نتيجة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعاني منها "إسرائيل" أصاب الشلل السياسي عملية اتخاذ القرارات، بما في ذلك في المواضيع الأمنية والعسكرية، هذا الأمر يمسّ بجاهزية المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وقدرتها على مواجهة التحديات المتسارعة.
منذ إقامة الحكومة الإسرائيلية الحالية لم يتم وضع قانون الميزانية، بما في ذلك ميزانية الدفاع، ولم تتقرر مشتريات الأجهزة والوسائل القتالية الجديدة، ولم تقر الخطة متعددة السنين التي عرضها رئيس الأركان أفيف كوخافي "تنوفا". وكما أشار مدير عام وزارة الدفاع، اللواء احتياط امير ايشل، مؤخراً، فإن ملاءمة عمليات التأهيل، بما في ذلك شراء وتلقي وإدراج منظومات قتالية أو طائرات جديدة، يستغرق وقتاً، وإسرائيل تستخدم جزءاً من طائراتها، المروحيات مثلاً، فيما يتجاوز جداً ما يقصده المنتج.
كما أن تداعيات جائحة كورونا، ألقت بثقلها على النفقات والخطة العسكرية العامة التي أعلنها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، في شباط/فبراير الماضي، والخاصة بالاستراتيجية العامة للجيش الإسرائيلي في مجال التسليح، وهي خطة ممتدّة على مدار السنوات الخمس المقبلة، وأقرّها وزير الدفاع نفتالي بينيت في كانون الثاني/يناير 2020.
تستهدف هذه الخطة، التي تمّت تسميتها باسم (تنوفا)، الاستفادة الكاملة من مواضع التفوّق العسكري الإسرائيلي، وتحديداً القوّة الجوية والحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى تحسين القدرة على التحديد الدقيق للمواقع المعادية الأكثر أهمية، واستهداف أكبر عدد ممكن منها بشكل سريع وفعّال، وكذا تحسين وتطوير المعدّات والأسلحة المتوافرة، على مستوى الكم والنوع، وإعادة التنظيم الداخلي للهيكل الرئيسي لبنية الجيش الإسرائيلي القيادية والإدارية.
لذلك يعد عدم إقرار قانون الميزانية وانتشار كورونا خطراً ماليّاً يهدد تمويل الجيش بسبب التكاليف المباشرة وغير المباشرة على ميزانيّة الكيان. وفي حال استثمرت الحكومة مبالغ ضخمة لإحياء الاقتصاد بعد احتواء الوباء، ستتأثر ميزانيّات الجيش وخططه طويلة المدى، خاصّة خطّة (تنوفا). وهذا مع استمرار التحديّات الاستراتيجيّة في البيئة الإقليميّة المحيطة بإسرائيل.
هذه الخطة، تتطلّب زيادة قياسية في الميزانية المخصّصة لوزارة الدفاع، وهي زيادة لم يتم إقرارها حتى الآن نظراً للتعقيدات التي سبقت عملية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فقد تم وضع هذه الخطة، على أساس أن يتم تمويلها من ميزانية وزارة الدفاع، المرصودة عام 2019، بعد إعادة توزيع بنودها، مضافة إليها المنحة الأمريكية السنوية، التي تُقدر بنحو 3.8 مليار دولار، على أن تتم في ما بعد زيادة الميزانية الجديدة المخصّصة لوزارة الدفاع، بنحو 2 مليار شيكل، أي ما يعادل 538 مليون دولار، لكن جاءت تداعيات جائِحة كورونا، لتضع عراقيل جديّة أمام تنفيذ هذه الخطة، بالشكل الذي تم التخطيط له وقت إعلانها.
رئيس الأركان كوخافي أصر على إطلاق الخطة، في 25 كانون الأول/ديسمبر 2019، والذي صرح بأن خطة [الزخم- تنوفا]، قد تم إطلاقها بالفعل.
