تلقّى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون، الأحد الماضي، مكالمة هاتفية من نظيره التركي رجب طيب أردوغان، اطمأنّ خلالها على حالته الصحّية، معرباً له عن أمانيه بعودة قريبة وميمونة إلى بلاده"، وذلك بحسب ما جاء في بيان للرئاسة الجزائرية، وبحسب ذات المصدر، فقد أكّد الرئيس التركي متابعته باهتمام لكلمة الرئيس تبّون الموجّهة للشعب الجزائري، معرباً عن استعداده لمرافقة الجزائر في مشروع "السيّد الرئيس لبناء الجزائر الجديدة".
"مستعدّون لمرافقة الجزائر في مشروع السيد الرئيس لبناء الجزائر الجديدة".
الجملة المفتاح التي تضمّنها بيان الرئاسة الجزائرية التي يمكن أن نعتبرها ودون مبالغة نقطة الانطلاق لمرحلة جديدة من التحالفات، في المنطقة خاصة بالنظر لقدرة أردوغان على التموقع الجيوسياسي، واقتناص الفرص في وقت تعيش فيه المنطقة، على وقع تحوّلات شاقولية، حيث هبّت رياح التطبيع غرباً، بعد احتفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة له على موقع التدوين المصغّر تويتر بتوقيع اتفاق "تاريخي للسلام "، حسب تعبيره، بين المغرب الأقصى وإسرائيل، بعد شهر فقط على عودة الدفء إلى العلاقات بين الرباط وأبوظبي، بافتتاح الأخيرة لقنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء الغربية، بعد سنوات من الفتور خاصة عقب موقف الحياد الذي اتّخذته المملكة المغربية، من الأزمة الخليجية وحصار قطر صيف 2017.
فأبوظبي التي تتقن جيداً لعبة إثارة القلاقل وتغذية الصراعات، واللعب على أوتار التناقضات، وبعد أن يئست من محاولاتها في استمالة الجزائر إلى صفّها خاصة في الملف الليبي، بعد وفاة حليفها الفريق قايد صالح رئيس أركان الجيش سنة 2019، واعتلاء عبدالمجيد تبّون سدّة الحكم توجّهت نحو الجار الغربي عبر إغرائه اقتصادياً في وقت تعيش فيه المملكة ظروفاً استثنائية بسبب ارتدادات جائحة كورونا، ودبلوماسياً؛ بالاعتراف بمغربية الصحراء وفتح قنصلية لها فيها، بل وحشد الدعم الدولي الذي تجسّد لاحقاً في التحاق البحرين بركب المعترفين بمغربية الصحراء، وحديث عن قائمة أخرى من الدول التي تستعدّ لذلك بهندسة ووساطة من أبوظبي.
ومن المعلوم أيضاً بأن تحوّل موقف أبوظبي من الجزائر كان نتاج تقارب قصر المرادية مع الإدارة التركية، حيث أكّد الرئيس الجزائري في يونيو/حزيران 2019 أن العاصمة الليبية طرابلس "خطّ أحمر"، مندّداً بمحاولات ميليشيات خليفة حفتر المتتالية اجتياحها عسكرياً بإيعاز إماراتي، وذلك بعد لقائه رئيس حكومة الوفاق فايز السرّاج، والذي سبقه لقاء آخر جمعه بوزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو، كما أن أبوظبي لم تغفر لتبّون "خطيئة" التنديد بـ"هرولة" بعض الدول العربية إلى التطبيع، وذلك في تصريح تلفزيوني له في شهر سبتمبر/أيلول، حيث أكّد موقع "maghreb intelligence " الفرنسي أنّ أبوظبي تتحرك ضدّ الجزائر، وتعمل على ممارسة ضغوط على قيادتها بسبب عدد من المواقف لم تُرضِ ساسة الإمارات، الأمر الذي وصل حدّ التهديد، بحسب التقرير الذي نشره الموقع.
