تركيا ليست المسؤولة عن تدهور العلاقات.. كيف أشعلت أمريكا غضب أنقرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/08 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/08 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو (إلى اليسار) يصافح نظيره الأمريكي مايك بومبيو في واشنطن يوم الاثنين. تصوير: ليا ميليس - رويترز.

أجريت مقابلة مع وزير خارجية تركيا مولود شاويش أوغلو، الأسبوع الماضي، قيّم فيها السياسة الخارجية التركية لعام 2020. وكان من اللافت تصريحه حينما كان يجاوب عن أسئلة حول عهد الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن، حيث قال: "نريد أن نرتقي بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة إلى مستوى يمكن فيه التنبّؤ بتلك العلاقات مستقبلاً".

مغزى أن تكون العلاقات الثنائية بين الطرفين قابلة للتوقع، لا يعني بالضرورة أن يتم الاتفاق بين الطرفين في كل قضية. على سبيل المثال، حينما تفصح عن عدم قبولك لأمر أنت لا ترغب به أو ترتضي به، فإن هذا يعتبر شكلاً من أشكال الوضوح والصراحة في العلاقات، وتلك الصراحة هي التي تجعل العلاقات والقرارات قابلة التنبؤ.
لكن مع ذلك، لا أحد يدري إن كان الأمر سيسير على هذا النحو بين تركيا وأمريكا، إلا أن التنبؤ بشكل العلاقات الثنائية بين البلدين يبقى احتمال أو خيار قد يعكس طابع العهد القادم للعلاقات الأمريكية-التركية.

قبل أسابيع جمعتني مأدبة إفطار مع نائب الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية، نعمان كورتولموش، وحين الحديث عن صواريخ إس-400، أجاب بالقول: "لماذا نتحدث دوماً عن تلك القضية، هناك جوانب أخرى أيضاً، لماذا لا نتحدث عمّا تفعله الولايات المتحدة أيضاً؟ عن دعمها لمنظمة غولن الإرهابية وتنظيمي PKK و YPG الإرهابيين؟".

هل يمكن أن نعتبر ما طرحه نائب رئيس حزب العدالة والتنمية خاطئاً أو مجانباً للصواب؟

دعوني أنقل لكم أيضاً بعضاً ما صرح به وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، خلال لقاء صحفي جمعنا قبل وقت قصير، حينما وجهت له سؤالاً حول هذه القضية، أجاب قائلاً:

"صواريخ إس-400 الروسية ليست أكبر مشكلة بيننا وبين الولايات المتحدة، بل هناك النقاش حول كون أن تنظيم YPG إرهابي أم لا؟ يجب أن نبدأ من هذه النقطة. يجب على أصدقائنا في الولايات المتحدة الإجابة عن هذا السؤال، كما يجب تحديد وصف هذا التنظيم أولاً. كما أنهم يعترفون بأن منظمة بي كا كا إرهابية، عليهم الاعتراف بأن هذا التنظيم ذراعها السوري".

نعيد السؤال مرة أخرى: هل يعتبر تصريح الوزير أو نائب رئيس العدالة والتنمية؛ خاطئاً أو مجانباً للصواب؟ بالطبع لا.

لا يمكن النظر إلى شراء تركيا صواريخ إس-400 من روسيا بشكل منفصل عن دعم الولايات المتحدة لتنظيم "YPG". لو تم عرض هذه القضية على قاضٍ عادل، فلا شك أن موقف تركيا سيكون سليماً مئة بالمئة.

فمن الواضح للغاية أن عناصر تنظيم "YPG" الإرهابي إنما يتلقون أوامرهم من مقر منظمة "PKK" الإرهابية، وكان العلاقات بين الطرفين واضحة كعين الشمس، لدرجة تغنينا عن كتابة هذه الكلمات الآن حول التشكيك في تلك العلاقة، إذن بناء على ذلك ألا تعتبر تصريحات الولايات المتحدة بعدم تبعية هذين التنظيمين لمنظمة PKK الإرهابية؛ بمثابة استخفاف بعقولنا؟

من الملاحظ طبعاً أنهم على الصعيد الرسمي لم يتخلوا عن الخطاب ذاته، لكنهم بكل حال بدؤوا فيما بعد بتوخي مزيد من الحرص على عدم الحديث عن هذه العلاقة المكشوفة.