وأوضح أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه الانتظار حتى يتضح الوضع في "إسرائيل"، لأن الأعداء لا ينتظرون. بالنسبة للبعد الاستراتيجي، شدد كوخافي على أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يحافظ على قوة ردع من شأنها زيادة فترات الهدوء الأمني بين الحربين، ولكن عند وقوع حرب أو عملية، يجب أن تكون النتيجة مهمة. ووفقاً له، فإن برنامج خطة "الزخم" قد يجعل ذلك ممكناً من خلال زيادة القدرة الهجومية للجيش الإسرائيلي، على نطاق واسع، بقرارات أعلى وبقوى أعلى.
عاد رئيس الأركان كوخافي في 8 حزيران/يونيو 2020، وقبيل صياغة الميزانية الإسرائيلية، ليحذر من تقليص قدرات الجيش الإسرائيلي. وقال: "طالما كان هناك سلام، يتنامى الشعور بإمكانية تقليص الاحتياجات الأمنية. وهذا خطأ فادح دفعته الجيوش والدول عبر التاريخ، بما في ذلك إسرائيل، لدفع ثمن باهظ". وأكد: "نحن نتصرف ونستمر في خطة الزخم".
بدوره يرى معلق الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن الحروب الداخلية في الحكومة، والشكل الذي أديرت فيه الدولة في الأشهر الأخيرة، ينهشان بشدة الجيش، وأنه لا يتصور أحد أن تمسّ هذه الإدارة الفاشلة بالجيش أيضاً، إذ إن هذا جهاز قوي، غني بالميزانيات، وفي قلب الإجماع.
ولكن أزمة القيادة هذه لا تلمس فقط أهداب البزة العسكرية، بل تتسبب منذ الآن بضرر حقيقي. وفي حال لم يُتخذ قرار يسمح للجيش بأن يدير نفسه بشكل مرتب ومنطقي فإنه ببساطة سيقف. وسبق لهذا أن حصل في عام 2014، قبل شهر من "الجرف الصامد".
فعشية الحرب لم يتدرب سلاح الجو على مدى شهر، إذ نفد المال لدى الجيش. من المعقول الافتراض بأنه في كل تحقيق حقيقي أجراه الجيش بعد الحرب تبين أن قسماً من المشاكل المهنية التي برزت، لا سيما في الخطوات البرية، كان وليد وقف التدريبات والتسليح خلال تلك السنة، نتيجة لقرارات سياسية – اقتصادية للحكومة، عملت على طريقة "الجيش سيتدبر أمره" .
الجيش في كل شهر يقف على عتبة باب وزارة المالية كي يطلب الإذن لنفقات استثنائية. إضافة إلى ذلك: في السنتين الأخيرتين، وكنتيجة لتقليصات عرضية وتجميد لميزانية الدولة، فقد الجيش بالتقدير السريع نحو ثلاث مليارات شيكل من ميزانيته السنوية. وإذا كان بنى ونفذ حتى الآن خططاً مقرة من المشتريات، التدريبات، والاستعدادات على أساس ميزانية سنوية من 32 مليار شيكل، فليس لديه في 2020 إلا 29 مليار شيكل كي ينفذها. ومنذ الآن، تمدد بعض المشاريع على سنوات أطول، وتؤجل مشتريات، وبناء على ذلك تخفض تدريبات الاحتياط وتتضرر شروط الخدمة النظامية.
من الواضح لجهاز الأمن أن أزمة كورونا خلقت واقعاً اقتصادياً يتعين على الجيش أن يراعيه، ولكن من هنا وحتى تجاهل احتياجات الأمن العاجلة -على ما يبدو انتظاراً لمعجزة بأن تتدبر الامور بعد كل شيء من تلقاء ذاتها- فإن المسافة طويلة. تفهم قيادة الجيش بأن المواطن الذي تكون ثلاجته فارغة لا يشغل باله بجهاز الأمن، ولكنه سيقلق حين سيجلس في الغرفة الأمنية.
