إن قدرة الإنسان على الإبداع والتكيف ظلت محط إعجاب الدارسين لتاريخه على مر العصور، فقد شيد القلاع والجسور وأنشأ الحضارات وأبدع في الفكر والفلسفة. لكنه مع ذلك ظل عاجزاً حين يتعلق الأمر بصحته، فمن القرن الثامن عشر حتى تاريخنا الحالي والإنسان في معركة مع الكوارث البشرية. ابتداءً من الطاعون والكوليرا وأنواع الإنفلونزا حتى هذه لحظة كورونا الراهنة التي أيقظت فينا ذلك الإحساس العميق بالعجز والهشاشة، وتعيدنا مرة أخرى لوضع المفعول به مثلنا مثل غيرنا من المخلوقات، فإلي أي حد نجح كورونا في كشف عجزنا وفضح هشاشتنا؟
فيروس كورونا المستجد ظهر كما تعلمون في مدينة ووهان الصينية وبدأ تدريجياً ينتقل عبر قارات العالم وأصبح حديث الساعة ولغزاً محيراً أمام خبراء البيولوجيا وعلماء الفيروسات، حتى إن منظمة الصحة العالمية أعلنته وباءً عالمياً لأنه أصبح يغزو العالم بأسره وتخطى مساحات جغرافية هائلة وهي نفسها التي قالت في البداية إنه لا ينتقل بين البشر.
فيروس كورونا، مجهري غير مرئي ولا يرى بالعين المجردة أصبح يغزو العالم بأسره، ورغم تطور البحث العلمي والتكنولوجي فإن العقل البشري يقف عاجزاً عن اكتشاف لقاح فعال بنسبة 100% ضد هذا الفيروس المعقد والمرعب.
عدوى الخوف أقوى من عدوى كورونا
وبمنأى عن آثار الكورونا على الاقتصاد والسياسة العالميين، فلقد ساهم في نقل الخوف والرعب وتغيير نمط الحياة حتى أصبحت أقصى أمانينا أن ترجع الحياة طبيعية كما كانت. وبما أن الإنسان كائن اجتماعي أصبح من الصعب التكيف مع هذا الوقت الراهن بل أصبح الخروج من المنزل جريمة في حق أنفسنا وعائلاتنا ومجتمعنا وضد القانون، إلا أن يكون هناك عذر واضح ومقنع للخروج، فالكل في فوبيا من المرض. العطس والزكام ونزلة البرد العادية بات الناس يخافون منها وكل ما نخشاه هو أن يتحول هذا الخوف إلى اضطرابات نفسية حادة، لهذا علينا أن نتصدى لهذه الأزمة نفسياً وأن نراعي العامل النفسي والمعنوي.
فكلمة الخوف من المرض والإصابة به أصبحت عنوان حياتنا، كورونا غيّر نمط عيشنا، فلكل من الدول المتطورة وحتى بلدان العالم الثالث في نفس الظرفية وتحت الحجز المنزلي، يقول داون بروان: ثمة عدوى واحدة تنشر أسرع من الفيروس ألا وهي الخوف. هذه الكلمة التي أصبحت ملازمة مع حياتنا اليومية على جميع الأصعدة ولم نراعِ مستجداتها في المستقبل القريب، وفي ظل هذه الظرفية السوداوية لِم لَم نطرح هذا السؤال على أنفسنا: لماذا لا نصنع من الليمون شراباً حلواً؟ بمعنى أن نحول الأخبار السلبية إلى إيجابية. لماذا نقتل أنفسنا ونضعف جهازنا المناعي؟
فالخوف والقلق يساهمان في قتل البشر أكثر من المرض، فقد تصاب بمرض كورونا وتشفى منه وأنت لا تعلم أنك مُصاب، وقد تصاب بنزلة برد عادية وتظن أنها كورونا وتضعف نفسيتك. كورونا يعيش معنا بالفعل، هو في كل مكان، في الأسواق والمحلات وهو عالق في الهواء. دعونا نتعايش معه من دون خوف أن نتسلح بقوة الإرادة والإيمان وبالتعليمات الصحية ونشر ثقافة التوعية الصحية ضد المرض. دعونا ننظر إلى الجانب الممتلئ من الكأس بدلاً من التركيز على النصف الآخر.
أنت أيها القارئ المصاب بهوس الأخبار وترقب إحصائيات الكورونا في العالم ألا تعلم ان هذا هو الموت البطيء، ألا تعلم أن نشرك للأخبار السلبية يومياً في مواقع التواصل الاجتماعي والمتعلقة بعدد الإصابات والوفيات يمكن أن يسبب أزمة نفسية لشخص ما؟
أنا هنا لا أطلب منك عدم الإكتراث ولكن أوقظك فقط على مسؤوليتك أمام صحتك وصحة غيرك يمكنك متابعة الأخبار من مصادر موثوقة والأخبار المحلية المتعلقة ببلدك الذي تمكث فيه فقط. يجب نشر معلومات دقيقة بدلاً من التسرع في نقل أخبار سلبية يمكن أن تكون خالية من الصدق.
ضوء في وسط الظلام
من هنا اتذكر مشهداً ألهمني النور والسعادة في ظل ظلام هذه الفترة التي تمر بنا، فهناك مصادر إلهام تتمثل في بعض من الدولة الأوربية وأكثرها وفيات وإصابات وهي إيطاليا الذين تصدوا للموجة الفيروسية العاتية بقوة وأمل حيث رصدتهم عدسات الإعلام العالمية في عدة مناطق وهم يعزفون الموسيقى ويغنون من خلال نوافذ منازلهم المفتوحة للحفاظ على الروح المعنوية العالية. هذا هو المشهد الذي نفتقده في روتيننا اليومي، ما أحوجنا لجرعة أمل وتفاؤل، كورونا أيقظنا من سباتنا وعلمنا الحفاظ على غذاء صحي مناسب لجسدنا وعلمنا الحفاظ على النظافة وأيقظ فينا حسّ التضامن، وعلمنا أن الإنسان وُلد من كبد الحياة ويستطيع أن يتكيف مع جميع الظروف القاسية. كما علمنا هذا الفيروس المجهري غير المرئي أن الإنسان ضعيف جداً أمام أقدار الله وأن أضعف المخلوقات تستطيع أن تحير العقل البشري وتجعله حائراً أمام الطبيعة والحياة.
هذا الفيروس أيقظنا من سباتنا العميق وحطّم غرور الإنسان.
درس كورونا
فيروس كورونا درس علمنا الكثير ويجب أن نخرج من هذه الجائحة بثقة وخبرة وحكمة. فيروس كورونا علمنا قيمة العلم والخبرة والكفاءة ومدى أهميتهم خاصة في العالم العربي الذي ينتظر لقاح الغرب.
يقول الدكتور الراحل مصطفى محمود: "لو انتشر فيروس قاتل في العالم وأغلقت الدول حدودها وانعزلت خوفاً من الموت المتنقل ستنقسم الأمم بالغالب إلى فئتين: فئة تمتلك أدوات المعرفة تعمل ليلاً ونهاراً لاكتشاف العلاج، والفئة الأخرى تنتظر مصيرها المحتوم. وقتها ستفهم المجتمعات أن العلم ليس أداة للترفيه بل وسيلة للنجاة".
وهذا باختصار هو حالنا اليوم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.