في السادس والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، الماضي، أطلَت علينا السيدة انتصار عامر، حرم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأول مرة، عبر قناة "DMC"، في ضيافة الإعلامية إسعاد يونس.
بينما ركزتِ المقاربات التالية للقاء مباشرةً على محاولة استشراف الدور الاجتماعي، والسياسي، الذي تصبو السيدة انتصار لأدائه، قياساً على تجارب زوجات الرؤساء السابقين لمصر؛ فإنني أحاول، هنا، مقاربة اللقاء من زاوية مختلفة، وهي: الغرض من تصويره، في هذا التوقيت، وحقيقة ما تضمنه اللقاء من رسائل.
ليس عفوياً
الافتراض الرئيس الذي أنطلق منه في محاولة الإجابة عن الأسئلة السابقة، هو أن هذا اللقاء، استناداً إلى العرف السائد في مثل هذه اللقاءات، وباستقراء سلوك السيسي نفسه، في معظم تحركاته، لم يكن مجرد لقاء عفوي باقتراح من السيدة الأولى نفسها أو من شخص مقرب، وإنما كان جزءاً من مجهود رسمي مترابط أكثر شمولاً لإعادة تقديم عائلة الرئيس للجمهور.
نلاحظ هنا أن مقدمة الحلقة نفسها، إسعاد يونس، نظراً لعدم إمكان التصريح المباشر بهذا الغرض، أن اللقاء جزء من جهود إعلامية لإعادة تقديم عائلة الرئيس، لم تستطع تبرير سبب الظهور المفاجئ للسيدة انتصار في بداية اللقاء؛ فحاولت الالتفاف على هذا المدخل، بالادعاء تارة أننا في فصل الخريف، وهو فصل يحب "الحكي"، والحديث تارة أخرى عن أن السيدة انتصار محملة برسائل إلى نساء مصر، مع تلميح بأن هذا اللقاء نافذة للتعرف على شخصية "السيسي"، بشكل غير مباشر، عبر حرمه، في شهر ميلاده: نوفمبر.
أمام هذا العجز عن تبرير الظهور، والافتراض الذي ننطلق منه؛ لنسأل سؤالاً: هل هناك أي سابقةٍ لتقديم أحد أفراد أسرة السيسي، عبر نافذةٍ إعلامية محلية، بشكل يوحي بأن الأجهزة الأمنية المُسيِرة لشؤون البلاد، تعمل على إعادة تقديم أسرة الرئيس، لتصحيح أخطاء شائعة عن حياتهم، أو رسم صورة ذهنية جديدة، في أوقات محددة؟
في الـ30 من يونيو/حزيران الماضي، أي قبل لقاء السيدة انتصار بأربعة أشهر فقط، نشر الصحفي تامر إبراهيم تحقيقاً خطيراً عن محمود السيسي، لا يمكن تصور إمكان الحصول على تفاصيله أو السماح بنشره، دون موافقة مباشرة من الأجهزة الأمنية، ومن نجل الرئيس نفسه، مع العلم بأن هذا الموقع كانت صلته بالمخابرات، كأحد "الأذرع الإعلامية" الجديدة معروفةً من قبل نشر التحقيق.
حاولتِ الأجهزة الأمنية من خلال المادة التي يبدو أن الكاتب اجتهد فعلاً في صياغتها، تبديد أشهر السرديات المعروفة عن نجل الرئيس: ترقيه إلى رتبة عميد، استفادته من منصب السيسي، عمله نائباً لمكتب عباس كامل، نفوذه في إدارة البلاد، سفره إلى روسيا، مسؤوليته عن التهريب في سيناء.
فبحسب المادة المُطعَمة بقدر جيد من الأدلة، لا يزال محمود السيسي على رتبة "مقدم" التي تقتضيها سنة تخرجه في الكلية الحربية 2003، ولم يصل بعد إلى رتبة عميد كما أشيع، ولم يقم بتولي منصب نائب مدير الجهاز؛ لأن من يشغل هذا المنصب فعلياً منذ يونيو/حزيران 2018، هو اللواء ناصر فهمي. ولم يستفد كثيراً من منصب والده في الجيش، لأنه بدأ حياته العسكرية في مكان صعب، هو الجيش الثاني الميداني، بعيداً عن نفوذ والده الذي كان يشغل منصب رئيس أركان المنطقة الشمالية. وقد رُفض في المحاولة الأولى للانضمام إلى جهاز المخابرات العامة، بينما كان والده يشغل منصب نائب مدير المخابرات الحربية.
