من إنشاء نادٍ يحمل اسمه إلى ترديد أغانيه في المظاهرات.. لماذا يعشق التونسيون الشيخ إمام إلى هذا الحد؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/28 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/28 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش
الشيخ إمام / مواقع التواصل الاجتماعي

لطالما كانت أغاني الشيخ إمام رفيقة الثوّار في العالم العربي وفي تونس بصفة خاصة، لدرجة أن تشك أن الشيخ إمام المصري ليس إلا تونسياً، بل مفرطاً في تونسيته، شباب وشيوخ، نساء ورجال في شوارع العاصمة وفي ولايات كثيرة من الشمال إلى الجنوب، يحفظون أغاني الشيخ إمام، تؤنسهم أغانيه في التجمعات وفي الاعتصامات، وتشحذ عزائمهم قبل الثورة وبعد الثورة أيضاً.

حظي الشيخ إمام بمحبة التونسيين منذ سنوات طويلة وتابعه جمهور عريض في حفلاته في تونس سنة 1984 وكانت أوّل حفلة له بولاية جندوبة وهي إحدى المناطق الداخلية بالشمال الغربي بتونس وتوالت حفلاته بعدّة ولايات تونسية أخرى. وتأسست فرق موسيقية في فترة الثمانينات تأثرت بغنائه، من أهمها فرقة البحث الموسيقي.

عشر سنوات بعد الثورة التونسية والإطاحة برأس النظام القديم، وما زال الشيخ إمام يحظى بالمحبّة والامتنان في تونس، بل إنّه يكرّم أسبوعياً في نادي الشيخ إمام بفضاء مسار المستقلّ بالعاصمة تونس، إذ يلتقي عشاق الشيخ من مختلف الأعمار يحفظون الأغاني ويرددونها سوياً في جوّ احتفائي بهيج.

أثار نادي الشيخ إمام اهتمام الإعلام العربي فكتب حوله الكثير وتابعت أنشطته الفضائيات العربية، وإلى اليوم رغم الانتكاسات ومحاولات الالتفاف على المسار الثوري لم تخمد محبّة الشيخ في قلوب التونسيين.

التونسيون الشيخ إمام
نادي الشيخ إمام

 عمر بن إبراهيم أحد المؤسسين لنادي الشيخ، رسام وفنان شاب في بداية الثلاثينات من عمره، مؤمن بالفنّ الملتزم ومقتنع بأنّ الفعل الثقافي سيغيّر شيئاً ما في تونس الجديدة، تونس ما بعد الثورة، بدأ عمر مشواره النضالي باكراً منذ دخوله إلى الجامعة ونشط في صفوف اتحاد الطلبة، وبعد سنوات من تخرجه ما زال مؤمناً بالثورة التي شارك في صفوفها لحظة اندلاع شرارتها وما زال إلى اليوم يغني أغاني الشيخ إمام مع عشرات التونسيين كلّ مساء أربعاء بفضاء مسار.

حول تجربة نادي الشيخ إمام يحدثنا عمر بن إبراهيم عن ظروف نشأته منذ ثماني سنوات أي في سنة 2012 بدار ثقافة بن رشيق بالعاصمة تونس تحت إشراف عازف العود التونسي خالد شامخ وانتشرت التجربة بدور ثقافة أخرى بالعاصمة، توقفت التجربة لعدّة أسباب، يواصل عمر حديثه وبعد توقف سنتين اتفق المشرفون على إحياء نادي الشيخ إمام من جديد بفضاء مسار بالعاصمة تونس وهو فضاء مستقل ومناضل من أجل ثقافة بديلة وهذه السنة الخامسة في عمر النادي في فضاء مسار وسنواصل التجربة.

 تغيّرت تونس كثيراً ربّما إلى الأفضل حسب إحصائيات مؤشرات حرية التعبير العالمية أو ربّما إلى الأسوأ حسب آراء الفئات الشعبية الهشة المتضررة من غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة، ولكن من الأكيد أنّك تتنفس الحريّة رغم الصعوبات، وتؤمن بأنّ المستقبل سيكون أفضل، وأنت ترى المشاركين في نادي الشيخ إمام، طلبة وعمالاً وأساتذة، شباباً وأطفالاً وشيوخاً، أكملوا التزاماتهم المهنية مساء يوم الأربعاء، هرعوا إلى فضاء مسار، ليغنوا أغاني الشيخ إمام، وكأنّهم في تلك اللحظة يشهدون لحظة ميلادهم وميلاد وطنهم في ساعات الغناء الجماعي، يمكننا القول بأنّ ساعات الغناء تلك ليست إلا انزياحاً جميلاً عن الحاضر المتعب بأمل نحو المستقبل المشرق وأيضاً تذكيراً مستمراً بمطالب الثورة.