لم يؤدِّ عدم إقرار قانون الميزانية وتداعيات جائحة كورونا إلى منع وزارة الدفاع الإسرائيلية من إيجاد التمويل اللازم لتنفيذ هذه خطة "تنوفا" فقط، بل أدّت أيضاً إلى التعجيل ببعض البنود التقشّفية التي كان من المفترض أن يتم تنفيذها في مراحل لاحقة. فقد أعلنت قيادة سلاح الجو، عن نيّتها إنهاء عمليات السرب الهجومي رقم 117، الذي يضم مقاتلات من نوع (إف-16)، ويقع مقرّه في قاعدة رامات ديفيد الجوية شمال فلسطين المحتلة، وذلك بهدف توفير النفقات، وضخّها لاحقاً في برنامج مقاتلات (إف-35).
هذه التداعيات وجهت ضربة قوية للجانب التسليحي المستقبلي من هذه الخطة، وتسبّبت في تجميد العديد من البنود التي نصّت عليها هذه الخطة، فيما يتعلق بالمنظومات الدفاعية والهجومية الواجب الحصول عليها خلال الأعوام المقبلة، لضمان تحديث القوة العسكرية الإسرائيلية، ومواكبتها لأهداف هذه الخطة.
فقد تضمّنت هذه الخطة على مستوى سلاح الجو، تحديث سربين مقاتلين من أسراب سلاح الجو، وتزويدهما بطائرات متقدّمة من نوعي إف-15 وإف-35، بجانب إخراج أسطول سلاح الجو من مروحيات النقل العتيقة (إس إتش-53)، واستبدالها بأنواع أخرى حديثة.
وعلى صعيد القوات البرية، تستهدف الخطة إنشاء فرقة قتالية جديدة، تحت اسم الفرقة 99، تتضمّن ضمن تشكيلاتها لواء مشاة ميكانيكي، وهذا اللواء سيحتاج بطبيعة الحال إلى ناقلات جند مدرّعة جديدة، وعربات وشاحنات فنية وإدارية، وهي غير متوافرة حالياً. كما تنص الخطة على إنشاء لواء آخر تحت اسم (اللواء الهجومي)، سيتم فيه تطبيق بعض التكتيكات القتالية الجديدة، التي تجمع ما بين الوحدات البرية والجوية.
أما الدفاع الجوي والصاروخي، فقد نصّت هذه الخطة على إعادة هيكلة قيادة منظومات الدفاع الجوي المنضوية تحت لواء القوات الجوية الإسرائيلية، مع ضمان النشر التدريجي لبطاريات الدفاع ضد الصواريخ في كافة مناطق فلسطين المحتلة، وتحديثها بصواريخ وبطاريات جديدة.
بحرياً، لا تتضمّن الخطة تحديثاً أساسياً للقوات البحرية الإسرائيلية، لكنها تنصّ على تصنيع أربعة زوارق صاروخية من الفئة (ساعر 6)، للمساعدة في تأمين مواقع استخراج الغاز الطبيعي، قرب ساحل فلسطين المحتلة.
رغم من هذه المصاعب المالية الواضحة التي تواجهها وزارة الجيش الإسرائيلية، ولأهمية الاستمرار بالخطة متعددة السنوات على صعيد بناء القوة والتدريب والاستعداد يبدو أن الجيش الإسرائيلي مهتم بالتقدم في خطة "الزخم – تنوفا" وفقاً للموارد المتاحة له، من خلال عمليات التحويل الداخلية.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم تمويل معدات الجيش الإسرائيلي وبناء قوته يأتي من برنامج المساعدات الأمريكية للأعوام 2028-2019، لكن لا يُعرف ما الذي سيطر الجيش الإسرائيلي إلى عدم تنفيذه من الخطة، ويبدو أن الأمر لم يناقش في مجلس الوزراء.
يشكل إقرار ميزانيتي 2020 و2021، في خضم معالجة أزمة كورونا، التي تمثل أولوية وطنية قصوى، تحدياً صعباً لإسرائيل ووزارة الجيش.
