عاد ملف اللاجئين السوريين إلى لبنان إلى الواجهة مع إقدام شبّان لبنانيين في بلدة "بحنّين" قضاء المنية في شمال لبنان على إحراق مخيم للاجئين السوريين في البلدة.
وفي تفاصيل الحدث وفقاً لما رواه أبناء البلدة والأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية أنّ خلافاً فردياً نشب بين شخص من آل (م) من البلدة وبعض العمال السوريين من أبناء المخيّم على خلفية مالية، تطوّر إلى تضارب بالأيدي ومن ثم هجوم شبّان من العائلة المذكورة على المخيم واستخدم أحدهم سلاحاً حربياً مطلقاً النار تجاه المخيم ما أدّى إلى اشتعال النار في إحدى الخيام وانفجار قارورة غاز فيها، وسرعان ما التهمت النيران بقية الخيام المجاورة لتمتد ألسنة النيران إلى باقي المخيم وتحرقه، وقد أدّى ذلك إلى – بحسب الرواية الرسمية اللبنانية – جرح ثلاثة أشخاص من أبناء المخيم، وإلى فرار العائلات من الخيام في عتمة الليل وبرد الشتاء.
ويعود تاريخ إنشاء هذا المخيم في بلدة "بحنّين" إلى بدايات الثورة السورية عندما تهجّر قسم كبير من السوريين من سوريا إلى لبنان، وقد أقيم هذا المخيم في بلدة "بحنّين" بموافقة البلدية ومساعدة جمعيات ومؤسسات إنسانية تهتم بشؤون اللاجئين السوريين وتعمل على رعايتهم، ويضم المخيم قرابة أربعمئة خيمة تؤوي مئات العائلات من أكثر من منطقة من سوريا.
استنكار وتضامن
وفور شيوع نبأ إحراق المخيم تكثّفت حملة الاتصالات على أكثر من صعيد وبين فعاليات رسمية وسياسية وحزبية وشعبية بهدف تطويق الحادث ووضع حدّ لها وحتى لا يترك أية ذيول، وقد استنكر نائب المنية عثمان علم الدين ما جرى ووضعه في "إطار العمل الفردي المرفوض والمدان"، وطالب الأجهزة الأمنية بالعمل على محاسبة المعتدين، والاقتصاص منهم وقال إنّ الاعتداء يتناقض مع الحق والعدل.
من جهته، رئيس بلدية بحنين مصطفى وهبة استنكر بشدة ما حصل موضحاً أنّ الإشكال فردي بين تاجر وعمال سوريين يسكنون في مخيم للنازحين في منطقة بحنين ولا علاقة لأهالي بحنين بما جرى.
بدوره مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام استنكر الحادث ووضعه في إطار "التصّرف الأرعن"، وأضاف: "إنّ المجرم الذي ارتكب هذا الجرم لا ينتمي إلى دين ولا ينتسب إلى قيم ولا يمت إلى الجوار الكريم الذي احتضن به أهل منطقة بحنين والمنية إخوانهم النازحين وعوائلهم". وقد دعا المفتي إمام إلى فتح البيوت والمدارس والمساجد من أجل احتضان النازحين.
كما استنكرت الحادث الجماعة الإسلامية في الشمال وأصدرت بياناً وصفت فيه إحراق المخيم بـ"الجريمة بحقّ الإنسانية"، وأنّه فعل يشبه "ارتكابات النظام الفاشي وعصاباته، تُذكّر بـ"جرائم العدوّ الصهيوني الغاصب على أبناء فلسطين الحبيبة". وتخوّفت الجماعة أن يكون ما جرى يندرج في إطار ما سمّته "مسلسل التهجير القسريّ الجديد بحقّ إخوتنا النازحين". كما دعت الجماعة إلى التضامن مع أبناء المخيم، وإلى احتضانهم.
وفي سياق التضامن، أبدى عشرات الأشخاص في محافظة عكار استعدادهم لفتح بيوتهم لاستقبال النازحين الهاربين من المخيم وأعلنوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن أرقام هواتفهم للتواصل بهذا الخصوص، كما أبدى بعض مديري المدارس استعدادهم لفتح مدارسهم لاستقبال النازحين، كما فعل ذلك بعض فنادق المنطقة إلى حين تأمين مساكن لهم.
معاناة متواصلة
الجدير ذكره أنّ النازحين السوريين في لبنان يعيشون معاناة كبيرة تتفاقم كل يوم بسبب الأوضاع الصحيّة والاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان من ناحية، وبسبب الإجراءات المشدّدة التي تتخذها السلطات اللبنانية حيالهم من ناحية ثانية، وفي ظل حالة من العنصرية والتنمّر ضدهم في بعض المناطق اللبنانية من ناحية ثالثة، وقد كان آخر هذه الفصول قبل بضعة أسابيع عندما تمّ تهجير عدد كبير من العائلات السورية من بلدة "بشرّي" في شمال لبنان بسبب إشكال فردي بين أحد أبناء البلدة وبين أحد العمّال السوريين أدّى إلى تشريد معظم العائلات التي كانت تسكن البلدة بسبب الإشكال، كما أنّ العديد من البلدات التي يديرها أفراد في بعض التيارات السياسية التي تحمّل أزمات لبنان المتعدّدة لتواجد النازحين على أراضيه فرضت إجراءات منعت بموجبها دخول السوريين إلى نطاقها البلدي، كما منعت سكنهم فيها، ولعل في طليعة هذه التيارات السياسية، التيار الوطني الحرّ برئاسة الوزير السابق جبران باسيل. فضلاً عن أنّ رئيس الجمهورية، ميشال عون، يذكر دائماً أمام الوفود الأجنبية التي يلتقيها أنّ تواجد النازحين السوريين في لبنان يحمّل لبنان أعباء كبيرة ويخلّ بالتوازن والاستقرار اللبناني، مع العلم أنّ نسبة الجريمة وفقاً لإحصاءات قوى الأمن الداخلي في لبنان هي الأقل بين النازحين السوريين قياساً إلى الجرائم التي تُرتكب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.