الرابحون والخاسرون من المصالحة الخليجية

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/06 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/07 الساعة 16:18 بتوقيت غرينتش

في عام 2013، توترت علاقات الدوحة ببعض دول الخليج العربي، حاولت تلك الدول فرض خطوط إعلامية وسياسية معينة على الدوحة سواء عبر اتفاق الرياض في 2013.

وفي مارس/آذار 2014، سحبت الإمارات والسعودية والبحرين سفراءها من الدوحة، بسبب ما وصفوه بعدم التزام قطر بمقررات "اتفاق الرياض"، ومن ثم ناقش قادة تلك الدول مع أمير قطر اتفاق الرياض التكميلي في مايو/أيار 2014، وكان أبرزها يدور حول الموقف القطري من عزل الرئيس السابق مرسي بعد أحداث 30 يونيو/حزيران 2013 الذي يراه الإعلام المحسوب على قطر بأنه انقلاب 3 يوليو/تموز في مصر، ودعم دولة قطر لما اعتبروه الفوضى وعدم الاستقرار بالمنطقة "ثورات الربيع العربي"، إلى جانب علاقات حكومة قطر مع جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة والمتطرفة من وجهة النظر الإماراتية – السعودية، والتعاطي الإعلامي لقناة "الجزيرة" مع بعض الأحداث الذي تراه الدول المحتجة أنه تحريض ضدها.

كما كانت هناك خلافات حول مكافحة الإرهاب واتهامات للدوحة بعدم بذل ما يكفي لمكافحته، أو الاتهام بتمويله وإعطاء جماعات العنف منابر فضائية للتعبير عن أفكارها، وطبيعة العلاقات مع إيران، وكانت هذه الاتفاقات تهدف لمنع دعم الجماعات المعارضة والعدائية في هذه الدول بالإضافة إلى اليمن ومصر. 

ثم أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في يونيو/حزيران 2017، قطع العلاقات مع قطر وفرض حصار بري وبحري وجوي على الدوحة، على خلفية اتهامهم لها بزعزعة استقرار المنطقة، والتقرب من إيران، ودعم تيارات إسلامية مناهضة، وهو ما نجحت الدوحة إلى حد بعيد في مواجهته وتفنيده عبر جهود دولية مكثفة.

في تلك الفترة جرت عدة محاولات لرأب الصدع وتحقيق المصالحة عبر وساطات كويتية في عهد أمير الكويت الراحل جابر الصباح الأحمد، وكذلك برعاية عمانية بعهد السلطان الراحل قابوس، لكنها كانت تتعثر بسبب سياسات المحاور الإقليمية والتعنت الإماراتي – السعودي والإصرار على التصعيد إلى حد كبير في إطار الثقة بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي استفادت من الأزمة بابتزاز أطرافها وتوقيع اتفاقات عسكرية واقتصادية غير مسبوقة معهم.

بمجرّد إعلان فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بدأت بوادر افتراق طرق القاهرة والرياض وأبو ظبي في بعض الملفات الإقليمية، تكلل هذا بإعلان وزير الخارجية الكويتي في 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، بلاده إجراء محادثات أثمرت اتفاقاً مبدئياً لحل الأزمة القائمة داخل مجلس التعاون الخليجي منذ قرابة أربعة أعوام، ثم إعلان السعودية استضافة القمة الخليجية بحضور أمير قطر في 5 يناير/كانون الثاني 2021 والإعلان عن فتح الحدود البرية والبحرية والجوية مع الدوحة عشية القمة.

الرابحون والخاسرون من المقاطعة

عقب إعلان المقاطعة الخليجية لقطر بإجراءات سحب السفراء ووقف الطرق والتجارة منها وإليها انبرت هذه الدول بقوائم اشتراطات لعودة العلاقات، ومع بقاء الكويت وسلطنة عمان خارج نطاق تلك المقاطعة كانت هناك عدة فرص سانحة ومحاولات لتحقيق المصالحة، بذلت الدولتان جهوداً مضنية سواء بشكل منفرد أو بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية من أجل حلحلة الأزمة الخليجية ومحاولة إيجاد مخرج يحافظ على وحدة الصف الخليجي في مواجهة أخطار أمنية واقتصادية لا تزال قائمة وتتفاقم.

ثلاثة عشر شرطاً وضعتها دول المقاطعة لكي تعيد العلاقات، لم تتغير كثيراً عما جاء في "اتفاق الرياض" أو الاتفاق التكميلي اللذان وُقِّعا في 2014 إلا في حدة التصعيد، إذ شملت المطالب إغلاق قناة "الجزيرة"، وتقليص العلاقات مع طهران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، إلا أن الدوحة لم تلتزم بأي منها وخاضت حملة دولية كبيرة لتوضيح فداحة هذه الشروط وعدم منطقيتها كونها تفرض تدخلات واضحة في الشئون الداخلية القطرية إلى حد بعيد وتمس سيادة الدولة وسياستها الخارجية وتوجهاتها.