التونسيون الشيخ إمام

زار تونس نشطاء وكتاب مصريون، لفت نظرهم محبّة التونسيين للفنان المصري الملتزم ومن بينهم الصحفي والكاتب المصري القدير كارم يحيى الذي تحدث إلينا عن حضور الشيخ إمام في تونس إلى يومنا هذا فيقول: لفت نظري منذ أول زيارة لتونس في خريف 2011 حضور ملحوظ للشيخ إمام عند التونسيين ومن مختلف الأجيال لا سيّما الأجيال الجديدة التي خرجت إلى الحياة والاهتمام بالشأن العام بعد وفاة الشيخ بعقود، إضافة إلى اشتراك مختلف الحساسيات السياسية في محبّة الشيخ إمام وحفظ أغانيه وقد عاينت هذا في العاصمة التونسية وفي المدن الداخلية.

يواصل الأستاذ كارم يحيى حديثه: "في مصر في ميدان التحرير كان الشيخ إمام حاضراً بقوة ولكن يظل حضور الشيخ إمام القوي في تونس مميزاً"، ويضيف: "تساءلت عن سرّ هذا  الحضور القويّ للشيخ في تونس،  طيلة فترة إقامتي بتونس أثناء عملي كمراسل لمؤسسة الأهرام، وحاولت الحصول على إجابة، في اعتقادي أن الشيخ إمام وجد في تونس تربة جاهزة لاستقباله على نحو أفضل واستثنائي" حسب تعبيره.

أربعة عوامل يفسرها لنا الصحفي المصري حول انتشار الشيخ إمام في تونس أولها حسب رأيه  لقد أتيح للشيخ إمام الوصول إلى جمهور واسع عبر الإذاعات لا سيما الحكومية وهذا لم يحدث في مصر لا قبل ولا بعد الثورة، وبالتالي كان هناك وسيط أو حامل واسع للانتشار في صفوف  الجماهير، يجب الإشارة إلى وجود  هامش في طبيعة النظام التونسي رغم استبداديته سواء في النظام البورقيبي أو نظام بن علي، وهذا لم يتوفر في مصر إلى يومنا هذا.

العامل الثاني توفر عامل آخر أسهم في انتشار الشيخ إمام، ما أسميه بالانتشار الثاني ربما الانتشار الأول بواسطة مثقفي اليسار في تونس وخارجها والانتشار الثاني الأكثر قوة وتغلغلاً في المجتمع التونسي حدث عندما استضاف اتحاد الشغل الشيخ في تونس والذي أحيا معظم حفلاته داخل تونس وخاصة في  المناطق الداخلية علماً أنّ الشيخ إمام لم ينجح أن ينظم حفلة في فضاء عام سواء في القاهرة أو في المدن المصرية باستثناء سنوات محدودة أتيح له أن يغني في الجامعة وأظن أنه لم يغنّ خارج جامعة القاهرة في منتصف السبعينات.

العامل الثالث أعتقد أنّ الشيخ إمام كان بمثابة امتداد لولع التونسيين بالغناء المصري بعد أم كلثوم، فلا يوجد عند التونسيين مغن مصري بأهمية الشيخ إمام، الذي استطاع أن يمتد بولع التونسيين بالغناء المصري إلى مساحات غير مألوفة بالفن الاحتجاجي والبديل، وفي ظني هذه ثلاثة عوامل مهمة في الانتشار الجماهيري بالإضافة إلى عامل رابع وهو عامل مجتمعي سياسي عام يختم الصحفي كارم يحيى حديثه إلينا وهو أن في قدر تشابه بين أوجاع المصريين وأوجاع التونسيين الاجتماعية والسياسية، وهذا القدر من التشابه يعبر عن نفسه في أغاني الشيخ كأغنية شيد قصورك على المزارع والتي تتحدث عن الاستبداد  وعذابات السجون، ويجب التنويه بتميّز الحالة التونسية بوجود فرصة للتعبير في المجال العام في تونس أكثر من مصر على سبيل المثال حركة اليسار بتونس مرحلة قبل الثورة والمناسبات التي يقيمها اتحاد الشغل كان متاحاً فيها التغني بأغاني الشيخ وهذا لم يكن متاحاً في مصر.

التونسيون الشيخ إمام

أبدع التونسيون في حفظ أغاني الشيخ ولمع نجم بعض الفنانين التونسيين بعد تأديتهم لأغانيه وما زالت أغانيه تغنى إلى اليوم في أوساط الطلبة وحفلات الاتحاد العام للشغل فترفع الشعارات وشارات النصر مع تلك الأغاني وكأنّ تلك الحفلة تدريب على الثورة، وإلى اليوم يحدث أن تجلس في أحد التجمعات فتغنى أغاني الشيخ، البحر بيضحك ليه، بقرة حاحا النطاحة، شيّد قصورك، كل عين تعشق حليوة وغيرها، دون أخطاء في النطق واللكنة وكأنّ هذه التجمعات تجمعات مصرية بميدان التحرير أثناء انطلاق الثورة المصرية المغدورة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خولة الفرشيشي
كاتبة تونسية
خولة الفرشيشي باحثة جامعية في علوم التراث، لها كتاب حول ثقافة الجسد، تنشط وتكتب حول قضايا المرأة والشباب في تونس.
تحميل المزيد