لماذا لم تحصل تركيا على منظومة الباتريوت؟ 

هناك نقطة مهمة أيضاً، لا يمكن لأحد فهم الأمر على حقيقته، من خلال التركيز فقط على شراء تركيا صواريخ إس-400 من روسيا، بل يجب النظر أيضاً إلى جواب "لا" من قبل أمريكا على طلب تركيا شراء منظومة باتريوت الجوية. إضافة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو/تموز 2016، وحالة الاستياء التركي من مواقف الولايات المتحدة السياسية، التي كانت تغضب أنقرة مراراً.

فلا شك أن يوم 15 يوليو/تموز كان علامة فارقة في العلاقات الأمريكية-التركية، وما بعدها لم يكن ليسير على وتيرة ما قبله. فبينما كان اتفاقية شراء منظومة دفاع جوي من الصين على وشك الانتهاء، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، سرعان ما توقفت فجأة بضغط من الولايات المتحدة. إلا أننا نجد تركيا حينما وجدت الولايات المتحدة مستمرة في دعمها لتنظيمات إرهابية تهدد أمن أنقرة القومي، بالإضافة لوقع محاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو/تموز، لجأت إلى شراء صواريخ إس-400 من روسيا، بعد أن عبّرت مراراً وتكراراً عن غضبها من دعم الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية، دون أي تراجع يُذكر.

وإذا كان الأمريكيون لا يزالون يتساءلون فيما بينهم عن عدم تمكنهم من ثني أنقرة عن شراء صواريخ إس-400 من روسيا، عليهم أن يراجعوا حساباتهم وينظروا في دعمهم للتنظيمات التي تصنفها تركيا على أنها إرهابية، وكيف أثاروا غضب أنقرة جرّاء ذلك.

الولايات المتحدة تتحدث عن شراء تركيا لصواريخ إس-400 وتركيا ترد: أوقفوا دعم التنظيمات الإرهابية.


هدوء ما قبل المواجهة 

وبالعودة إلى اللقاء الذي أجريناه مع شاويش أوغلو وزير الخارجية، الأسبوع الماضي، فقد صرح بأن الاتصال مع إدارة بايدن الجديدة سيبدأ اعتباراً من 20 يناير/كانون الثاني الجاري. ويجدر بالذكر أن هذه المعلومات قد تم تقديمها كذلك، للسفير الأمريكي في أنقرة.

هناك مؤشرات تشير إلى أنه مع بداية عهد بايدن، ستبدأ عملية محادثات تتم من خلالها مناقشة القضايا التي تخص الطرفين. وحسب المعلومات فإن قنوات الاتصال ستبدأ أولاً عبر المؤسسات والقنوات الرسمية.

ومع بدء تلك المحادثات سيكون من الواضح فعلاً ما هي القضايا التي سيطرحها الطرفان أولاً على الطاولة. ولا شك أن الولايات المتحدة ستطلب من تركيا التخلي عن صواريخ إس-400، وبالمقابل ستطلب تركيا منها التوقف عن دعم التنظيمات الإرهابية.

وحول تلك النقطة نذكر أن رئيس تحرير صحيفة حرييت، أحمد حاكان، أجرى لقاء مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وخلال اللقاء صرّح أكار: "ليس من الصواب أن نرفع السيوف في وجه إدارة بايدن من الآن وهو لم يبدأ بعد. بل علينا مراقبة الوضع والتصرف وفق ذلك. سنقول لهم أن تنظيم YPG هو مثل منظمة PKK الإرهابية تماماً. وعليهم فهم هذا، وبناء على ذلك نتوقع أن يتوقف دعم ذلك التنظيم، بما في ذلك تقديم الذخائر له".

ربما يرغب الأمريكيون في البدء بقضية صواريخ إس-400 أولاً، إلا أن ذلك يتوقف على إيقاف وقطع دعمهم لذلك التنظيم، فإن فعلوا ذلك وفتحوا صفحة جديدة، فلا شك أن الأمر سيكون سهلاً على صعيد إنشاء أرضية مشتركة وأكثر ملائمة لاستمرار العلاقات.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد آجات
كاتب وصحفي تركي
كاتب وصحفي تركي
تحميل المزيد