أكثر من ذلك نجحت الدوحة في تحويل الأمر إلى هجوم مضاد قوي وناجح بعدة دعاوى قضائية دولية، سواء ضد قنوات رياضية قرصنت beIN Sports قالت إنها تبّث من السعودية، أو ضد دول الحصار برصد دقيق لانتهاكات هذه الدول بحقها، الأمر الذي جعلها في موقف قوة، وقاد إلى تحويل المفاوضات مع دول الحصار إلى مجرد التنازل عن القضايا المرفوعة ضدها، وبوساطة أمريكية – كويتية انتهى الأمر في 4 يناير/كانون الثاني 2021 بحسب تصريحات لمسؤولين أمريكيين بموافقة السعودية والإمارات والبحرين وقطر ومصر على رفع حصارها الجوي والبري لقطر، مقابل أن تتنازل الدوحة فقط عن الدعاوى القضائية التي رفعتها على دول الحصار، كما أرسلت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي دعوة لأمير قطر في ديسمبر/كانون الأول لحضور القمة الـ 41 للمجلس في السعودية.

وعندما منعت دول الحصار الطيران القطري – صاحب المركز الأول في التصنيف العالمي لشركات الطيران – من استخدام أجوائها، فإن إيران وجدت الفرصة لتعزيز نفوذها لدى الدوحة ومكاسبها التجارية بتوفير بديل للشركات القطرية، وحتى إن بدا مكلفاً للدوحة بالمعنى الاقتصادي المباشر، إلا أنه أثبت واقعية إمكانية إقامة علاقات قوية ومتوازنة مع إيران رغم النفوذ الأمريكي.

تعززت علاقات قطر بتركيا أيضاً في الوقت الذي كانت تتدهور فيه علاقات دول المقاطعة بها بشكل كبير، ووصل التعاون إلى مدى استراتيجي أكبر عبر اتفاقات عسكرية واقتصادية واسعة النطاق مع الطرف التركي، فتركيا تدخلت بشكل مباشر عقب الأزمة ووفرت شركاتها كافة الاحتياجات الغذائية للسوق القطري من ألبان ومواد غذائية بأسعار جيدة، كما تأسست في عام 2014 اللجنة الاستراتيجية العليا بين قطر وتركيا، نتج عنها بحسب تقارير إبرام 52 اتفاقية في مجالات متنوعة، منها زيادة تواجدها العسكري للحد من أي تهديدات محتملة قد تواجهها قطر، وتكثفت الزيارات المتبادلة إلى حد غير مسبوق القمة التركية القطرية، فخلال خمسة أعوام شهدت العلاقات 26 قمة بين الرئيس أردوغان وأمير قطر، وهو رقم قياسي في تاريخ العلاقات بين البلدين، وربما في تاريخ العلاقات الدولية.

لاحقاً وضعت الدوحة استراتيجية للأمن الغذائي، وضعتها خلال أعوام قليلة في المرتبة 13 عالمياً على مؤشر الأمن الغذائي العالمي 2019، تم لها ذلك عبر تسريع وتيرة استغلال الاتفاقات الزراعية التي عقدتها مع دول إفريقية مثل إثيوبيا والسودان لزراعة مئات الآلاف من الأفدنة، وقيامها بإنشاء مصانع ألبان ومزارع أبقار محلية وفرت كافة الاحتياجات القطرية من الألبان والأجبان.

وعلى النقيض من محاولات التنسيق الجماعية للعمل الخليجي، فإن أبو ظبي سعت لخلق محاور داخل البيت الخليجي عبر فكرة مجالس التنسيق الثنائية كآلية بديلة عن مجلس التعاون الخليجى، مشيرةً إلى تعذر الأخذ بهذا النهج في نطاق الدول الست مجتمعة، وكذلك ترويج بعض الخبراء الإماراتيين لفكرة التجمع السعودي الإماراتي الكويتي البحريني، باعتبارها تجمعاً استراتيجياً موجهاً ضد مناهضي سياسات أبو ظبي، والترويج لأن هذا التحالف يختلف عن كل ما سبقه من تحالفات، بما فيها التجمع الخليجي ذاته، وهي المحاولات التي فهم منها أنها موجهة ضد قطر والمحاور الإقليمية الأوسع.