ولكن بعد قَبوله في الدفعة التالية، استطاع نجل السيسي أن يحظى بثقة رؤسائه عبر نجاحه، مع زملائه، في كشف الجاسوس "الإسرائيلي" إيلان تشايم جرابيل إبان الثورة، حيث كان يعمل محمود ضابطاً في قسم مكافحة التجسس الأجنبي بالمخابرات العامة، ثم اختير لاحقاً، بعد الثورة للعمل في قسم مكافحة التنظيمات الإرهابية بسيناء، وقد عمل مع كل مديري الجهاز بدايةً من عمر سليمان وصولاً إلى عباس كامل على مدار أكثر من عشرة أعوام حتى الآن.
كان هذا مضمون التحقيق الخطير، ولكن ما يهمنا، هنا والآن، أن الأجهزة الأمنية تبذل مجهوداً بالفعل لإعادة تقديم عائلة الرئيس للجمهور، عبر نوافذ إعلامية محددة، في أوقات معينة؛ وذلك بعد "القصف" الذي تعرض له بيتُ العائلة، إبان أحداث سبتمبر/أيلول الأولى التي قادها المقاول المنشق محمد علي، وهو ما أكده نصاً كاتب التحقيق.
انتصار عامر
كيف تؤثر هذه المعلومة؟ إن جروح النظام من ضربات المقاول الأولى لم تندمل بعد وأنه تجري محاولاتٌ حثيثة لتطهيرها، على قراءتنا للقاء السيدة انتصار عامر؟
عندما نتذكر أحداث سبتمبر/أيلول 2019، سنجد أن أكثر شخصيتين في عائلة الرئيس تعرضتا للهجوم من جانب المقاول، هما محمود وانتصار السيسي، وربما كان للأخيرة نصيبُ الأسد من الهجوم والانكشاف. السردية التي روجها المقاول حينئذ، أن حرم الرئيس توحشت، بالتزامن مع التحولات المهنية الأخيرة في حياة زوجها، منذ صعوده لمنصب وزير الدفاع على الأقل، فصار لديها شرهٌ نحو القصور والفيلات والإكسسوارات، مع بعض الطموح للظهور السياسي البسيط، الذي قد يعيقه ضعف قدراتها التواصلية.
دون أي تكلف أو عناء، سنلاحظ، بوضوح، أن إحدى أهم "الرسائل"، إن لم تكن أهمها، التي تضمنها اللقاء، كانت محاولة نقض هذه السردية التي روجها المقاول، وكأننا أمام محاولة إصلاحٍ لما فات وتدارك لما تبقى من الصورة الذهنية لحرم الرئيس.
اختار معدو اللقاء إسعاد يونس تحديداً لإدارته لأنها كما يقال "بنت بلد" وتشبه، في أسلوبها ولغتها المزاج المصري، وتجنبوا لميس الحديدي ذات النكهة السياسية، التي حاورت زوجها الرئيس من قبل في أول ظهور إعلامي له مرشحاً لمنصب رئاسة الجمهورية، ومنى الشاذلي، التي تبدو أزياؤها ولغتها وطريقتها أقرب لسيدات الطبقة الراقية.
من جانبها، حرصِت السيدة الأولى بشكل واضح على إبراز كل مظاهر "البساطة" في عرضها البانورامي السريع لقصة حياتها، فالنشأة كانت في شارع الجيش، والخطوبة كانت من قريبها، الذي لم يأت ليحب بل ليحمل المسؤولية، في أسرة ممتدة، والتعليم الجامعي كان في كلية الشعب (التجارة)، وحياتها بعد الزواج صارت مرتبطة، ومعلقة كلياً بالرئيس، فهي امرأة لا تعمل، ولكنها زوجة، وأم، وجدة.
