهل تام للقاهرة كوسيط في عملية السلام الباردة شعبياً والحميمة حكومياً في المنطقة، بل ووفقاً لبعض التحليلات فإن مواقف وتصرفات الإمارات أصبحت تشكل تهديداً للأمن القومي المصري في أكثر من ملف، وأن ثمة مؤشرات قد تؤثر في دفء العلاقات بين البلدين في العام الجديد، من شأنها أن تفرض خريطة حلفاء بديلة بالمنطقة.

وتعود الأزمة الليبية إلى الواجهة كواحدة من أهم القضايا العالقة على الأجندة الدولية في عام 2021، ويمثّل لقاء سفراء الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، بحضور ممثلين عن البعثة الأممية في ليبيا، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، في 30 من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مؤشراً على هذه الأهمية. في هذا السياق فإن زيارة وفد مصري إلى طرابلس بعد أكثر من ست سنوات من القطيعة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والزيارة المرتقبة لوفد مصري أرفع خلال الأسابيع القادمة يمكن قراءتها كتطورات مهمة وبالتالي فإن البحث في الموقف المصري وتطوراته إزاء هذا الملف أمر مهم.

أية تطورات وأية أبعاد؟


في ديسمبر/كانون الأول الماضي وبعد قرابة ستة أعوام كاملة من القطيعة التامة مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً في طرابلس، زار وفد من المخابرات الحربية المصرية برئاسة نائب رئيس الجهاز وبعض المسؤولين في وزارة الخارجية العاصمة طرابلس. في يوم 27 ديسمبر 2020،  تشكل الوفد من وكيل جهاز المخابرات العامة، أيمن بديع، والمسؤول عن الملف الليبي بوزارة الخارجية، السفير محمد أبوبكر، وشخصيات دبلوماسية وأمنية من وزارات الخارجية والداخلية والدفاع.

وإن كانت هذه التغيرات مهمة إلى حد ما، كإلقاء حجر في بركة راكدة، إلا أن السياسة المصرية لا تزال تراوح دائرة رد الفعل على السياسات الإقليمية والدولية، إذ جاءت الزيارة عقب يوم واحد من زيارة وفد تركي رفيع المستوى على رأسه وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان وقادة في الجيش التركي. ووفقاً للتطورات الأممية فمن المتوقع أن تشهد الساحة الليبية تطورات في ملف الحوار والملفات الانتقالية الخاصة بتوحيد الأجهزة الأمنية واختيار حكومة موحدة كنتاج لمسار التسوية السياسية في ليبيا. وذلك من خلال "ملتقى الحوار السياسي الليبي" الذي ترعاه البعثة الأممية والذي لم تنخرط فيه مصر سوى بدور وظيفي محدود متمثل في استضافة بعض اجتماعات اللجنة الأمنية 5+5 في الغردقة في سبتمبر/أيلول الماضي.

تشير تركيبة الوفد المصري الذي زار طرابلس، والمكون في أغلبيته من شخصيات استخباراتية وأمنية وعسكرية، وفقاً لبعض التحليلات إلى أنّ المقاربة الأمنية ما زالت تمثل المدخل الرئيسي في التعامل المصري الرسمي مع المشهد الليبي، غير أن الملفات التي طرحت مع مسؤولي حكومة الوفاق لم تقتصر على المشاغل الأمنية المباشرة، بل تعدّتها إلى البحث في تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة سابقاً، وتشغيل خطوط الطيران، وإعادة فتح الخدمات القنصلية والدبلوماسية المصرية في طرابلس. فقد ألحق الموقف المصري المنحاز لمعسكر حفتر، بالتوازي مع الانهيار الأمني والانقسام السياسي والمؤسساتي الذي تشهده ليبيا، ضرراً بالغاً بالمصالح الاقتصادية المصرية في ليبيا بحسابات انخفاض العمالة المصرية للنصف تقريباً وتركزها في الشرق وفقدان القاهرة لنفوذها في الغرب الليبي الذي يسكنه ثلثا السكان.

كما أن الزيارة سبقتها زيارة لمسؤولين أرفع بقيادة رئيس جهازي المخابرات العامة والحربية والذراع اليمنى للسيسي، اللواء عباس كامل، للمنطقة الشرقية في 19 ديسمبر/كانون الأول، وذلك فيما بدا أنه، وفقاً لبعض المحللين، تأكيد لاستبقاء ورقة حفتر كوسيلة للضغط على الغرب الليبي وحلفائه.
بالتزامن مع هذا، فإن حفتر ممتعض وغاضب من استبعاده من المسار التفاوضي وما يشبه الإجماع على استبعاده من المستقبل الليبي. فوفقاً للمسار الحالي والاضطرابات في صفوف تحالفه والذي بدا فيه بمظهر الخطر والتهديد على استمرار اتفاقات وقف إطلاق النار أكثر من مرة، سواء بعدم توقيعه على اتفاق لوقف إطلاق النار الذي أعلنته تركيا وروسيا في يناير/كانون الثاني الماضي أو التصريحات العنترية للمتحدث العسكري باسمه عقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في 21 أغسطس/آب الماضي، وكذلك فعل عند اتفاق جنيف في 23 أكتوبر/تشرين الأول وتوقيع وَفدي اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 اتفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار في ليبيا. كما أثارت قنوات ليبية مخاوف بعدها من وقوفه خلف تحريك احتجاجات في طرابلس والغرب الليبي، وسعيه للبحث عن دور سياسي بعد فشل أدواره العسكرية.