وعلى صعيد العلاقة مع مصر، فإن الخاسر الوحيد من المقاطعة غير المبررة كان العمالة المصرية في قطر والتي يتجاوز عددها 350 ألفاً، بحسب مسؤولين قطريين، حيث وجد هؤلاء أنفسهم ضحايا لتشكيك إعلامي مصري بولاءاتهم وإجراءات أمنية قاسية بالمطارات ووقف الرحلات الجوية المباشرة واضطروا لاستعمال مطارات الكويت والأردن وتركيا للترانزيت، وتضاعفت كلفة ووقت رحلاتهم إلى مصر لزيارة ذويهم وكذلك رحلات عودتهم إلى قطر، وهو ما أثر على تحويلاتهم أو رغبتهم في البقاء هناك، ثم كانت جائحة كورونا سبباً كبيراً في فقدان العديد منهم لدخولهم وعودتهم بشكل مفاجئ كما حدث لنظرائهم في العديد من بلدان الخليج.

فيما عدا ذلك بقيت حادثة ميكروفون "الجزيرة" وصمة في جبين وزير الخارجية المصري سامح شكري، وبقيت وصلات السباب والحملات الإعلامية الموجهة ضد قطر من هواتف سامسونغ والجهات المنفذة لها في موقف حرج حال عودة العلاقات، صحيح أن هذه الحملات تكررت في السابق مع السعودية والكويت في أكثر من مناسبة بشكل كاد يؤدي لتدهور العلاقات، إلا أن تكرار هذا الأمر أفقد الإعلام المصري الكثير من المصداقية والقدرة على التأثير في المنطقة العربية.

آفاق المصالحة


قد ينجم عن الخطوات السعودية وبعض الخطوات اللاحقة من دول أخرى تحسن تدريجي في العلاقات، لكن في المدى المنظور لا يمكن تأكيد أن العلاقات ستعود لسابق عهدها – على الأقل من الناحية الاقتصادية -، فقد خرجت قطر منتصرة سياسياً وأقل اعتمادية على دول جوارها الخليجي، ومتنت علاقاتها أكثر بقوى إقليمية كتركيا وإيران، واللتان لا تزال علاقات دول الحصار بهما متردية إلى حد بعيد ولا يلوح في الأفق تحسن كبير في هذه العلاقات، وتثور شكوك حول تحول المصالحة إلى سلام بارد، ما لم تتبع بإجراءات ونقاش للقضايا العالقة أكثر جدية من مجرد التزاور وفتح الحدود.

يبقى أن هذه التحولات في دول الخليج تشير لتحسن تدريجي في العلاقات بعد أزمة وصفها رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بـ "الأخطر والأصعب في تاريخ منظومة مجلس التعاون الخليجي"، والتطور الأخير يأتي في إطار القمة الخليجية التي تريد السعودية أن توصل رسالة من خلالها للإدارة الأمريكية الجديدة بأن الصف الخليجي لا يزال موحداً وأنها لا تزال ذات نفوذ إقليمي وعليه أن يستمع لها سواء في ترتيب العلاقات مع إيران أو في العلاقات الأمريكية مع دول الخليج، لكن هذه الرسالة يقابلها رسالة أخرى تبدو فيها أبو ظبي وتل أبيب تعملان بشكل منفصل وأقل تنسيقاً مع الإدارة الأمريكية سواء لمجابهة النفوذ الإيراني، أو لتسريع وتيرة التطبيع مع إسرائيل عبر وساطة إماراتية لتعزيز قيادة الإمارات للمنطقة.

يتوقف سير هذه المصالحة على عدة عوامل أخرى غير تلك العوامل المباشرة التي ربما نجمت عن ضغوط أجنحة أكثر عقلانية داخل النظام السعودي وجهود حثيثة وناجحة للكويت وضغوط أمريكية، وأهم هذه العوامل هو قدرة السعودية على كبح جماح الإمارات إقليمياً، والموقف الإقليمي من العلاقات مع تركيا، وحل معضلة التعامل مع تيارات الإسلام السياسي، وهي معضلة قد تساهم في حلحلة الأوضاع في اليمن وليبيا أيضاً، إذ تجد القوى الإقليمية المناوئة للربيع العربي نفسها مضطرة للتعامل مع مختلف المكونات المحلية للخروج بمعادلة استقرار ممكنة.

أيضاً فإن ملفات الخلاف الخليجي والعربي بما فيها ملف التطبيع مع إسرائيل وملفات الانتفاضات العربية وموجاتها التي لا تزال قائمة والتصعيد أو التهدئة مع إيران وعلاقة النظم العربية مع الشارع العربي ذاته، وسياسة المحاور الإقليمية والمحاور المضادة، تبدو محدداً لتطوير هذه العلاقات.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر سمير
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
تحميل المزيد