في ضوء الجدول الزمني لإقرار ميزانية 2020 في الكنيست، لم يتبق لهذه الميزانية سوى القليل من الوقت لإحداث تأثير. من ناحية أخرى، تحوم ميزانية عدم اليقين الناتجة عن استمرار أزمة كورونا فوق ميزانية الدفاع لعام 2021.
ويقترح شموئيل إيفن باحث في معهد بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، أن يوافق مجلس الوزراء على خطة "تنوفا" على النحو التالي: موافقة عامة على الخطة لكل سنة من سنواتها، وموافقة خاصة على الخطة إلى جانب اعتماد ميزانيات الدفاع لعامي 2020 و2021، في المستقبل، عندما يكون ذلك ممكناً، يوصى بالموافقة على اتفاقية ميزانية دفاع متعددة السنوات طوال مدة خطة "تنوفا".
وكجزء من عمل طاقمه المستمر، يُعِد الجيش الإسرائيلي خطط عمل متعددة السنوات تهدف إلى تكييف أهدافه مع الوسائل التي تخصصها لها الحكومة، ليس هناك شك في الحاجة إلى مثل هذه الخطط، وسيكون من الأفضل للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن تأخذ في الاعتبار عدداً من السيناريوهات للخطط المحتملة لميزانيات الجيش لفترة خطة "تنوفا"، على سبيل المثال، سيناريو الحد الأدنى، الذي يفترض أن الأزمة الاقتصادية سوف تستمر على المدى الطويل؛ سيناريو متوسط ؛ والسيناريو الأقصى، كما خطط له الجيش الإسرائيلي قبل تفشي الوباء.
حسب المراقبين الإسرائيليين، فإن هناك فرقاً كبيراً بين رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت والحالي أفيف كوخافي، حيث إن الأول يمتاز بالعقلانية والواقعية في تفكيره وهذا الأمر ساعد على موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطته وتمويلها، في حين أن أفيف كوخافي يُعرف عنه أنه فيلسوف حالم وبعيد كل البعد عن الواقع وهذا الأمر أيضاً ظهر في خطته تنوفا والتي لم يُوافق عليها حتى الآن بشكل نهائي لأنها غير منطقية في كثير من بنودها.
بالإضافة إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يظهر انعدام ثقة "متطرفاً" تجاه رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، كما قال مسؤولون في جهاز الأمن الإسرائيلي وأنه تم التعبير عن ذلك بإقصاء كوخافي وإبعاده عن مواضيع بالغة الأهمية بالنسبة لأمن الدولة، هذا وقد ذكر تقرير لصحيفة "هآرتس"، إلى أن نتنياهو يمنع دفع خطة كوخافي المتعددة السنوات، المعروفة باسم "تنوفا".
وقال موظف حكومي مطلع إنه "حتى اليوم، رئيس الحكومة ليس معنيا بإجراء نقاش في الكابينيت السياسي – الأمني والمصادقة أو عدم المصادقة على خطة كوخافي. وبات واضحا للجميع أنه لن يصادق عليها كما هي، وهذا إذا جرت المصادقة عليها أصلاً".
ترى المستويات العسكرية الإسرائيلية، أن جائحة كورونا وجهت ضربة قوية لخطة "تنوفا"، وتسبّبت في تجميد العديد من البنود التي نصّت عليها هذه الخطة، فيما يتعلق بالمنظومات الدفاعية والهجومية الواجب الحصول عليها خلال الأعوام المقبلة، لضمان تحديث القوة العسكرية الإسرائيلية، ومواكبتها لأهداف هذه الخطة، ويبدو أن خطط كوخافي لن ترى النور إلا في الإعلام الإسرائيلي، وهذا ما أدركه كوخافي بنفسه، ولهذا يلاحظ تسريب بنود من خططه للإعلام بين الحين والآخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.