كل شيء في حياة السيدة انتصار، كما أرادها معدو اللقاء، بسيط، ومعظم الإجابات مذيلة بعبارة "زي كل المصريين". الملابس التي ترتديها في اللقاء مصرية بالكامل، من صناعة العاملات في الحرف اليدوية، والوجبة المفضلة عندها هي الطواجن والحلويات الشرقية، والرياضة المفضلة هي أبسط الرياضات في الوجود: المشي، ووسيلة الترفيه المثالية الجلوس في "البلكونة" وتناول "اللب"، والتعليم والسفر كانا أمل الأسرة المتوسطة في مزيد من الاستقرار الاجتماعي. وعلى نفس هذا المنوال، في التدين والثقافة والأغاني، كل شيء في حياتها بسيط يشبه مزاج المصريين، بشكل مغاير لما صدره المقاول الذي تعامل معها عن قرب.
حتى تحولات الأسرة المكانية، كما صدرها معدو اللقاء، كانت قريبة ومفهومة، من القاهرة القديمة لمدينة نصر. والشخصية الوحيدة التي سئلت عنها من خارج العائلة، كانت أكثر الشخصيات المقبولة لدى كل المصريين، محمد صلاح. بهذا "الإسكربت" الذي كان من الممكن أن يعج بالأسئلة الجدلية إذا كان اللقاء مع وسيلة إعلام تمتلك الحد الأدنى من المهنية، أو بـ"رتمٍ" مختلف على الأقل إذا كان مع وسيلة إعلام رسمية في سياق آخر، يعتقد معدو اللقاء، أنهم دفنوا الصورة التي حاول المقاول تصديرها عن حرم الرئيس، للأبد، وذلك بعد إعادة تقديم نجل السيسي، بشكل يليق بضابط استخبارات قبل ذلك.
كيف قدمت السيسي؟
في خضم رسائل "البساطة" المباشرة التي اتفق على نثرها أطراف اللقاء لمدة تقارب الساعة، وبالرغم من خلو الحلقة من أي نقاشات سياسية بالمعنى المعروف، إلا أنه من الملاحَظ أن السيدة انتصار نجحت في تقديم زوجها – والدولة والمجتمع – بالشكل الذي يحاول السيسي أن يرسمه منذ قدومه إلى السلطة، بدقةٍ متناهية، كما لو كان السيسي نفسه هو من يتحدث.
فعندما أرادت أن تتحدث عن أصعب لحظةٍ مرت عليها خلال الفترة الأخيرة، أشارت إلى يوم الثلاثين من يونيو/حزيران قبل سبعة أعوام، نظراً لخوفها على أسرتها. هذه مشاعر غريزية، وقد تكون الإجابة حقيقية؛ ولكن المفارقة، أن هذه اللافتة، بالضبط، أشار إليها السيسي، خلال لقائه العاجل في أحداث سبتمبر/أيلول الأولى، حينما حاول استجداء المصريين وابتزازهم عاطفياً:"بقى ابن مصر، اللي حط روحه على كفه هو وعيلته في تلاتة سبعة، يتعمل فيه كده؟".
وفي إجابتها عن أقسى اللحظات التي تمر بها بين الحين والآخر، وتتسبب في بكائها، عاودتِ انتصار تعريف الوطنية، وفق معيارها الجديد في عهد السيسي. فما يبكيها هم شهداء الوطن، وشهداء الوطن هم ضباط الجيش والشرطة الذين يدينون بالولاء لزوجها، ويحاربون أعداءه، ويهادنون أصدقاءه. وما عدا ذلك، حتى لو كان منتمياً لنفس المؤسسة في وقت ما، لا يعد، أبداً، من شهداء الوطن. وهو نفس ما يقوله السيسي بالضبط. وقد استعارتِ انتصار أكثر من مرة للتعبير عن هذا المفهوم، أحدث صوره الفنية ذات البعد الاجتماعي، مسلسل الاختيار، الذي يحدد بدقة كيف يمكن أن تكون جندياً موالياً للوطن، وكيف يمكن أن تكون مارقا، وفق تعريفهم.
