مشاهد العنف والموت على السوشيال ميديا: اللهاث وراء التفاعل مقابل قتل إنسانيتنا

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/20 الساعة 15:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/20 الساعة 15:18 بتوقيت غرينتش

وقعت عيني على مقطع فيديو يصور أشخاصاً يحفرون قبورهم ثم يجربونها بالنوم داخلها زاعمين أن هذا يذكِّرهم بالموت الذي لا مفر منه.

 الحقيقة أنني لست من الفقهاء في أمور الدين، ولا أعرف أكثر مما يعرفه غالبية المسلمين. والناس جميعاً، المؤمن منهم ومن لا دين له، يعلمون أن نهاية كل إنسان هي الموت، ومع ذلك لا أعرف لماذا يلجأ البعض إلى نشر مشاهد الأكفان والموتى والقبور أو التجهيز لموتهم. وكأن الله خلقنا لنموت ولم يذكر لنا العمل والتفكر والتدبر وعمارة الأرض!

 وفي كل الأحوال سواء من تجهز للموت أو من لم يتجهز جميعاً سنموت! لكن ماذا لو كنت أقضي حياتي في عمل ينفع الناس؟

ماذا لو كنت باراً بوالدي وأهلي وأقضي معهم المزيد من الوقت، ولطيفاً مع جيراني ومجتهداً في دراستي أو مبدعاً في عملي، أو البحث عن عمل ينفعني وينفع غيري حتى لو كان مجرد رسم ابتسامة على وجوه الآخرين؟

أليست هذه الأمور سترضي الله أكثر من إثارة الكآبة في النفس وانتظار أمر واقع لا محالة من خلال نشر تلك المقاطع أو الصور دون فائدة من ورائها غير نفور من يراها خاصة إذا كان يعاني من مرض رهاب الموت أو يحاول تناسي عزيز فقده، أو ثمة مريض أو أب أو أم مسنة في عائلته ويجعله يشعر بالحزن أو بالقلق من فقدهم؟!

لماذا لا تكتفي بالتفكر بينك وبين نفسك ولا تشارك الآخرين ما قد لا تحتمله مشاعرهم وكأن المشاعر والحالة النفسية كلمات لا محل لها من الإعراب في بلادنا العربية؟!

وعلى صعيد آخر هناك من يتلذذ بنشر مشاهد العنف والحوادث في سبيل جمع التفاعل رغم أن هناك دراسات تؤكد الأضرار النفسية التي تصيب من يتعرض لمشاهد عنف حيث تؤدي إلى تبلد مشاعره ويصاب باللامبالاة تدريجياً.

كما أن هناك دراسات تشير إلى الأثر النفسي الذي يقع على من يتابع مشاهد العنف وقد نُشرت من خلال موقع (المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والإنسانية) نتائج عدد من الأبحاث التي أجريت على شرائح وفئات مختلفة من البشر وجاء من بينها دراسة سميث ستاسي (خوف الأطفال من مشاهد العنف والقتل في نشرات الأخبار التلفزيونية) 1987.

"وجدت هذه الدراسة ازدياد مشاهدة الأطفال لنشرات الأخبار التلفزيونية نتيجة تغيير عادات المشاهدة وطغيان نمط المشاهدة الجماعية من ناحية، وازدياد أخبار الحروب والكوارث ومشاهد العنف في نشرات الأخبار من ناحية أخرى. وسعت هذه الدراسة التي جرت في جامعة بوسطن إلى التعرف على نقاط خوف الأطفال من مشاهد العنف في نشرات الأخبار من خلال مقابلة عينة من الأطفال الكبار وعينة من الأطفال الصغار.

وتوصلت الدراسة إلى التالي:

– قدرة الأطفال الكبار والصغار على استرجاع وتذكر مشاهد من نشرة الأخبار التلفزيونية، وتذكر مشاهد من نشرة الأخبار التلفزيونية.

– أن الأطفال الكبار يستطيعون فهم ما يشاهدونه من عنف بشكل واقعي، مما يؤدي إلى ازدياد مخاوفهم مما يحيط بهم وتوقع تعرضهم لهجوم أو اعتداء عليهم، لكن الأطفال الأصغر سناً يعتقدون أنه غير واقعي.

– أن الأطفال الأصغر سناً يخافون من مشاهد الكوارث الطبيعية، بينما يخاف الأطفال الأكبر سناً من مشاهد العنف والإجرام".

كما جاءت دراسة لسهير صالح إبراهيم (تأثير الأفلام المقدمة في التلفزيون على اتجاه الشباب المصري نحو العنف) 1997م.

"هدفت هذه الدراسة إلى محاولة تحديد تأثير العنف المقدم على شاشة التلفزيون على الشباب، وكيف يمكن أن يكون العنف التلفزيوني أداة (غرس) اتجاهات عدوانية لدى الشباب، ويعلمهم طرقاً وأساليب عنيفة للتعامل في حياتهم الواقعية. واعتمدت الباحثة على عينة قوامها أربعمئة من الشباب، وتم تقسيم العينة طبقاً لمتغيرات النوع والسن والمستوى العلمي. وأثبتت نتائج تحليل مضمون الاستمارة التي أعدتها الباحثة وجود علاقة ارتباط بين معدل التعرض للعنف في الأفلام وتفضيل الشباب النزعة العدوانية في حل مشاكلهم. كما وجدت الباحثة علاقة ارتباط بين معدل التعرض للعنف في الأفلام وإدراك الواقع الاجتماعي المقدم في التلفزيون إضافة إلى وجود علاقة بين كثافة التعرض للعنف في الأفلام التي يعرضها التلفزيون والاتجاهات العدوانية لدى الشباب".

هذه الأمور التي أمست تحدث بتلقائية مخيفة جعلت مشاعرنا مباحة للعبث ولم تجعل للحزن جلاله وهيبته وصار الخوض أمراً عادياً يفعله البعض ببساطة من أجل جمع تفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي وهو بذلك يدعي أنه مؤمن يخشى الله دون أن ينتبه للأذى الذي سيصيب من لا طاقة لهم مثله!

إننا نفقد إنسانيتنا بالاعتياد على مشاهد العنف والموت والحوادث والتي صارت مشاعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، فوراء كل حادث يلهث الأكثرية لنشر صور المصابين والأشلاء والجروح دون أن يكترث لمشاعر الآخرين! والبعض يدعي أن نشر الحالات الإنسانية بغرض التبرع رغم ما تحمله من جروح أو تشوهات تفتت القلب وهو لا يعلم، أو بالأحرى لا يهتم، بنتيجة هذا حيث ستحول تلك الحالات وغيرها إلى لا شيء ولن تثير في النفس أي تعاطف مع تكرارها!

ماذا لو ذكرت الحالة في سطور وذكرت طرق التواصل معها ومن سيتبرع، ببساطة لن يحتاج إلى صور مؤلمة تستجدي مشاعره! ماذا عن مشاعر الآخرين، ألا تستحق القليل من الاحترام؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سماح الشريف
كاتبة مصرية
كاتبة و مدوّنة مصرية مهتمة بالفنون والشأن السياسي، وحاصلة على درجة ليسانس الترجمة واللغات. كما اجتازت دبلومة الإذاعة والتلفزيون. وفائزة بالمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة من الاتحاد الدولي للأدباء عام 2017.
تحميل المزيد