التغيرات الإقليمية الدافعة



لا يمكن تجاهل ما يبدو أنه تصدع للتحالف الاستراتيجي بين النظام في القاهرة ونظامي الرياض وأبوظبي، سواء تحت تأثيرات تجاوز مصر في ملف التطبيع أو مساعي النظام في السعودية لتفادي ضغوط محتملة من الإدارة الأمريكية الجديدة ومن ثم اتخاذه خطوة استباقية بالاتجاه نحو تسوية الأزمة الخليجية. ومن دون حضور محمد بن زايد وعبدالفتاح السيسي والذي مثل غيابهما المفاجئ امتعاضاً وتذمراً من السياسات السعودية. وكذلك تصدع التحالف الإماراتي السعودي في اليمن على أجندات أيديولوجية وجيوسياسية تتوسع بموجبها الإمارات استراتيجياً فيما تعرقل أي تقدم حقيقي في مواجهة الحوثيين أو استرداد الأراضي وإنجاز المهام الحكومية اليمنية وعرقلة أية تحالفات مع قوى الإصلاح المحسوبة على تيار الإسلام السياسي. في نفس السياق تبدو المساعي السعودية للتهدئة مع تركيا والتي بدت المصالحة الخليجية بوابة لها، لمحاولة تجاوز تنسيق محتمل بين الأتراك ونظام بايدن سواء في ملف خاشقجي والمحاكمات المستمرة لقتلته وما يمكن أن يشكله ذلك من ضغوط وابتزازات أمريكية وتركية للجانب السعودي.


التدهور المصري الإماراتي



أخذ التدهور في التنسيق المصري الإماراتي نصيبه في ليبيا، فوفقاً لتحليلات مبنية على مصادر حكومية مصرية، فبينما كانت الأخيرة لا تهتم كثيراً لوجهة النظر الخاصة ببعض الأجهزة السيادية المصرية حول أمن واستقرار ليبيا وتعتبره خطاباً للاستهلاك الدبلوماسي، كانت الأولى شديدة القلق من تراكم الدعم العسكري الإماراتي للطرف الخاسر واهتمام أبوظبي لتصفية حسابات أيديولوجية مع حركات الإسلام السياسي القريبة من الإخوان المسلمين.

وبناء على هذه التصورات، فإننا قد نكون إزاء موقف نكائي جديد، أي أن القاهرة قد تبتز الإمارات في الملف الليبي بمنطق "مزيد من الدعم المالي مزيد من التوافق وتنسيق المواقف" ليس أكثر، أو أنها تتخذ هذه المواقف نكاية لها لإضرارها بمصالحها من دون تحديد أفق أوسع لتلك المصالح، ورغم أن التطورات المرتبطة بالمسار السياسي في ليبيا جيدة على طريق الحل النهائي للأزمة فإن التقدم البطيء في الملفات العالقة باستثناء ملف تبادل الأسرى ومحاولات فتح الطرق البرية والمعابر الجوية بين جميع المناطق، فهناك تباطؤ شديد في عملية خروجِ قوات الطرفين من محور سرت – الجفرة وتشكيل قوة مشتركة لحمايتها، وبقاء حفتر خارج العملية السياسية الجارية قد يهددها إلى حد ما ويجعل منها عملية هشة، وبالتالي فإن الدور المصري مرتبط بقدرة الأجنحة العقلانية داخل النظام -إن وجدت- على كبح التوجهات الأمنية والعسكرية البحتة ومن ثم إحكام السيطرة على حفتر الذي لا يزال قادراً على التفلت من سيطرة حلفائه وإفشال أية تهدئة ولا يزالون غير قادرين على ضبط سلوكه.

لا تزال للنظرة المصرية للأزمة الليبية رؤية تكتيكية محدودة الأفق تبحث فقط عن العودة بالمصالح والترتيبات المشتركة إلى ما قبل 2014 وهو وضع هش، ومن دون رؤية واضحة للتعامل مع ما يمكن أن تسفر عنه الترتيبات السياسية والأمنية المزمعة خلال العام الجاري أو حتى إعلان عن رغبة حقيقية للمشاركة في عملية بناء مؤسسات الدولة الليبية المختلفة، أو تغيير في إدارة الملف الليبي  وإعلان موقف جديد واضح من الاتفاقات الليبية التركية وتسوية الملفات العالقة مع تركيا هناك وفي شرق المتوسط لا يمكن القول إن تغييراً كبيراً قد حدث.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر سمير
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
تحميل المزيد