والملهم في تجربة محمد صلاح، كما أجابت انتصار، ليست الصورة النهائية للإنجاز، ولكن حجم الجهد المبذول، غير المرئي، خلف الصورة النهائية، وهي لافتة حقيقية وذكية، ولكن، بالمثل، تكمن وراءها رسالة شبه سياسية أيضاً، طالما رددها السيسي منذ أن خلع البدلة العسكرية، وهي أن هذا التقشف الذي يعيشه المصريون سيعقبه انفراجة في وقت ما، وأن التضحيات التي يضجر بها البعض سيجني ثمارها أبناؤهم مستقبلاً.
أما القيم، كما تراها انتصار، والسيسي طبعاً، ليست قيماً دينية بحتة، حتى لا ينازعهما فيها الإسلام السياسي، فالمجتمع الذي نشأت فيه انتصار، على حد قولها، كان يعرف الصواب والخطأ، دون الحاجة إلى توجيهات دينية مباشرة، وهو ما قاله السيسي نصاً في لقائه الأول مع إبراهيم عيسى، عن أن إزاحة الإسلام السياسي، تنظيمياً، ليست كافية، ولكن ما نحتاجه أيضاً، هو التخلص من هذا "الفكر"، لذلك كان السيسي، كما ذكر في لقاء آخر، يتحفظ على الجلوس في المسجد بعد أوقات الصلاة، وكان يحذر أبناءه الذكور من هذه التجمعات. وبحسب ما ذُكر في التحقيق المشار إليه عن نجل السيسي، فقد تلقى محمود تعليماً أزهرياً حتى مرحلة قبل التحاقه بالكلية الحربية، وكانت الأسرة تجلب شيخاً للمنزل لتحفيظ الأبناء القرآن. هذا هو مخيال التدين في ذهن السيسي، ومن بعده انتصار.
وكما يفعل السيسي دائماً، حاولت انتصار دفع كثير من الإجابات عن الأسئلة التي تخص الجوانب الإنسانية، أو شخصية السيسي، إلى ناحية موقفه مفرط الحساسية تجاه المرأة. وهو ما حرص السيسي على إيضاحه من قبل، فقد كان يعامل الإناث معاملةً استثنائية تكسب ودهن، عكس علاقته الجامدة بالذكور. وتندرج هذه "الثيمة" ضمن مساعي السيسي المستمرة لإظهار أدب جم في معاملاته مع الآخرين بشكل عام، وذلك حتى يبرر أنه لا يستعمل القوة إلا ضد من يستحقها حصراً، أهل الشر. وفيما يخص المرأة تحديداً، فإنها "ثيمة" مثالية، إلى جانب ثيمات أخرى، لتجميل صورته أمام المجتمع الغربي، وبناء خطٍ اتصال خطابي مخصص مع هذه الفئة الكبيرة عددياً، لأغراض سياسية، تتعلق بمواسم الانتخابات.
تبدو انتصار في هذا اللقاء منصهرة تماما في شخصية زوجها، بلا أي مهارات نقدية أو قدرة على الخروج عن النص. وفي مفارقات طريفة، تكشف لنا كيف أُعد هذا اللقاء، تعجلت إسعاد يونس الإشارة إلى موضوع ملابس انتصار، وقد كانت مسألة أزيائها الباهظة محل جدل قبل هذا اللقاء، فبادرت نصاً وقالت: "ملاحظة إن حضرتك لابسة أزياء مصرية بالكامل" – وكأن هذا شيء يمكن التأكد منه بالملاحظة العبارة دون تلقين قبل اللقاء. وحينما عرجت يونس على دور الدولة في دعم المرأة، أخذت انتصار ترتب وتستذكر الأرقام الرئيسية الخاصة بالفكرة: أعداد النساء في المجتمع، وأعداد الوزيرات في الحكومة ومجلس النواب، وكلها "كليشيهات" مستعارة من ردود السيسي على نفس الأسئلة.
أين الحقيقة؟
قد يكون ما ذكر في تحقيق "القاهرة 24″، بخصوص نفي أهم الوحدات المعرفية الشائعة عن محمود السيسي صحيحاً؛ لأن محمود ضابط في المخابرات، وضباط المخابرات – بطبيعة الحال – تغلف أعمالهم كثير من السرية.
