في صباح 2 يناير/كانون الثاني 2021، استيقظ المصريون علی خبر وفاة الكاتب الكبير والسيناريست "وحيد حامد" عن عمر يناهز 76 عاماً، قضی أغلبها في الفن، منغمساً في كتاباته، وبين التقدير والمجد والاحتفاء الدائم بمنتجه الأدبي العظيم الذي تم تكريمه علی مجمله في أحدث دورات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثانية والأربعين، والتي بدا فيها الرجل سعيداً ومبتهجاً لما يلقاه من تقدير وتكريم لكل إسهاماته الفنية، والتي نال بسببها "جائزة الهرم الذهبي التقديرية"، كتكريم لمجمل أعماله.
وحيد حامد من مواليد عام 1944، ابن محافظة الشرقية، في إحدی القری التابعة لمركز منيا القمح، ارتحل إلی القاهرة عام 1963 للدراسة في كلية الآداب قسم اجتماع، وكانت تلك أولى خطوات هذا القروي الذي لم يكن يعرف أنه سيغير خريطة السينما والأدب في مصر طوال سنوات إنتاجه الأدبي.
محطات بارزة في حياة الكاتب
بدأ "وحيد حامد" مسيرته في الكتابة بمجموعة قصصية بعنوان "القمر يقتل عاشقه"، قبل أن ينصحه يوسف إدريس وهو يشير إلی مبنی "الإذاعة والتلفزيون" قائلاً: مكانك هناك.
وتلك كانت أول نصيحة للرجل الذي استغل كلمات الأديب الأكبر منه والأكثر خبرة، وخطا أولى خطواته نحو تغيير خريطة السينما في مصر.
يُعد "عادل إمام" أحد أفضل أدوات وحيد حامد وأبرزها في تقديم أغلب ما كتبه الراحل للسينما، البداية كانت من مسلسل "أحلام الفتی الطائر" عام "1978"، مروراً بـ"الهلفوت، الإرهاب والكباب، طيور الظلام، الغول، النوم في العسل، المنسي، الإنسان يعيش مرة واحدة، اللعب مع الكبار" وكان آخرها "عمارة يعقوبيان" في 2006
كما أثری محتوی السينما بعدة أفلام ذات واقع مصري اجتماعي وسياسي هام وتأريخي لفترات عاشها هو وعاشت فيها جموع الناس التي كانت تُقدّر منتج وحيد حامد وتحتفي به، وأبرزها "سوق المتعة، معالي الوزير، الراقصة والسياسي، البريء، اضحك الصورة تطلع حلوة، دم الغزال، احكي يا شهرزاد".
وقد أشار عادل إمام في تصريحات مع صحيفة "اليوم السابع"، إلى أن "وحيد حامد قدم الكثير للفن، وأعطى حياته من أجل إعلاء كلمة الوطنية، وكان شخصاً وديعاً وطيب القلب، فضلاً عن أنه رجل لديه رؤية واضحة في تقديم شخصيات من لحم ودم، ولذلك فوحيد حامد هو رمز الفن في مصر".
تزوّج الراحل من المذيعة التلفزيونية "زينب سويدان"، وأنجب منها ابنه الوحيد "مروان"، المبدع الذي سلك طريقه نحو الإخراج الفني.
كتب "وحيد حامد" المسلسلات والأفلام والقصص والمقالات، كان مبدعاً بحق، وكان صاحب رؤية فنية وعيون تليسكوبية تلتقط البعيد، كان صاحب رؤية وفكر منحاه التقدير والاحترام والمجد، وأفسحوا له المجال ليتربع بأفلامه علی صندوق الإيرادات فور صدورها ولمدة طويلة وبفارق كبير عن الجميع. أحب الناس أفلامه لأنها تحكي عنهم، لأن أبطالها يشبهونهم.
لأنها تناقش مشكلاتهم الكبيرة والتافهة، خلق لهم هذا الرجل عوالم موازية في بعض الأحيان، تجعلهم يرون ما يحدث في السلطة من تحالفات وخلافات ومشاكل، قربهم من الجماعات الإسلامية، ووضح أبعاد أفرادها النفسية، وشرح بشكل مفصل كل ما يمكن أن يسببه تحالف السلطة مع هذه الجماعات، وكيف ينقلب السحر علی الساحر في بعض الأوقات، منحهم الحق في ظهورهم علی الشاشة وظهور عوالمهم، كانت لديه القدرة على أن يرضي فئات كثيرة من الشعب، ويجعل الجميع يخرج من قاعة السينما وهو مبتهج ويتناقش مع أقرانه عن الهدف الحقيقي أو الإشارة الخفية في الفيلم.
صائد الجوائز الذي حصل علی 28 جائزة أولاها كانت عام 1972 من وزارة الثقافة عن مسرحية "آه يا بلد"، التي نالت جائزة أفضل مسرحية، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون، وجائزة نجيب محفوظ عن مجمل أعماله، وغيرها من الجوائز التي جعلت اسم الرجل يلمع ويحلق بعيداً.