الملفّ الليبي.. نقطة التقاء مفصلية بين أنقرة والجزائر
من المعروف أن الجزائر تتعامل مع الملفّ الليبي كملف أمن قومي بعيداً عن منطق الاصطفاف والأجندات الدولية، وهو ما يطبع فلسفة السياسة الجزائرية التي تنظر بعين الريبة منذ سنوات إلى تعاظم الدور الإماراتي الفرنسي على حدودها الشرقية، ودعم أمير الحرب خليفة حفتر، خاصة بعد أن هدّدها بالحرب على خلفية دخول قوات عسكرية جزائرية إلى الأراضي الليبية على وجه الخطأ سنة 2018، وهو ما اعتبرته الجزائر تطاولاً من مشير متقاعد معروف بفلتاته من على عواهن القول حيث سبق له أن اتّهم الجزائر سنة 2014 بالتخطيط لنهب ثروات ليبيا، فالموقف الجزائري من الملفّ الليبي وإن أصبح أكثر مباشراتية، ووضوحاً مع الرئيس تبّون، فإنه من الملفات التي تحظى بإجماع في الجزائر سواء لدى الطبقة السياسية أحزاباً وشخصيات أو لدى جنرالات الجيش، حيث تناقلت تقارير إعلامية فرنسية، الصائفة الماضية، كواليس زيارة وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان للجزائر العاصمة، وذلك بعد خسارة قاعدة الوطية الاستراتيجية (على تخوم العاصمة الليبية طرابلس)، وسعي المسؤول الأوّل عن الدبلوماسية الفرنسية بطلب إماراتي، إلى إقناع السلطات الجزائرية بتغيير موقفها من الملفّ الليبي، وهو ما قوبل بالرفض، بحسب ما أفاد به موقع موند أفريك الفرنسي.
فتقاطع المصالح، الذي فرضه الأمر الواقع في الملفّ الليبي الشائك كان من الأسباب الأساسية لتقارب موضوعي بين أنقرة والإدارة الجزائرية.
فرنسا.. خصم إقليمي مشترك
"أرفض الرد على الرئيس الفرنسي "مانجاوبوش".. لكن هو حرّ يسوّق للبضاعة التي يشاء في بلاده، وأنا انتخبني الشعب الجزائري ولا أعترف إلا بالشعب الجزائري".
من كلمة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بعد ساعات من انتخابه يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2019، في إطار رده على سؤال صحفي يتعلق بدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون له بالشروع في حوار مع الفرقاء السياسيين وقيادات الحراك الشعبي.
فيوم 15 ديسمبر لم يكن يوماً لطيفاً جدّاً لقصر الإليزيه بانتخاب رئيس "سياديوي" للجزائر يميل إلى المعسكر الشرقي، ويناصب المستعمر القديم العداء حيث أكّد خلال حملته الانتخابية في حوار مع وكالة يورونيوز، انزعاجه من الدور الفرنسي "المشبوه" في إفريقيا، مؤكّداً أنّه وفي حالة فوزه في الانتخابات الرئاسية، فإنّه سيكون رئيس دولة عظمى في إفريقيا، وسيطالب باريس بالاعتذار عن جرائم قرابة قرن ونصف القرن من الاستعمار، كما هاجم تبون في ذات الحوار وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان الذي اقترح رعاية فرنسية لمرحلة انتقالية جزائرية بعد تنحّي عبدالعزيز بوتفليقة.
الخطاب الحاد للرئيس الجزائري الجديد دفع إيمانويل ماكرون إلى التسريع بفتح قنوات تواصل معه، حيث أعرب الإليزيه عن استعداده لتقديم اعتذار رسمي مكتمل للجزائر عن الحقبة الاستعمارية، وذلك في سبيل ترميم العلاقات معها، أو على الأقلّ ترويض النزعة السيادية للرئيس عبدالمجيد تبون، وتلطيف توجّهاته المعادية لفرنسا، وأتباعها في الجزائر والذي يلقّبهم حرفياً بـ"حزب أولاد فرنسا"، وهم أنصار التيّار الفرنكفوني الذين يشكّلون نفوذاً واسعاً في أجهزة الدولة.
وكدليل على اعتزام فرنسا تلطيف العلاقات مع الإدارة الجديدة في الجزائر، استقبلت الأخيرة رفات 24 مقاتلاً قُتلوا في السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي، تمت استعادتها من باريس بداية الصائفة المنقضية.