وإلى الآن ليس لدينا صورةٌ واحدة رسمية موثقة لنجل الرئيس، كما أن هذه المسألة، التحري من المعلومات الأمنية، ما زالت بعيدة المنال عن الصحف العربيَة، لأسباب منها الطبيعة المغلقة لهذه المؤسسات، وغياب الكفاءات البشرية القادرة على التعامل مع هذا المجال. أشهر الأسماء الرسمية التي عملت في هذا المجال، مراسلين عسكريين، ياسر رزق وسامية زين العابدين، كان دورهما يقتصر على نقل بيانات "الشؤون المعنوية" إلى الصحف.
أما محاولات نقض ما نعرفه عن انتصار عامر، معرفياً، لم تتم بالشكل المنشود، أو بالشكل الأمثل. فمن جهة، كل ما ورد في اللقاء – كما أوضحت – كان معداً سلفاً بعناية. قالت انتصار إنها تطهو، عادة، طاجن "البامية"، لأن الاتفاق كان على هذا الصنف، وغير مسموح، مثلاً، الحديث عن طاجن "البطاطس بالجمبري"، لأنه في نظر المعدين، كان ليخل بالصورة الذهنية المراد إعادة رسمها لحرم الرئيس كسيدة من الطبقة الوسطى "زي كل المصريين". ومن جهة أخرى، وخلافا لما قيل عن نجل السيسي، فإن ما حكاه المقاول عن انتصار عامر كان موثقاً، بالموقع والأسعار القديمة والجديدة، لأن المقاول كان طرفاً فاعلاً في الأحداث وأدق التفاصيل. وهو ما ينطبق على "إكسسواراتها" التي أعاد المدونون رصد ثمنها بعد تصويرها في زيارات رسمية، بمبالغ باهظة.
يحيلنا ذلك مباشرة، إلى استمراء الكذب، من جانب قادة الدول بشكل عام، ومن جانب أسرة السيسي بشكل فج. فهذا اللقاء المسجل مع انتصار مؤخراً، يشبه من إحدى الزوايا، لقاء السيسي بساندرا نشأت، منذ أكثر من عامين. مذيعة مختلفة، وديكور مميز، وأسئلة مرتبة بدقة، لتخلو من أي عفوية ممكنة، تلافياً للأخطاء السابقة. في هذا اللقاء، الذي سبق الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، أجاب السيسي عن سؤال نزوله الانتخابات بمفرده تقريباً، بأنه، بعد الأيمان المغلظة، كان يتمنى أن ينافسه عشرات المرشحين، لكن تجربتنا الوليد ما زالت فقيرة حزبياً. هذا الرد، لمن لا يتذكر، بعد أن قبض السيسي على قائد أركان الجيش ورئيسه السابق مهنياً، سامي عنان، وزميله أحمد قنصوة، ورحل أحمد شفيق. وللمفارقة، جاء لقاء انتصار، الذي ينضح بالبساطة، بعد ساعات من استضافة السيسي فنانة غربية، بمبلغ وقدره، بالعملة الصعبة، للاحتفال بعيد ميلاده.
اختار المقربون من دوائر صنع القرار هذا التوقيت لبث اللقاء، لأنه توقيت هادئ، يصلح لمثل هذه الأغراض، ترسيخ صورة ذهنية منشودة عن عائلة الرئيس، وطمس أخرى غير مرغوبة، يجني النظام خلاله ثمار عمله طيلة الأعوام السابقة، عبر استقرار نسبي في سيناء، وبالغرب المجاور، ومؤشرات ظاهرية على تحسن الاقتصاد، واقتراب الانتقال إلى قلعة الأمن التكنولوجيا والبيانات: العاصمة الإدارية الجديدة. ومحمد علي نفسه، مفجر هذه الأزمات، قد انطفى بريقه، وصار أقرب إلى التشرد خارجياً، إن لم يكن تسليمه للنظام. وقت مثالي لهذه المهمة، وبحسب الأرقام المتعلقة باللقاء فقد أدى غرضه إلى حد كبير.. ولكن السؤال: إلى متى ستستمر هذه الصورة المصنوعة إذا كانت السلوكيات لم تتغير، والمنطق الحاكم هو: طمس الأتربة بدلاً من كنسها؟ هل ستسلم الجرة المرة القادمة؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.