وحيد حامد وعلاقته بالسلطة
في حوار قديم مع الإعلامي خالد منتصر، أكد وحيد حامد أنه يفضل الاحتماء بالناس بدلاً من الاحتماء بالسلطة، مشيراً إلی نهايات أفلام (النوم في العسل- الإرهاب والكباب- المنسي) وغيرها من الأفلام، وجاء في حواره:
"فيه ما هو أفضل من السلطة بكثير جداً، وإذا اترميت في حضنه فأنت آمن ولا تخشى على نفسك.. ارمي نفسك في حضن الناس وانت تستريح، وده المبدأ بتاعي، وأعتقد أني عبرت عن ده في أكثر من فيلم ليا في نهايات أفلامي، زي نهاية فيلم الإرهاب والكباب لما البطل احتمى بالناس، ونهاية فيلم المنسي لما عادل إمام احتمى بالناس، وزي فيلم النوم في العسل لما عادل إمام احتمى في الناس.. صعب جداً إن الكاتب ميكونش مؤمن بحاجة بيعبر عنها".
وأضاف الكاتب الراحل وحيد حامد في حواره آنذاك: "من يرتمي بأحضان السلطة عليه أن يدفع الثمن.. والحمد لله إن السينما في مجملها إنتاج قطاع خاص، ولا يستطيع أحد التدخل بها، ومهمة الكاتب والمبدع بشكل عام أن يدافع عن رؤيته وفكرته"، نافياً تقيده في أعماله التلفزيونية وتقيد حريته عن الذي يقدمه بالسينما، فهو يرى أن السلطة ليس لها دخل في ذلك، بل هناك رقيب داخلي من الكاتب لأن السينما بها مساحة حرية أكبر لأنه من يذهب إليها يكون باختياره ويدفع ثمن التذكرة، ولكن التلفزيون موجود أساسي في البيت، وفرد من أفراد الأسرة، ولازم يكون في حذر في التعامل".
ولكن كل ما يقال عكس هذا، يقال إن وحيد حامد هو أبرز كُتاب السلطة، وإن سر نجاحه كان يكمن في كراهيته للجماعات الإسلامية التي تشكلت علی شاشة السينما لعقود طويلة في أنهم لا يصلحون للسلطة مهما حاولوا، وفي رأي الكثيرين فإن وحيد حامد نال الكثير من المجد والحظ والشهرة وكل نجاحه علی أكتاف أولئك، عن طريق توظيف رؤيته لهم في كل أعماله، وهو ما جاء علی هوی السلطة، ففي الوقت الذي كانت تحارب فيه الحكومة ضراوة إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر كانت ثنائية وحيد حامد وعادل إمام تزدهر وتلمع بأفلام مثل طيور الظلام وعمارة يعقوبيان ودم الغزال، حتی حينما اتجه لشاشة الدراما لم ينس رسالته وقدم مسلسل "الجماعة"، وفي نظر الناس ترسخت رؤية وحيد حامد لأولئك من حيث الدوافع الشخصية لهم في الحكم، ورغبتهم في إقصاء أي طرف آخر من وجههم سواء لاختلاف ديني أو سياسي.
ما يقال عن وحيد حامد قيل من قبل عن "جورج أورويل"، الذي قدم للعالم إحدى أبرز روايات الديستوبيا "1984" و"مزرعة الحيوان"، ورغم ذلك قد تمت الإشارة إليه بأنه رجل سلطة من الدرجة الأولی، وأنه يشي بأي شخصية قد تشير ميولها إلی الشيوعية، وهو المذهب الذي حاربته أغلب الدول في القرن الماضي.
قد يكون الحظ خدم وحيد حامد وجعله يتفق مع السلطة لفترات طويلة علی كراهيتهم للجماعات الإسلامية، وقد يكون هذا الأمر هو ما تم تدبيره لتمرير الرسائل الأمنية للناس عن طريق سينما وحيد حامد، التي تُعد علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية لما تؤرخه من أوضاع اجتماعية وسياسة وصراعات لا تنتهي، ولكن في النهاية يعد وحيد حامد علامة بارزة في تاريخ مصر الأدبي والفني، لما قدمه للسينما من أفلام مثيرة للجدل وصلت لأربعين فيلماً، ولما قدمه من مسلسلات إذاعية وتلفزيونية وصلت لثلاثين مسلسلاً، والكثير من المقالات المثيرة للجدل لما ناقشه فيها من أمور وأحوال مصرية.
وفي النهاية تبقی آخر كلمات الرجل التي قالها في آخر ظهور له هي الأبرز والأهم، تحايلوا علی الرقابة واكتبوا بحريتكم وثقوا بالناس، وتذكروا أفلامي التي ربما تكون قد أسعدتكم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.