وفي سياق متّصل، خفّضت الحكومة الجزائرية الشهر الماضي مستوى استقبال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في مطار الجزائر العاصمة إلى أدنى درجاته، حيث كان في استقباله مدير ديوان وزير الداخلية الجزائري، كما تجاهلت وسائل الإعلام المحلّية، بشكل غير مسبوق، هذه الزيارة بشكل اعتبره أغلب المراقبين متعمّداً، في رسالة لفرنسا بعد صفقة أبرمتها مع جماعات متشدّدة في الحدود المالية الجزائرية بالإفراج عن مئات الإرهابيين، ودفع فدية بعشرة ملايين يورو لتنظيم "أنصار الدين " وهو تنظيم يؤرّق الجزائر أمنياً على حدودها الجنوبية، خاصة بعد عملية احتجاز الرهائن في منشآت لإنتاج الغاز بعين أميناس (جنوب شرق) في يناير/كانون الثاني 2013 من قِبَل جماعة متشدّدة من مالي.
تركيا من جهتها سعت إلى اللعب على وتر هذا الفتور في العلاقات بين باريس والجزائر، حيث هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اجتماع شعبي لحزب العدالة والتنمية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني بتذكيره بجرائم فرنسا في الجزائر، وإبادة مليون جزائري خلال فترة الاستعمار، وليست هذه المرة الأولى التي يذكّر فيها أردوغان فرنسا بجرائمها في الجزائر، حيث سبق له سنة 2011 حين كان يشغل منصب رئيس الوزراء أن هاجم الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وتذكيره بجرائم أجداده في الجزائر.
فالملاحظ أنّ أنقرة تسعى وبشكل لافت منذ سنوات إلى منافسة فرنسا في الجزائر، حيث عمدت إلى زيادة وتيرة استثماراتها هناك، لتصبح الأولى، متفوّقة على باريس التي كانت تسيطر حتى وقت قريب على الصدارة، فالاستثمارات التركية في الجزائر (تناهز 4.5 مليار دولار سنة 2018) أسهمت بشكل واضح في تعزيز النمو الاقتصادي للبلاد، علاوة على خلق 34 ألف وظيفة، وفق خبراء في الاقتصاد، كما أن المكانة الهامة التي يوليها الرئيس التركي للجزائر يمكن أن نلاحظها عبر زياراته الرسمية لها، وهي 4 زيارات، اثنتان كرئيس للوزراء (2006 و2013) واثنتان كرئيس للجمهورية (2014 و2020 ) حيث حرص في آخر زيارة في يناير/كانون الثاني 2020 أن يكون من أوائل الرؤساء الذين يزورون الجزائر، بعد تنصيب الرئيس عبدالمجيد تبون في شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 2019، وخلال استقباله لوزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم في أنقرة في شهر سبتمبر/أيلول أكد تشاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، دعم بلاده لموقف الجزائر من الأزمة في مالي.
الصحراء الغربية.. المعادلة الصعبة
إذا كانت كل العوامل والتطوّرات الإقليمية تصبّ في خانة الالتقاء الموضوعي بين الجزائر وتركيا، وتشي بتحالف استراتيجي بينهما، فإنّ ملفّ الصحراء الغربية يبقى عقبة كأداء، أمام الدبلوماسية التركية، ويحتاج إلى منسوب عالٍ من المرونة، باعتبار حساسيته، حيث تعلم أنقرة أن فقدان حليف واحد في شمال إفريقيا ربّما يكون له تأثير الدومينو، خاصة أنّها في صراع مفتوح مع دولة الإمارات التي تسعى بدورها لتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا، فالشركات التركية في المملكة المغربية تعيش منذ أشهر العديد من الصعوبات، والتي ربّما تعود للتقارب الإماراتي – المغربي، وهو ما يمكن أن يضعف الوجود التركي في المغرب الذي يبلغ الحجم التجاري معها 3 مليارات دولار في سنة 2019، مع ضرورة الإشارة إلى تلويح الرباط سابقاً وتهديدها بإيقاف اتّفاقية التبادل التجاري الحرّ مع أنقرة.
فالموقف الرسمي التركي من ملفّ الصحراء الغربية (موقف داعم لإيجاد حل سياسي عادل ودائم بإقليم الصحراء، المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، في إطار قرارات مجلس الأمن) على دبلوماسيته، فإنه قد يحتاج إلى بعض التعديلات التي يمكن أن تكون مؤلمة، خاصة أن كلاً من الجزائر والرباط ترفض أنصاف المواقف فيما يخص الملفّ المذكور.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.