تموّل استخراج النفط مقابل احتكار الأسواق المحلية.. ما علاقة الاستعمار بسياسات الصين في السودان؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/02 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/02 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان/رويترز

بغض النظر عن موقفنا الفكري (وربما العقدي) من كارل ماركس، إلا أنه تفوق على علماء الاقتصاد الإسلامي (والباحثين في مجال علم الاجتماع الحديث) في فهمه للنظرية الرأسمالية والتكهن بمستقبلها. 

من الأشياء التي قدم فيها ماركس تفسيراً مخالفاً، قضية الاستعمار الأوروبي لدول العالم الثالث. أقر ماركس في بعض أعماله بأن الدوافع الرئيسية للاستعمار هي دوافع اقتصادية، وليست عقدية. فتكدس رؤوس الأموال لدى القوى الاستعمارية دفعها تارة للبحث عن أسواق جديدة، وتارة للبحث عن بدائل أرخص لمدخلات الإنتاج.

دعونا نتناول مستعمرتين بريطانيتين: الهند والسودان. قامت بريطانيا ببناء شبكة ضخمة للسكة الحديدية في كلا المستعمرتين، كما أنشأت العديد من المشاريع الزراعية التي كانت تنتج أجود أنواع القطن.

وهنا يمكن القول إن الإمبراطورية العظمى استخدمت المستعمرتين لتوفير المواد الخام لتحريك صناعة النسيج الإنجليزية. لكن المفارقة أن المنسوجات البريطانية كانت تأتي إلى المستعمرتين في شكل أقمشة فاخرة، قاطعة آلاف الأميال. لم تتمكن صناعة النسيج المحلي في كل من السودان والهند من منافسة المنتج الإنجليزي الجيد، كما أن المستعمر عمد إلى عدم تطوير الصناعة المحلية لئلا تنافس المنتج الإنجليزي القادم من وراء البحار. فكانت النتيجة انهيار شبه تام لصناعة النسيج المحلي (نجحت الهند في تطوير صناعتها المحلية بعد الاستقلال، إلا أن حظ السودان كان عاثراً).

الغريب أنه وبعد قرابة قرن من الزمان، قامت الصين بتطبيق نفس النظرية الاستعمارية في السودان. موّلت الحكومة الصينية عمليات استخراج النفط السوداني، لكنها في المقابل جعلت من السودان سوقاً مغلقة للبضائع والتكنولوجيا الصينية، الأمر الذي أفقد الصناعة المحلية القدرة على المنافسة، ما اضطر أصحابها الى الإفلاس. 

فإذا افترضنا أن ما قامت به الصين هو أمر طبيعي يتماشى مع السلوك الجشع للرأسمالية (كما وصفها ماركس)، أليس من العار ألا تستوعب الحكومة السودانية الدرس الصيني، رغم أنها خاضت من قبل تجربة انهيار صناعة النسيج. وكيف يعول رئيس الوزراء ووزير ماليته على إعانات المجتمع الدولي؛ وقد أخبرنا التاريخ بأنه ليس هنالك في السياسة الدولية ما يُعرف "بالصدقة لوجه الله".

انتبهت كليات الاقتصاد في الولايات المتحدة إلى أهمية إلمام طالب الدراسات العليا بالتاريخ الاقتصادي والسياسي؛ فأخذت تدرس مادة "التاريخ الاقتصادي". 

أتمنى أن يجد د. حمدوك وأركان حربه د. البدوي متسعاً من الوقت للاطلاع على تجارب الدول التي اعتمدت على الإعانات؛ فرغبة دبي الاستحواذ على موانئنا أمر غير جديد في التاريخ الاقتصادي للأمم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالرحمن أحمد
باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا الطاقة
سوداني أمريكي مقيم في ولاية تكساس الأمريكية، محلل اقتصادي في قطاع النفط والغاز، وباحث في الاقتصاد السياسي وقضايا الطاقة، حاصل على درجة البكالوريوس من جامعة الخرطوم، وحاصل على الماجستير من جامعة كليرمونت بكاليفورنيا، وكاتب رأي في عدد من الصحف والمواقع الإخبارية
تحميل المزيد